واشنطن في سوريا.. ضد «تنظيم الدولة» فقط وليس «بشار الأسد»


استبعدت أمريكا تنفيذ طلب، لمحاربة نظام الرئيس السوري، بشار الأسد، عسكريًّا بعدما رفضت طلبًا مشابهًا، في صيف 2012، ليعكس ذلك الرفض المتكرر، الأولويات الأمريكية والغربية أيضًا، لمحاربة التنظيمات «الإرهابية»، على محاربة الأنظمة «القمعية الدموية».

أمريكا تستبعد ضرب الأسد عسكريًّا «خوفًا من الحرب الشاملة»

في 17 يونيو (حزيران) الجاري، وقّع 50 دبلوماسيًّا في الخارجية الأمريكية على مذكرة، احتجوا فيها على تعامل الإدارة الأمريكية تجاه الملف السوري، مطالبين الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، قبل أشهر قليلة من تركه للرئاسة، بشن هجمات عسكرية، تستهدف نظام بشار الأسد .

ويرى أصحاب المذكرة أن السياسة الأمريكية، المُتبعة حاليًا تجاه سوريا، تعمل بشكل ضمني ضد المعارضة السورية، وتُعين الأسد في الحفاظ على سلطته، مُطالبين الإدارة الأمريكية بتهديد له مصداقية، وبإجراء عمل عسكري ضد الأسد، كي يشعر بضغط يجبره على التفاوض مع المعارضة، بعد انتهاكه لاتفاقيات وقف إطلاق النار، على مدار خمس سنوات من الحرب.

بعد أيام قليلة، جاء الرد الرسمي الأمريكي سريعًا، باستبعاد ضرب نظام الأسد، وقال جوش إرنست، المتحدث الرسمي باسم البيت الأبيض، إن ضرب «الأسد» عسكريًّا، لحمله على الحل السياسي، سيؤدي إلى انزلاق أمريكا لـ«حرب شاملة ومفتوحة» مع «دولة ذات سيادة، تتلقى الدعم من روسيا وإيران»، لافتًا أن ذلك سيُشتت الجهود الأمريكية لهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، المعروف بـ «داعش».

وقال إرنست في إيجازه الصحفي اليومي، الأربعاء الماضي، إن استخدام أمريكا القوة يتطلب تفويضًا قانونيًّا، لا يتوفر لديها، وأضاف أن ذلك ينطوي على محاذير، منها احتمال قتل مدنيين في الغارات الأمريكية. وتجدر الإشارة إلى أن التحالف الدولي، العامل تحت قيادة أمريكا في سوريا، أدت ضرباته الجوية لمقتل ما لا يقل عن 466 مدنيًّا، بينهم 127 طفلًا، و80 امرأةً، من بين 5415 قتُلوا نتيجة غارات التحالف، البادئة في 23 سبتمبر (أيلول)، لعام 2014، ومن بينهم ما لا يقل عن 4793 من مقاتلي «تنظيم الدولة»، و136 من مقاتلي «جبهة النصرة»، التابعة لتنظيم القاعدة، وفقًا لإحصائية أصدرها المرصد السوري لحقوق الانسان، الخميس الماضي، تحصد قتلى 21 شهرًا من غارات التحالف الدولي في سوريا.

ولم يختلف حديث إرنست كثيرًا، عن وجهة نظر روسيا، الحليف الدولي الأكبر لـلأسد، التي نددت بالمذكرة، وترى أنالفوضى ستعُم المنطقة، إذا سقط نظام الأسد. ولفت الكرملين في بيان له، أن إسقاط الأسد لن يُساعد على محاربة الإرهاب.

ومن جانبه، وصف جون كيري، وزير الخارجية الأمريكي، المذكرة بـ«الإعلان الهام»، والتقى بعدد من الموقعين عليها، ولكنه أفاد في تصريحات صحافية الخميس الماضي، بأنه لا أحد يعلم إن كان التدخل العسكري، ضد الأسد في سوريا، هو الخيار الصحيح، وطالب داعمي الأسد بنصيحته بالتعايش مع اتفاق وقف الأعمال القتالية.

محاولات أمريكية «فاشلة» لدعم المعارضة السورية

ليست هذه المرة الأولى التي ترفض فيها الإدارة الأمريكية أصواتًا من داخلها، تطالبها بمواجهة الأسد عسكريًّا، ففي صيف 2012، وقبل أشهر قليلة من انتهاء ولاية أوباما الرئاسية الأولى، قدمت هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية السابقة والمرشحة الرئاسية الحالية، مع ديفيد بترايوس، الرئيس السابق لوكالة الاستخبارات الأمريكية المركزية «سي آي إيه»، خطةً لتسليح المعارضة السورية، وتدريبهم في إحدى دول المنطقة الحليفة، لمواجهة نظام الأسد، وأيد الخطة حينها لوين بانيتا، وزير الدفاع الأمريكي السابق، لكن أوباما رفضها، حتى لا تصل الأسلحة لمقاتلين «متشددين» يحاربون الأسد، أو بالأحرى لـ«تنظيم الدولة».

وبعد استخدام الأسد للسلاح الكيماوي في الغوطة، في 21 أغسطس (آب) لعام 2013، متسببًا في مقتل أكثر من ألف شخص، هددت واشنطن الأسد بعمل عسكري، ولكن أوباما تراجع عن هذه الفكرة، بعدما أبرمت أمريكا مع روسيا اتفاقًا ثنائيًّا، في 23 سبتمبر (أيلول) لعام 2013، يقضي بتدمير الأسلحة الكيماوية السورية، قبل منتصف عام 2014، وإن لم تلتزم سوريا بذلك، فإن الاتفاق سيُفرض بقرار من الأمم المتحدة، مع تهديد بعقوبات شاملة، أو استخدام مباشر للقوة العسكرية الأمريكية.

ولم تلتزم دمشق بتسليم أسلحتها في الموعد المحدد، وسط شكوك من عدم تدميرها لكامل أسلحتها الكيماوية، ولكن ذلك لم يؤدِ في النهاية إلى استخدام القوة العسكرية ضد الأسد. وبعد استخدام الأسد للأسلحة الكيماوية، حاولت أمريكا تقديم التدريب والتسليح، للمعارضة «المعتدلة»، سرًّا عن طريقة الـ «سي آي إيه»، لكن الدعم لم يكن على المستوى المطلوب، وتأخرت الوكالة الاستخباراتية في تسليح مقاتلي المعارضة، الذين اختارتهم مسبقًا.

وأوكل أوباما مهمة تسليح وتدريب المعارضة إلى وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون»، ليصبح ذلك النشاط مُعلنًا بشكل أوضح، في الشهور الأخيرة من عام 2014، بتكلفة نصف مليار دولار. وفي فبراير (شباط) لعام 2015، بدأ البرنامج الأمريكي التركي، لتدريب وتسليح 15 ألفًا من مقاتلي المعارضة «المعتدلة»، في مدة زمنية أقصاها ثلاث سنوات، إلا أن أمريكا اشترطتأن تلتزم المعارضة المُدربة بقتالها ضد «تنظيم الدولة» فقط، بعيدًا عن الأسد؛ مما أدى لانسحاب عدد من القوى من التدريب. وفي يوليو (تموز) الماضي، لعام 2015، أقر البنتاجون بتدريب 60 مقاتلًا فقط، في البرنامج التدريبي، بعدما تقدم سبعة آلاف متطوع للتدريب، صنفتهم الـ«سي آي إيه» بدقة وبطء شديدين، مع التأكيد على هدف التدريب الرئيس، المتمحور في محاربة «تنظيم الدولة»، وليس النظام السوري.

المدهش أن الجنرال لويد أوستن، أعلى قائد عسكري أمريكي في الشرق الأوسط، قال في سبتمبر (أيلول) الماضي، أمام لجنة من مجلس الشيوخ الأمريكي، إن هناك أربعة أو خمسة فقط من مُقاتلي المعارضة، المدربين من قبل أمريكا، يُقاتلون «تنظيم الدولة»، لافتًا أن الباقين هُوجموا من جبهة النصرة، فور دخولهم سوريا، في يوليو (تموز) الماضي، ليقعوا بين أسير وقتيل وهارب.

في حين أفاد البنتاجون أن بعض المتدربين سلّموا أسلحتهم، إلى فصائل «جهادية»، فور عودتهم إلى سوريا، ولكن ذلك لم يمنع «البنتاجون» من الإعلان، مطلع أبريل (نيسان) الماضي، بدء برنامج «معدل» يتجنب أخطاء الماضي، لتدريب العشرات من مُقاتلي المعارضة، لمحاربة «تنظيم الدولة». كما أفادت تقارير صحافية أمريكية، في منتصف أبريل (نيسان) الماضي، أن الـ«سي آي إيه» تُجهز الخطة «ب»، لتزويد المعارضة «المعتدلة» بأسلحة متطورة، لمواجهة الأسد لو فشلت الهدنة.

الدعم الأمريكي العسكري «الفعّال» كان لأكراد سوريا

مع وضوح الرؤية الأمريكية، في إعطاء الأولوية لمحاربة «تنظيم الدولة» عسكريًّا، مع معاداة الأسد سياسيًّا، وجدت واشنطن ضالتها في دعم وحدات «حماية الشعب» الكُردية، في شمال سوريا، لقتال «تنظيم الدولة»، باعتبار أن الوحدات الكردية هي «صديق أمريكا المُفضل» بالداخل السوري، صديق تتفق أولويته الأولى مع واشنطن، في محاربة «تنظيم الدولة»، والتغاضي عن النظام السوري.

وقد حققت الوحدات الكُردية انتصارًا بريًّا كبيرًا على «تنظيم الدولة»، تمكنوا من خلاله من السيطرة على جزيرة العرب «كوباني»، في نهاية عام 2014 وبداية 2015، بدعم جوي أمريكي. وازدادت ثقة الأمريكيين، منذ هذه المعركة، في أكراد سوريا بشكلٍ كبير، باعتبار الوحدات الكردية هي الجهة الأقوى، في محاربة «تنظيم الدولة» على الأرض.

وأرسلت أمريكا 300 جندي، من قواتها الخاصة، على مرحلتين إلى شمال سوريا، ذات السيطرة الكُردية، لتقديم «الدعم والمشورة» لمحاربة «تنظيم الدولة»، دون المشاركة في أعمال قتالية مُباشرة، أعمال كان آخرها في 25 أبريل (نيسان) الماضي. وتثير العلاقة القوية، بين الوحدات الكردية وأمريكا غضب تركيا، حليف أمريكا بحلف الأطلسي «الناتو»، لأن الجانب التركي يعتبر الوحدات الكردية ممثلة عن حزب العمل الكردستاني، المصنف على قوائم «الإرهاب» التركية، والممثل بجانب «تنظيم الدولة» التحديين الأمنيين الأخطر في الداخل التركي.

وتعتبر الهيئة العليا للمفاوضات السورية، المنبثقة عن المعارضة السورية، انتصارات الوحدات الكردية هي «انتصارات لنظام بشار الأسد»، وهو ما ينفيه الأكراد.  وقد اشتد الصراع بين الأكراد والمعارضة، في المعارك التي شهدتها مدينة حلب في الفترة الأخيرة، وفي المقابل دائمًا ما يُطالب كلّ من روسيا والنظام السوري، بمشاركة وحدات حماية الشعب الكردية، وتمثيلهم في المحادثات السياسية، وبالأخص محادثات «جنيف 3».

ويوم الخميس الماضي، تمكنت قوات سوريا الديمقراطية، التي تسيطر عليها الوحدات الكردية، وتضم بعض العرب، من دخول مدينة منبج. تلك المدينة التي باستعادتها تنقطع خطوط إمداد «تنظيم الدولة»، داخليًّا وخارجيًّا، ولكن المعارك ما تزال مستمرة هناك. وتؤكد تركيا أنها تلقت ضمانات أمريكية بـ«المستقبل العربي غير الكردي» للمدينة، الواقعة على الحدود السورية التركية.

بريطانيا أيضًا رفضت التدخل العسكري ضد «الأسد» وقبلته ضد «داعش»

ليست أمريكا هي الدولة الغربية الوحيدة الرافضة للتدخل العسكري ضد الأسد، فبعد استخدام نظام الأسد للسلاح الكيماوي، اتخذ ديفيد كاميرون، رئيس وزراء بريطانيا، قرارًا بمحاربة الأسد عسكريًّا في عام 2013، ولكن البرلمان البريطاني رفض آنذاك.

وفي ديسمبر (كانون الأول) لعام 2015، وافق البرلمان البريطاني على قرار الحكومة البريطانية، بالمشاركة في الهجمات الجوية، الموجهة ضد «تنظيم الدولة» في الداخل السوري، وكان هذا القرار محل جدل في الداخل البريطاني، إلا أن عمليات باريس، التي تبنى «تنظيم الدولة» مسؤولية تنفيذها، ساعدت بريطانيا على اتخاذ القرار.