من الفلوجة إلى منبج: الثمن المفجع لحلول لا تحلّ شيئاً


في يوم اللاجئ العالمي الذي حل قبل أيام قالت المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة أن رقم اللاجئين في العالم (65 مليون شخص) بلغ حدّه المسجّل الأعلى في التاريخ، وكان 10٪ من هؤلاء اللاجئين من سوريا، وتوقعت منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في العراق أمس الخميس أن الهجمات العسكرية القادمة في العراق على تنظيم «الدولة الإسلامية» بما في ذلك حملة على مدينة الموصل يمكن أن تشرّد ما لا يقل عن 2.3 مليون شخص.

جمعية علماء المسلمين في العراق، من ناحيتها، أحصت ما لا يقل عن 8 ملايين مواطن عراقي بحاجة لحماية وأكثر من ثمانية ملايين ونصف بحاجة للرعاية الصحّية الأساسية.

تعاملت القوى الكبرى في العالم مع قضية اللاجئين بفصلها عن جذورها السياسية والتعاطي معها، من جهة، كمسألة إنسانية، ومن جهة أخرى، كتهديد ديمغرافي وأمنيّ، وقد ووجه القرار الألماني العام الماضي باستقبال أعداد كبيرة من هؤلاء الهاربين من الحروب بردود فعل مضادّة كبيرة من بقية دول القارّة الأوروبية، وأدّى إلى تصاعد شعبيّة اليمين المتطرّف في البلد نفسها وفي كل مكان آخر، وقد ساهم في ترويج هذا الاتجاه حوادث ارتبطت باللاجئين، وكذلك عمليّات إرهابية حصلت في فرنسا وبلجيكا وأمريكا.

أما على الساحة العربية فقد رفعت إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما راية قتال تنظيم «الدولة الإسلامية» واعتبرتها أولويتها القصوى، وتجاهلت هنا أيضاً الجذور السياسية لظهور هذا التنظيم، وقامت من أجل تحقيق أجندتها هذه بالضغط على كافة الأطراف الإقليمية في المنطقة لتوجيه البوصلة بهذا الاتجاه وحده، وخلقت بذلك تحالفاً عمليّاً مع إيران وميليشياتها الشيعية في العراق، وآخر مع قوّات ذراع حزب العمال الكردستاني التركي في سوريا (وحدات الحماية الشعبية).

بهذه الخطة تقوم الولايات المتحدة الأمريكية في العراق بتوظيف قوّات إيران والحكومة العراقية و«الحشد الشعبي»، وهي ذات طابع شيعيّ غالب، لتطهير مدن ومناطق سنّية يسيطر عليها «الدولة»، مما يؤدي عمليّاً إلى تدمير كبير لتلك المدن والمناطق، تتبعها عمليات اعتقالات مكثّفة لأعداد كبيرة من السكّان، ما أدّى إلى حصول انتهاكات موثقة من إعدامات جماعيّة وسلب للممتلكات وتحويل سكّان تلك المدن والمناطق إلى لاجئين.

نتائج الهجمات في سوريا لا تختلف في المحصّلة من حيث الانتهاكات ومضاعفة أعداد اللاجئين لكنّها تزيد الوضع المعقّد أصلاً كارثيّة، فإضافة إلى الصراع المفتوح بين المعارضة السورية المسلّحة والنظام، فإنها تضيف صراعاً وأحقاداً جديدة بين العرب والأكراد، وتؤجج بدورها نيران الصراع الكردي ـ التركيّ الذي انعكس بعمليّات إرهابيّة في كثير من المدن والحواضر التركية.

التلخيص الواضح لسياسة أمريكا هو أنها تتحالف مع ميليشيات وتنظيمات إرهابيّة وطائفية شيعيّة وكرديّة تربطها بها علاقة المصالح الآنية للتخلص من تنظيم إرهابيّ وطائفيّ سنّي، وهي معادلة لخلق حواضن ثّأر وانتقام على منطقة جغرافية واسعة.
الحلول التي تقترحها الولايات المتحدة الأمريكية إذن هي حلول مؤقتة لتحقيق نجاحات سريعة كما لو كانت لقطات من فيلم أمريكي يختتم بها باراك أوباما حياته السياسية ولكنّ مفاعيل هذه الحلول، ستكون كمفاعيل الحلول التي سبقتها والتي نقلتها من إرهاب إلى إرهاب أشدّ، فيما أنظمة الاستبداد تروّج لهذه المقتلة الهائلة التي شاركت في صنعها.