الطلاب السوريون المنقطعون عن الدراسة في تركيا…ملف مهمل من كل الجهات وحلول ابتكارية تطرح نفسها 


أينما حلت، تفرض “النزاعات المسلحة” تبعات سلبية، وتحديات جمة أمام استمرار العملية التعليمية، وتطفو على السطح في ظلها مشكلة الطلاب  المتسربين والمنقطعين عن التعليم، بسبب اغلاق المدارس وانعدام الاستقرار والأمان المجتمعي، ففي الحالة السورية البلد الذي يعاني من طول فترة الحرب، يلاحظ أن ملف الطلاب المنقطعين والمتسربين عن الدراسة، ورغم كل الدعوات الدولية الداعية إلى متابعته، لازال يرزح تحت وطأة الإهمال، وهذا الإهمال ليس حكراً على الداخل السوري كما يبدو، بل يتعداه ليمتد إلى البلدان المجاورة التي تحتضن اللاجئين السوريين، وخصوصاً في تركيا التي تستقبل العدد الأكبر من اللاجئين السوريين.

على عكس ما كان يرسمه للمستقبل، وجد اللاجئ السوري مروان كدرو نفسه مرغماً على أن يدفع بطفله الأكبر محمد (15 عاماً) للعمل في ورشة سورية خاصة تعمل في مجال تصنيع الأحذية في مدينة غازي عينتاب التركية، بدل أن يرسله لمراكز التعليم المؤقتة السورية.

يشرح كدرو لـ”صدى الشام”: “مضى على ترك محمد لمقاعد الدراسة مدة تزيد عن أربع سنوات، ثلاث سنوات منها في حلب، وأكثر من سنة هنا. هذه المدة تجعل من الصعب عليه أن يتابع دراسته في الوقت الحالي، لأنه ترك الدراسة وهو في الصف السادس الابتدائي، بينما هو الآن بعمر قد يؤهله الدخول إلى المرحلة الثانوية”.

ويضيف كدرو أنه حاول تسجيل ابنه في المدارس المؤقتة في تركيا عقب وصوله لاجئاً، “لكن بتقديري سيكون تعليمه بدون جدوى لطالما أنه انقطع عن الدراسة لمدة طويلة، ولهذا من الأجدى أن يتعلم مهنة تساعده وتساعدنا على مجابهة الأوضاع الاقتصادية المتردية هنا”.

حال كدرو ليس مختلفاً عن حال مدرس اللغة العربية عبد الملك محمد، الذي يوضح: “كان ابني متفوقاً في دراسته، غير أنه وبسبب توقف التعليم في ريف حلب الشمالي لمدة طويلة في العامين الأولين من الثورة، انصرف تفكيره بشكل كلي عن المدرسة”.

ويتابع في حديثه لـ”صدى الشام”: “بعد قدومنا إلى تركيا لم أجد مدرسة تختص بمتابعة تعليم المتسربين، وكل المدارس هنا في تركيا، تمارس عملها وكأن أطفال سوريا لم ينقطعوا عن تعليمهم البتة، أي تأخذ بالسن فقط عند التسجيل”.

ويستطرد: “لن أوجه اللوم للأهالي، فأنا مدرس ومنعتني الظروف من مواصلة تعليم ابني، لكني أوجه اللوم إلى الحكومة التركية أولاً، وإلى الحكومة المؤقتة ثانياً، لأنهما لم تعيرا الملف التعليمي أي اهتمام يذكر”.

 

ثلث الأطفال السوريين في تركيا فقط يرتادون المدارس

تستقبل تركيا قرابة الثلاثة ملايين لاجئ سوري، ما يجعلها الدولة الأكثر استقبالاً للاجئين السوريين، وبالتالي الأكثر انتشاراً لظاهرة تسرب الطلاب من المدارس. فبحسب أرقام ذكرها وزير التعليم التركي عصمت يلماز في تموز الماضي، فإن “الثلث فقط من مجمل الأطفال السوريين يذهبون إلى المدارس الحكومية التركية”.

طيفور: عدد الأطفال السوريين في تركيا ممن هم في سن الدراسة يصل لحوالي 950 ألف طالب، 370 ألف طالب منهم فقط يذهبون للمدارس

وفي ذات السياق ذكر نقيب المعلمين السوريين، حسن طيفور، أن “عدد الأطفال السوريين في تركيا ممن هم في سن الدراسة يصل لحوالي 950 ألف طالب، 370 ألف طالب منهم يذهبون للمدارس فقط”.

 

تركيا تكتفي بالتلويح بعقوبات لأهالي المتسربين

وكان من المقرر بحسب تصريحات أدلى بها عماد برق، وزير التربية في الحكومة المؤقتة خلال العام الجاري، أن تتخذ الحكومة التركية عدة تدابير من شأنها محاربة ظاهرة تسرب الأطفال السوريين من مدارس تركيا، حيث قال برق “من المنتظر أن تطال العقوبات الأهالي الذين يمتنعون عن إرسال الأبناء إلى المدارس في تركيا”.

الأمر الذي وصفه اللاجئ السوري عيسى الأحمد، بأنه “تهرب من المسؤولية”، حيث قال، “عوضاً عن محاسبة الحكومة لنفسها عن تقصيرها تجاه مساعدة اللاجئين، تأتي لتحاسب أولئك الذين لا يجدون المال لسد الإيجارات السكنية المرتفعة، والفواتير الشهرية”.

 

أسباب مختلفة

تدفع الأوضاع الاقتصادية “المتردية” في كثير من الأحيان باللاجئين السوريين في تركيا، إلى الزج بأطفالهم في سوق العمل، أملاً في تحصيل شيء من المال، الذي قد يسهم في سد جزء -ولو يسير- من متطلبات الأسرة.

وكانت منظمة “هيومان رايتس ووتش”، في تقرير صادر عنها في العام الماضي، قد عزت أسباب حرمان حوالي 400 ألف طفل سوري من التعليم في تركيا، إلى مسببين، الأول متعلق بعدم اتقان غالبية اللاجئين للغة التركية، بينما يعود السبب الثاني إلى رفض وامتناع الأهالي عن إرسال الأبناء للمدارس بسبب نقص التواصل.

من جانب آخر يعتبر النقص في أعداد المدارس السورية من بين أحد أهم الأسباب التي تؤدي إلى انتشار ظاهرة التسرب، وخصوصاً في المدن التركية التي تؤوي تجمعات صغيرة من اللاجئين السوريين، وهذا ما أكده نقيب المعلمين السوريين حسن طيفور في تصريحات لـ”صدى الشام”، جاء فيها أيضاً أن “فترة انقطاع الطلبة السوريين عن الدراسة مسؤولة بشكل مباشر عن انتشار ظاهرة ترك التعليم”.

طيفور قارب بين عدد المدارس المؤقتة في تركيا والبالغ 260 مدرسة، وبين أعداد الأطفال السوريين الكبيرة، ليخرج بنتيجة مفادها أنه “من المستحيل أن تستوعب هذه المدارس كل الأطفال السوريين”، مشدداً على ضرورة افتتاح مدارس جديدة تكون قادرة على استيعاب الأعداد المتزايدة من الأطفال المقيمين في تركيا.

ودعا طيفور المنظمات الدولية المعنية بالملف التعليمي إلى تطبيق سياسة خاصة، من شأنها أن تساهم في مكافحة ظاهرة التسرب المدرسي، مطالباً الأمم المتحدة بتحديد مبلغ مادي شهري-ولو كان ضئيلاً- لكل طالب ملتزم بالدوام المدرسي، وخصوصاً في فئة الأعمار الكبيرة (12 إلى 16 سنة).

وبموازاة تلك الدعوى، لفت طيفور إلى “غياب المدارس التي تهتم بالطلاب المنقطعين”، مؤكداً في هذا المنحى، عدم استجابة الحكومة التركية للمطالب السورية المتكررة بهذا الشأن، ومنوهاً في الوقت ذاته إلى ضرورة الاهتمام بالتعليم النوعي الذي يعتمد على التعليم التقليدي والإبداعي.

 

الحل يمر عبر التعليم الإبداعي

“تبقى كل الحلول التقليدية غير مجدية” عند النظر إلى حجم مشكلة الأطفال المنقطعين عن الدراسة من فئة الأعمار الكبيرة، وذلك من وجهة نظر رئيس مجلس إدارة الأكاديمية العلمية للتنمية البشرية، الدكتور رامي هندي، الذي اعتبر أن التعليم “بالقلم وبالورقة بات اليوم عاجزاً أمام التحديات التي فرضتها الحالة السورية”.

خبير اجتماعي: يجب دمج تعليم الأطفال بالتدريب، لكن بشرط أن يكون هذا التدريب ممنهجاً، ومن ثم إدخال قناعات سلوكية فردية جامعة، بالتزامن مع تحفيز الجانب السمعي والبصري لديه.

الخبير بالتنمية البشرية والمستشار الدولي هندي قال لـ”صدى الشام”: “يجب دمج تعليم الأطفال بالتدريب، لكن بشرط أن يكون هذا التدريب ممنهجاً، أي بما يتوافق مع بيئة الطالب، ومن ثم إدخال قناعات سلوكية فردية جامعة، بالتزامن مع تحفيز الجانب السمعي والبصري لديه، للانتقال تدريجياً بالأطفال السوريين من الأمية، إلى جيل قادر على النهوض بوطنه”.

وفي هذا الإطار أشار هندي إلى التجارب السابقة والراهنة التي قامت بها الأكاديمية التي يترأسها، من بينها “مشروع القادة الصغار” الذي شرحه بالقول: “يتم من خلال هذا المشروع التركيز على طلاب محددين ممن هم في سن الدراسة، وذلك عبر تحفيزهم من خلال دورات يخضعون لها وتمكنهم من الاعتماد على ذاتهم”.

وبالرغم من نجاح المشروع الذي نفذ في تركيا في العام الماضي، أشار هندي إلى توقف المشروع لأسباب أوضحها بالقول: “لقد تجاهلت المنظمات المدنية عن عمد هذا المشروع، ولذلك لم يكتب لنا مواصلة هذا العمل الضخم”، واختتم حديثه كاشفاً عن مشروع مماثل تنفذه الأكاديمية على أطفال سوريين في ألمانيا.

 

مشروع “عقل” في تركيا

يعتبر مشروع “عقل” أحد أهمّ مشاريع منظمة “هيئة تطوير التعليم”، حيث يوجه المشروع جل اهتمامه إلى تطوير وتوفير مناهج خاصة للطلبة المتسربين والمنقطعين عن الدراسة في مناطق النزاعات، ليتمكن هؤلاء المنقطعين من اللحاق بأقرانهم المنتسبين نظامياً.

يختصر مشروع “عقل” سنوات الدراسة من 12 سنة إلى 3 سنوات (ثلاثة مستويات) بالاعتماد على تكثيف كم المعلومات، ليحصل الطلاب بعدها على شهادة ثانوية عامة معترف بها محلياً ودولياً.

ويستهدف المشروع الذي بدأ منذ قرابة العام في مدينة كيليس الحدودية، الفئة العمرية بين 13 و17 عاماً، بالاعتماد على تكثيف كم المعلومات، وصولاً لاختصار سنوات الدراسة من 12 سنة إلى 3 سنوات (ثلاثة مستويات)، ليحصل الطلاب بعدها على شهادة ثانوية عامة معترف بها محلياً ودولياً.

وحول الخطة الدرسية التي تتبعها المنظمة، شرح مسؤول في المشروع أن “المستوى الأول يستغرق مدة 11 شهرا يوازي التعليم لغاية الصف السادس، بينما يوازي المستوى الثاني بنفس المدة الوصول للصف التاسع، ليتوج المستوى الثالث الذي يستغرق 22 شهراً سنوات الدراسة، وصولاً للشهادة الثانوية (البكالوريا)”.

وبحسب نفس المسؤول الذي طلب عدم الكشف عن اسمه بسبب “صرامة التعليمات التركية”، فإن “المناهج المعتمدة في المشروع تعتمد على طرق تعليمية عصرية تنمي مستوى الطالب الإدراكي، وقدرتَه على فهم وتحليل المشكلات وصولاً إلى الإبداع والابتكار”، مختتماً حديثه بالإشارة إلى أن “الطلاب السوريين المسجلين في المشروع، والذين يزيد تعدادهم عن الـ 100 طالب وطالبة، قد شارفوا على الانتهاء من مستواهم الأول”.

من ناحيته، أشاد نقيب المعلمين السوريين حسن طيفور بالمشاريع التي تعمل على إيجاد حلول ابتكارية لمواجهة مشكلة تسرب الطلاب السوريين، ومن ضمنها “مشروع عقل”، الذي يعتبر المشروع الوحيد من نوعه في كل المدن التركية. ومن هنا تحديداً طالب طيفور منظمات المجتمع المدني بضرورة اتخاذ خطوات مماثلة، للحد من آثار تجهيل الأطفال السوريين.

 

البرامج الصيفية مساعدة

في الأثناء ألمح مسؤول العلاقات العامة في وزارة التربية والمنسق مع الوزارة التركية حجي زاده، إلى ما اعتبره “تقصيراً” من المسؤولين عن مراكز التعليم المؤقتة، وقال “لا مانع من تنظيم دورات مكثفة خلال فترة العطلة الصيفية، تكون موجهة لتدارك النقص في المعلومات لدى الطلاب المتسربين”.

وخلال حديثه الخاص بـ”صدى الشام”، أشار زادة إلى أن “المدارس المؤقتة لديها تعليمات باستقبال الطلاب السوريين، وبمراعاة الأعمار الكبيرة، وذلك بسبب ظروف الحرب التي أرخت بظلالها على العملية التعليمية”.