ميليشيات مستقلة عنه وأمراء حرب تدير ملفاته الكبرى.. "هكذا يتفسخ نظام الأسد أكثر مما تعتقد"

خمس سنوات غيّرت من معالم نظام بشار الأسد في سورية، وفي الوقت الذي كانت قواته قد بدأت باستخدام الخيار العسكري في المدن الثائرة، بدأت تغييرات جديدة تدخل على جسد النظام وأجهزته العسكرية والأمنية، إلا أن ازداد الانهيار في صفوف قواته وكثر عدد قتلاها، وتمكن الفساد بشكل أكبر من مؤسسات الدولة بفعل استغلال السلطة والنفوذ، وعندها بدأت مرحلة جديدة من تفسخ النظام وتآكله، ويمر حالياً في أسوأ فصولها.
"اضمحلال النظام السوري أسوأ بكثير مما كنت تعتقد" هكذا عنون الكاتب "توبياس شنايدر" ورقته التي نشرها في موقع "حرب على الصخور" (War on the Rocks(link is external))، ويسلط الضوء فيها على ما تبقى من بنية لنظام الأسد بشار الأسد، وتعرض بذلك إلى الحديث الأمريكي المتكرر عن خشيته على المؤسسات في سورية، ليبرز التساؤول: "ماذا تبقى منها؟". ويبدأ "شنايدر" حديثه بالإشارة إلى مقابلة أجراها آرون ديفيد من صحيفة "فورين بوليسي" الأمريكية، مع الأمريكي روبرت مالي أحد أكثر المستشارين الثقاة لما يجري في الشرق الأوسط، ويشير فيها إلى أبرز أولويات الولايات المتحدة حيال الملف السوري وهي: "الحاجة إلى تحقيق التوازن بين الهواجس الإنسانية، والرغبة في الحفاظ على مؤسسات الدولة"، ما يضمن عدم حصول فراغ يقود البلاد إلى فوضى عارمة. وعلقّ الكاتب والباحث السوري صبحي حديدي في صحيفة "القدس العربي(link is external)" على ورقة "شنايدر" بالقول: "والحال أن فقرات ورقة شنايدر لا تثبت، بتفصيل دقيق ومتأن، أنّ مفهوم الدولة ضمن بنية ما تبقى من النظام السوري، آخذ في التفسخ والتفكك والانحلال (...) فحسب؛ بل إنّ أطراف النظام القائمة على ميليشيات محلية وطائفية الطابع مثل صقور الجبل، أو جيوب عسكرية ميليشياتية مثل قوات النمر باتت مستقلة أكثر فأكثر عن مركز النظام في دمشق، أو فرعَيْه في اللاذقية وطرطوس، واستقلت معها مواردها الاقتصادية والريعية القائمة على النهب وتجارة المخدرات والرهائن والأتاوات". ويشير الكاتب "شنايدر" إلى أن حجة "الحفاظ على مؤسسات الدولة" لم تكن فقط مستخدمة من قبل الإدارة الأمريكية لتبرير تحركها المحدود في سورية، بل أيضاً من قبل عدد من  المعلقين الذين كتبوا ضمناً وصراحة للدفاع عن نظام الأسد.

انهيار القوات

ويعرض الكاتب جانباً من مظاهر اضمحلال نظام الأسد عبر الحديث عن الخسارة الكبيرة التي منيت بها قواته في إدلب العام الماضي (وسيطرت المعارضة على المدينة وطردت النظام منها). ولفت "شنايدر" إلى أن الأسد نفسه اعترف في كلمة ألقاها عقب ذلك بأن قواته تعاني من نقص هائل في العنصر البشري، وأنها ستنسحب من بعض الجبهات، وقبل ذلك كان الأسد يعاني من من الجهود اليائسة في سورية لتجنيد المقاتلين. ويتابع الكاتب أن هذا الانهيار والاستنزاف البطيء بصفوف قوات النظام، أدى إلى تدخل روسي وإيراني مباشر لمساعدة النظام، ويشير أنه بحلول فبراير/ شباط من هذا العام أشار محللون إلى أن الدولتين "نجحتا بشكل كبير في تحقيق محاولتهما".

قوة ميليشيات

ويشير "شنايدر" إلى قوات نظام الأسد أصبحت تتألف من ميليشيات محلية، وتعمل وفقاً للجهات المانحة المحلية والأجنبية، وأمراء الحرب. ويخص بالذكر ميليشيات مثل ميليشيا "النمر" (قوات العقيد سهيل الحسن)، وقوات "صقور الصحراء"، والتي تجمع في صفوفها أمراء حرب، وتحصل على دعم أجنبي ضمن تحالفات مؤقتة وغرف عمليات. ويرى الكاتب السوري حديدي أنه إذا "توقف المرء عند التسمية التي تتخذها شبكة ميليشيات الموالاة في مختلف المناطق التي ما تزال تحت سيطرة النظام، في الساحل السوري وريف حماة تحديداً (لواء أسود الحسين)، والقوة الجعفرية، ولواء سيف المهدي؛ فإنّ مشهد التفسخ والتفكك والانحلال يتخذ بُعداً إضافياً هو التشرذم الجغرافي وتدنّي الترابط وانعدام التنسيق". ويرى مُعد الورقة "شنايدر" أن ذلك مرتبط أيضاً بالتفاعل ما بين الضغوط الاقتصادية، والحكم الوطني والمحلي، ويقول إن قوات الأمن التابعة للأسد تمثل في وقت واحد سبباً ونيتجة لانهيار الدولة على المستوى المحلي.

"مجلس الشعب"

ويشير الكاتب السوري حديدي إلى جانب آخر يقف عنده "شنايدر" في حديثه عن انهيار نظام الأسد وهو ما جرى في انتخابات "مجلس الشعب" مؤخراً، وكيف "انقلبت رأساً على عقب أحياناً المعايير التقليدية في اختيار مرشحي السلطة، والتي اعتُمدت طيلة عقود الحركة التصحيحية، أو بالأحرى منذ تأسيس هذا المجلس الكاريكاتوري"، حسب الحديدي. ويضيف: "ففي الماضي كانت معايير الولاء، والاستزلام، والقرب من شبكات الأجهزة وحزب البعث، والتمثيل العشائري أو المذهبي أو الطائفي، هي السائدة عند تشكيل قوائم الجبهة الوطنية التقدمية، أمّا في الانتخابات الأخيرة، فإنّ الحصة الأدسم في قوائم السلطة ذهبت إلى ممثلي الميليشيات وشبكات التهريب وتجارة المخدرات وجباية الأتاوات والاتجار بالمعتقلين والمخطوفين والرهائن (…) وفي مقابل التراجع الهائل لنفوذ حزب البعث في صياغة القوائم، لوحظ أنّ سطوة الأجهزة الأمنية تراجعت بدورها، واحتكر العملية رجال من آل الأسد، ومخلوف، وجابر، ونصور، وصقور".

مؤسسات الدولة

ويطرح الحديد سؤالاً حول قول "روبرت مالي" وما يعنيه حقاً من رغبة (أمريكا) في الحفاظ على مؤسسات الدولة، وما الذي تبقى منها. وكان "مالي" قد قال: "ليس في وسع أحد، ولست أنا بالتأكيد، أن يقول بأي مستوى من الثقة ما الذي يمكن، أو أمكن، القيام به لتفادي هذه المأساة في سورية؛". ويعلق الحديدي: "لماذا، إذن، يبدو مالي واثقاً من إمكان تحقيق تلك الرغبة (الحفاظ على مؤسسات الدولة)؟ ولماذا كلّ هذا الحرص عليها، هو العليم بحال تفسخ النظام وتفككه إلى أطراف ميليشياتية وعصاباتية وطوائفية متشرذمة؟". ويضيف: "ثم ألا يبدو مالي وكأنه يناقض سيده، أوباما، حين يتحدث عن الخشية من وقوع فراغ في السلطة؟ ففي أواسط العام 2014 كان أوباما، خلال حوار شهير مع قناة سي بي إس، قد اعتبر أنّ داعش استغلت حدوث فراغ في السلطة في سورية، فبادرت إلى جمع الأسلحة والموارد وتوسيع سلطتها وقوتها على الأرض". ويختم حديدي تعليقه بالقول: "منذ ربيع 2005، أي في ذروة ما كان يوصف بـالضغط الأمريكي على النظام السوري، أعلن آدم إيرلي، نائب الناطق الرسمي باسم الخارجية الأمريكية، أنّ واشنطن ليست معنية بتغيير النظام السوري؛ ونفى وجود خطط بديلة عن نظام بشار الأسد، وأكد على نحو بليغ واضح: النقاش دار حول كيفية مساندة رغبة الشعب السوري في الإصلاح، وفي حرّيات أكبر، وفرصة أفضل (…) من داخل النظام القائم هناك حالياً. من داخله، إذن، أو عبر مؤسساته، تماماً كما يردد مالي اليوم؛ فالصقور (صقور الصحراء) أمتع، والنمور (قوات النمر) أبدع!".