مصر على أبواب ثورة طلابية.. والامتحانات هي الشرارة


مظاهرات عارمة انطلقت في ربوع المحافظات المصرية، مؤخراً، أمام مباني وزارة التربية والتعليم؛ تنديداً بقرارات الوزارة إلغاء امتحانات بعض مواد الثانوية العامة، وتأجيل امتحانات مواد أخرى.

فامتحانات الثانوية العامة التي تعدّ “كابوساً” يؤرق آلاف الأسر المصرية، ويمضي الطلاب قبلها شهوراً متتالية يعانون من ضغوط نفسية في انتظارها لتحديد مستقبلهم، أصابتها الطامة الكبرى عقب انتشار وقائع تسريب الامتحانات، وقرار وزارة التربية والتعليم بإلغاء بعض الامتحانات وتأجيل أخرى.

فعلى مواقع التواصل الاجتماعي تم تدشين صفحات متخصصة في تسريب الامتحانات، إذ وعدت صفحة “شاومنج بيغشش ثانوية عامة” على “فيسبوك” الطلاب والمتابعين لها بالاستمرار في تسريب الامتحانات، كما واصلت نشر نماذح الأسئلة والإجابات لامتحانات الثانوية العامة القسمين العلمي والأدبي.

وآخر تلك الامتحانات التي تم تسريبها امتحان الديناميكا، الذي قدمه الطلاب الأحد 26 يونيو/حزيران الجاري، قبل أن تقرر الوزارة إلغاءه وتأجيل امتحانات (الجيولوجيا والعلوم البيئية، والتاريخ، والرياضيات البحتة “الجبر والهندسة الفراغية”) إلى 4 يوليو/تموز المقبل.

طلاب في المرحلة الثانوية دشنوا صفحة على “فيسبوك” لدعوة طلاب الثانوية العامة للتظاهر أمام مبنى الوزارة تنديداً بالقرار.

ودشن الطلاب صفحة “دفعة الظلم.. وقفة ضد تأجيل الامتحانات” اشترك بها أكثر من 50 ألف شخص في الساعات الأولى لتدشينها، دعت الطلاب وأولياء الأمور للتظاهر، الاثنين 27 يونيو/حزيران الجاري، أمام المبنى الرئيس لوزارة التربية والتعليم، مطالبين بـ”عدم إلغاء أي امتحان قام الطالب بتأديته، وعدم تأجيل أي امتحان لهذه المدة الكبيرة”، متهمين وزارة التربية والتعليم بالتقصير في الحفاظ على سرية الامتحانات.

– قرار قمعي

الطالبة بالمرحلة الثانوية العامة الشعبة العلمية، فاطمة هشام، أكدت أن قرار تأجيل عدد من الامتحانات وإلغاء أخرى “مستفز وقمعي”.

وأشارت في حديثها لـ”الخليج أونلاين” إلى أن “الطلاب يدرسون منذ 11 شهراً، ومحرومون من ممارسة حياتهم بشكل طبيعي”، موضحة أن “تسريب الامتحانات يساوي الطالب المجتهد الذي أمضى عامه الدراسي في جد واجتهاد بالطلاب الفاشلين الذين يعتمدون على الغش”.

وتابعت : “تسريب الامتحانات يعمل على التتفيه من وقار وهيبة الامتحانات”.

وأكدت أن “الطلاب مقهورون ومنهارون، فالاستعداد النفسي للامتحان له جلاله وهيبته أكثر من مذاكرة المادة نفسها، كما أن أداء الامتحان في إحدى المواد يخفف من على عاتق الطالب حمل تلك المادة ويفرغ طاقة نفسية بداخلة”.

وذهبت فاطمة للقول بأن “تأجيل باقي الامتحانات أمر سيء للغاية”، لافتة النظر إلى أن “تأجيل امتحان تلك المواد إلى الـ28 من رمضان، حرم الطلاب من الاستفادة مما تبقى من الشهر الكريم الذي قضوه في الامتحانات، وحرمهم من الاستعداد للعيد، وزاد من الضغوط النفسية عليهم”.

– قهر ودمار

في السياق ذاته، وصف أحمد حسني، والد أحد طلاب الثانوية العامة، قرار وزارة التربية والتعليم بإلغاء امتحان الديناميكا وتأجيل باقي الامتحانات بـ”القهر”.

وفي حديثه لـ”الخليج أونلاين” لفت حسني إلى أنه كولي أمر طالب في المرحلة الثانوية، يتنفس الصعداء بعد انتهاء أحد الامتحانات، وتأدية ابنه فيه بشكل جيد، موضحاً أن الثانوية العامة تستنزف إمكانيات الأسرة المادية والنفسية.

ووصف تسريب الامتحانات بـ”الدمار” الذي لحق بمستقبل ابنه وزملائه، وبدد أحلامهم، وألمح إلى أن الأسرة تعيش حالة من الانهيار الكامل منذ انتشار ظاهرة تسريب الامتحانات، التي تساوي الطلاب المتفوقين بغيرهم الذين يعتمدون على الغش، كما تُضيع جهد الطالب وأسرته هباءً.

– استنزاف مادي ونفسي

وأشار حسني إلى أنه أنفق أكثر من 70 ألف جنيه على الدروس الخصوصية لابنه خلال العام الدراسي الحالي، وأنه يمر بحالة نفسية سيئة؛ لأن جهده وتعب ابنه ذهبا أدراج الرياح.

وتابع قائلاً: “بعد معاناة 11 شهراً تأتي الحكومة بجرة قلم لتلغي الامتحانات بسبب تصرفات البعض غير المسؤولة وغير الأخلاقية، دون النظر لجهد الطالب وأسرته”.

– ظاهرة ليست جديدة

من جانبه لفت الخبير التربوى والباحث بالمركز القومي للبحوث التربوية، كمال مغيث، إلى أن ظاهرة تسريب الامتحانات ليست جديدة بالكامل على مصر.

وأشار في حديثه لـ”الخليج أونلاين” إلى أنه تم تسريب الامتحانات في مصر في خمسينات وستينات القرن الماضي “بضغط من إسرائيل”، كما انتشرت الظاهرة خلال السنوات العشر الماضية.

وذهب الخبير التربوي لتأكيد أن الجديد في تلك الظاهرة التي انتشرت تلك الأيام أنها عامة، وهناك تهديدات بالاستمرار في التسريب.

وأكد مغيث أن ما يحدث من تسريب للامتحانات الآن له قراءتان، الأولى على المستوى السياسي، وتكمن في وجود مؤشرات لدفع الدولة ثمن إهمال تطوير التعليم على مدى عشرات السنوات الماضية، مردفاً: “فرغم التطور التكنولوجي الذي ساد العالم لا زال التعليم المصري مثل العقود الماضية”.

وأردف الخبير التربوي قائلاً: “الأمر الثاني الذي يمكن قراءة الظاهرة به هو أن هناك حركة احتجاج على نظام التعليم في مصر الذي لا يُعلّم أحداً، ومُرهق لميزانية الأسرة، ولا يوفر العدالة وتكافؤ الفرص”.

– الطلاب يدفعون الثمن

كما أشار مغيث إلى أن “تسريب الامتحانات سيظل طالما هناك تزاحم على الجامعة، وعدم قبولها الناجحين بالكامل، وكون أن الامتحانات تُركز على الحفظ والاعتماد على الورقة الوحيدة”، مشدداً على ضرورة أن تتدخل الإدارة السياسية لحل تلك الأزمة، مبيناً “وزير التعليم لا يستطيع حل تلك الأزمة، ولا يتحملها وحده؛ لأنه محكوم بقوانين ومنظومة معينة وميزانية محددة”.

وعن التظاهرات الطلابية التي انطلقت تنديداً بإلغاء الامتحانات وتأجيلها، تساءل الخبير التربوي: “ماذا ستفعل تظاهرات الطلاب في ظل تلك المنظومة؟”.

– الوزير مسؤول

اختلف معه، مشرف ومتابع التنمية والجودة بوزارة التربية والتعليم، تامر بركات، الذي حمّل وزير التربية والتعليم مسؤولية تسريب امتحانات الثانوية العامة.

وفي حديثه لـ”الخليج أونلاين” لفت إلى أن سوء الإدارة والتنظيم، وعدم وجود لائحة قوية ورادعة لمثل هذه الأمور وراء انتشار تلك الظاهرة.

وشدد بركات على ضرورة هيكلة المنظومة التعليمية من جديد، واختيار كفاءات للعمل بها، مع تطبيق عقوبات شديدة لمن يتورط في هذا الأمر.

– إجراء احترازي

من جانبها رفضت وزارة التربية والتعليم تحمل مسؤولية تسريب امتحانات الثانوية العامة وحدها، مؤكدة على لسان المتحدث باسمها، بشير حسن، أن المجتمع بأسره يتحمل المسؤولية.

وقال حسن: “نحن أمام مافيا تستهدف تدمير كل مؤسسات الدولة ومستقبل أبنائنا، ويجب أن يتكاتف الجميع”.

وأكدت الوزارة أن قرار تأجيل الامتحانات يُعد إجراءً احترازياً ضد تسريب الامتحانات.