الصيدليات غير المرخصة… دكاكين لبيع الدواء في ريف إدلب


الصيدليات غير المرخصة... دكاكين لبيع الدواء في ريف إدلب

رزق العبي: المصدر

لم يعد خافياً على أحد غياب الرقابة في المناطق المحررة، والتي تشمل مفاصل الحياة كافة، وهذا لا يعني بالضرورة، ضعفاً في إدارة تلك المناطق، إنما هو موضوع يعزوه غالبية الناس، لانشغال الجهات التي ربما يكون بمقدورها فرض رقابة، عن الالتفات بشكل كامل لموضوع المناطق المحررة، من حيث المتابعة والرقابة.

وكنّا قد تحدثنا في كثير من مواضيعنا التي طرحناها، عن المشاكل التي يكون في الغالب غياب الرقابة هو سببها، ولكن أن يتطور الأمر، وتصبح الفوضى موجودة في المجال الطبي، فهذا أمر يجب الوقوف عنده، والوقوف مطوّلاً.

“دكانة الأدوية، أو بائع الأدوية” مصطلحان يكثر تداولهما في ريف إدلب نظراً لوجود العديد من الصيدليات غير المرخصة، أو التي يمتلكها شخص غير مجاز، ويختلف عدد الصيدليات غير المجازة في محافظة ادلب من منطقة الأخرى فقد تجاوز نسبة 40% في بعض المناطق بسبب عدم وجود جهات رقابية مختصة لها الأمر.

المجازون هم الخاسرون

وهنا يقول الصيدلاني “محمود” من معرة النعمان في حديثه لـ (المصدر): “الخاسر الوحيد في هذا الموضوع هو الصيدلاني المجاز لأن دراسته لمدة سنوات وتعبه في الجامعات ضاع هباءً وشهادته صارت تساوي شهادة معهد لغة انكليزية وفي بعض المناطق لا تساوي شيئاً لأن حال الصيدلية أصبح كحال أي مركز بيع مواد غذائية مع الأسف”.

ويتحدث “أحمد”، وهو أيضا صيدلاني من “كفرنبل”: “لقد سعى المكتب الطبي في مدينتنا منذ حوالي 7 أشهر إلى تنظيم وضبط هذا الموضوع على مستوى المدينة ولكن بدون فائدة ويعود السبب في ذلك لعدم تبني هذا المشروع من قبل مديرية الصحة الحرة أو أي جهة شرعية أو سلطة تنفيذية، أنا مثلاً أحمّل هذه المسؤولية لمديرية الصحة الحرة لأنه من المفروض عليها أن تتولى هذا التنظيم وتضع لجنة رقابية مدعومة من قبل الجهات الأمنية الموجودة في المناطق المحررة”.

شهادات مبتاعة

وحول إمكانية ضبط هذه الحالات قال الصيدلاني “معن” من ريف “معرة النعمان” الشرقي: “من المستحيل أن يتم ضبط هذا الموضوع لأن معظم الصيادلة غير المجازين مستترين بشهادة صيدلي مجاز والبعض الآخر بالفعل قد استأجر شهادة صيدلي مجاز وعند المسائلة ستكون من ضمن الصيدليات المجازة ولذلك لن نستفيد نحن الصيادلة المجازين شيئاً”.

وقال الصيدلاني “أحمد الموسى”: أي شخص أصبح لديه خبرة قليلة في مجال الأدوية صار بالإمكان أن يفتتح صيدلية، وبالنظر إلى مستوى الصيدلة الآن أصبحت أدنى من دكان سمانة.

ويضيف “الموسى”: هناك شخص أعرفه يمتلك صيدلية في بلدة بالقرب منّا ولا يمتلكك إجازة في الصيدلة بل يمتهن التمريض، ولديه خبرة ضعيفة في موضوع الأدوية، وكثير من الأحيان يطلب مساعدتي في أمور بسيطة جدا وبديهية لذوي الاختصاص، استغرب كثيرا أن مثل هؤلاء يمتلكون صيدليات، كل الصيادلة معرضون للخطأ، ولكن أخطاء عن أخرى تختلف، فكثير منهم يصفون جرعات دوائية لمرضى دون الرجوع إلى الطبيب، وهذا الأمر أنا لا أجرأ عليه.

أدوية قاتلة

الطبيب “وليد حلاوة” يقول بدوره: نحن نشجع ونتمنى من الجهات المختصة ضبط موضوع الصيدليات غير المجازة لأنها في الحقيقة تضر الصيادلة المجازين من جهة و تضر بالناس من جهة أخرى وضررها قد يكون قاتلاً في بعض الأحيان، فخلال مزاولتي لمهنة الطب في إحدى المشافي جاءتنا أكثر من حالة لتناول دواء عن طريق الخطأ وخاصة تناول الحقن، وبالتدقيق نجد أن الدواء أُعطي للمريض بطريق الخطأ من قبل صيدلي غير مجاز، وفي هذه الحالة لا يلام المريض لعدم ذهابه إلى طبيب مختص فبعض الناس تفضل الذهاب للصيدلي مباشرة لأنها غير قادرة على تحمل كشفية الطبيب في هذه الأيام، ومن هنا تأتي أهمية الصيدلاني المجاز فهو على الأقل يجيد التعامل ولديه خبرة من الدراسة في وصف أدوية للحالات البسيطة التي لا تحتاج لطبيب أو مشفى”.

ويؤكد طبيب الداخلية “فارس الشيخ” أن في هذه الأيام يكثر انتحال مهنة الصيدلة والسبب الرئيسي هو غياب الرقابة والمحاسبة ويغفل الكثيرون أن ذلك أمر خطير جدا، فمهنة الصيدلة علم واسع يتطلب الإلمام بكل ما يخص الأدوية، الجذور الكيماوية، الكيمياء التركيبية، طريقة وشروط التحضير، استطبابات الدواء، التأثيرات الجانبية، وغيرها من الأمور التي يجهلها الإنسان العادي.

يقول الشيخ: “يحدث في كثير من الأحيان أن يقع بعض الأطباء بأخطاء في توصيف بعض الأدوية، ففي أغلب الأحيان يقوم الصيدلاني بالتواصل مع الطبيب المعالج وتنبيهه إلى الموضوع وهذا الأمر وارد الحدوث باستمرار، لأن الصيدلاني مطّلع بشكل جيد على علم الأدوية، وعندها يتم تلافي الخطأ، أما إذا كان من يصرف الدواء منتحلا للمهنة عندها بكل تأكيد لن يتم الانتباه لذلك الخطأ”.

ويتساءل الشيخ في نهاية كلامه بأن “هل يقبل أن يأتي شخص ربما لم يتم دراسة الثانوية، ويمنع فرصة العمل عن ذلك الذي أتم دراسته الجامعية وسهر الليالي، وربما أصبح مستدانا حتى حصل على شهادته؟”.

بينما يقول مدير إحدى المشافي في مدينة ادلب: أنا شخصياً وكل طبيب يحترم مهنته لا نحبذ التعامل مع الصيدليات غير المجازة وبالأصل هذا الموضوع هو قلة احترام لمهنة الطب التي من المفروض أنها أسمى المهن الانسانية، وأنا خلال مزاولة مهنتي كنت دائماً أوصي المريض أن يعود للعيادة لكي اتأكد من الدواء الذي اشتراه بنفسي”.

لم نعد نعرف المجازين

أبو عبد الله، من أحسم يقول: “أنا وعائلتي نادراً ما نذهب إلى طبيب في الحالات العادية المعروفة لدى أي رب أسرة ونكتفي بالذهاب إلى الصيدلية وأحبذ أن يكون الصيدلاني مجاز ولكن للأسف في هذه الأيام لا نعرف المجاز من غير المجاز”.

ويقول “عبد الله الصطوف” من ريف حماة، مقيم في جبل الزاوية: “في إحدى الأيام في وقت متأخر من الليل اضطررت أن آخذ ابني الصغير إلى محل اسعافات أولية لعدم وجود طبيب في هذه الوقت و كان الطفل يشكو من حمى مزمنة فأعطاني الشاب الموجود في المحل كمية كبيرة من الدواء و لم يستفد منها الطفل، وفي اليوم التالي راجعنا الطبيب وعندما نظر إلى الدواء ضحك وقال لي أن أرميه في الحاوية لأنه لا يتناسب مع حالة الطفل ووصف له دواء آخر”.

من المسؤول؟

إدارياً وحول إمكانية فرض قرار يمنع هذه الظاهرة ويلاحق مرتكبها، يقول “غسان حمو” رئيس المجلس المحلي لمدينة إدلب: “مثل هذا القرار لا يصدر عن المجلس المحلي، ولا نعلم إن كان قد صدر من جهة أخرى، وكل قرار غير صادر بشكل رسمي من المجلس المحلي يعتبر لاغياً، وإننا مسؤولون فقط عن القرارات الصادرة عن المجلس بشكل رسمي”.

“مصطفى القنطار” عضو المكتب الخدمي في المجلس المحلي لمدينة ادلب وافق رئيس المجلس في هذه النقطة وقال: “إن المجلس ليس له علاقة بمثل هذه القرارات، فهي بعيدة عنه كل البعد، ولا يمكن للمجلس أن يتخذ هذا القرار، دون موافقة مديرية الصحة الحرة والفصائل الأمنية في المدينة”.

صيدليات فيسبوكية بلا حدود

وبعيداً عن مناطق إدلب المحررة، وإذا اجتزنا الحدود إلى تركيا حيث نزح ملايين السوريين، انتشرت بشكل كبير الصيدليات المنزلية التي ينشئها أحد النازحين في منزله ويعلن عنها عن طريق المجموعات الخاصة بالسوريين على مواقع التواصل الاجتماع كالفيسبوك وغيرها.

“كنان حجو” نازح حلبي في مدينة أنطاكيا التركية، يقول إن هذه الصيدليات المنزلية ساهمت بتوفير مبالغ طائلة بالنسبة لمرض ابنته المعاقة، فهي تحتاج إلى علبة دواء ثمنها في الصيدلية النظام في تركيا 60 ليرة تركية (حوالي 20 دولاراً) أما في صيدلية أحد السوريين المنزلية فثمنها 35 دولاراً.

يعود ذلك، بحسب “عبد الرحمن” الذي يملك صيدلية في منزله بأنطاكيا، إلى أن هامش الربح بالنسبة للصيدليات التركية كبير جداً، وهو يحصل على الأدوية من المستودعات الرئيسة بطرق ملتوية ليبيعها بأسعار تناسب دخل السوريين المنخفض.

وأشار أيضاً إلى أن تركيا باتت منبعاً رئيساً لمئات من أصناف الدواء التي فقدت في سوريا، ويقوم التجار بشرائها من المستودعات في تركيا وشحنها إلى الداخل السوري.

أخبار سوريا ميكرو سيريا