‘“تكريد” الحسكة الأهالي يتهمون “الوحدات”…ومصادر كردية تنفي’
5 سبتمبر، 2016
خرج الحديث عن “الممارسات التكريدية” التي تُتهم “وحدات حماية الشعب”، العمود الفقري لما يسمى بـ”قوات سوريا الديمقراطية”، بارتكابها في محافظة الحسكة، عن دائرة “المسكوت عنه شعبياً”، حيث تصاعدت في الآونة الأخيرة حدة الأصوات المستنكرة والمدينة لهذه الأعمال، وخصوصاً في مدينة (النفط) الشدادي، الواقعة إلى الجنوب من مركز المحافظة. ففي الوقت الذي تصادر فيه “الوحدات” حق العودة من كثير من سكانها العرب، تمنح بيوتاً فيها، بحسب مصادر، “بصكوك بيع وشراء” كانت مخصصة للسكن العمالي لمقاتليها الأكراد، تمهيداً لإحصاء سكاني هي بصدده، ومن الواضح أنه يأتي تمهيداً لواقع ديموغرافي جديد، وسط دعم دولي وصمت إقليمي مطبق.
ذكر نشطاء معارضون أن “وحدات حماية الشعب” الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (PYD)، تقوم بتوزيع مساكن على مقاتليها في مدينة الشدادي، كانت مخصصة للسكن العمالي، كما تشرف في الوقت ذاته على عمليات بيع وشراء عقارية لصالح عوائل كردية قدموا إلى المدينة التي كان يسيطر عليها التنظيم. في حين نفت مصادر كردية خاصة لـ”صدى الشام” صحة هذه الأنباء، واصفة إياها بـ”المضللة”.
واتهم نفس النشطاء “الوحدات” بممارسة سياسة “التكريد” في المدينة، وذلك من خلال استجلاب عائلات كردية من مدينتي القامشلي وعين العرب (كوباني) إلى المدينة، وأشاروا إلى أن هذه الممارسات تأتي متزامنة مع إعلان الإدارة الذاتية أنها بصدد إجراء إحصاء سكاني في المناطق الخاضعة لسيطرتها في الجزيرة وعفرين في حلب.
وتعقيباً على ذلك، عدّ الكاتب الصحفي مضر حماد الأسعد، أن “توطين عائلات كردية في مدينة عربية بنسبة 100% كمدينة الشدادي، يأتي استكمالاً للمشروع “التكريدي” الذي بدأته الوحدات في العام 2014″، وقد صرح الناطق الرسمي باسم مجلس العشائر في المنطقة الشرقية لـ”صدى الشام”: “لقد قامت الوحدات بمصادرة آلاف الدونمات من الأراضي في مدينة رأس العين سابقاً، والآن جاء الدور على المدينة التي هجّر غالبية سكانها، لتفرض من خلال ذلك واقعاً ديموغرافياً جديداً في المدينة”.
الشدادي ولعنة النفط والغاز
تكتسب المدينة التي تقع على مجرى نهر الخابور، أهميتها من غناها بالثروات الباطنية والزراعية على حد سواء، حيث تعتبر المدينة من أهم المناطق التي تنتج النفط والغاز في المناطق الشرقية من سوريا.
كل ما سبق جعل من هذه المدينة محط أنظار كل الأطراف المتصارعة، من النظام الذي دافع عن وجوده في المدينة حتى شهر شباط عام 2013، قبل أن تتمكن قوات المعارضة من بسط سيطرتها عليها، إلى أن بسط التنظيم سيطرته عليها في أعقاب اندلاع الاشتباكات بين التنظيم وفصائل المعارضة، ليجعل منها الأول فيما بعد معقلاً من أهم معاقله شرق سوريا.
في مطلع العام الحالي تمكنت “الوحدات” تحت مسمى “قوات سوريا الديمقراطية” من بسط سيطرتها على المدينة، مدعومة بغطاء جوي من قوات التحالف، ما دفع بالأهالي إلى النزوح عن المدينة.
الناشط الإعلامي إبراهيم حبش ذكر أن أكثر من نصف سكان المدينة البالغ عددهم حوالي 600 ألف نسمة، غالبيتهم من أبناء عشيرتي البكارة والجبور، ما زالوا نازحين خارج المدينة في كل من إدلب والرقة وتركيا، مشيراً إلى أن “الوحدات لم تسمح للأهالي بالعودة إلى منازلهم، وخصوصاً العائلات التي لها مشاركة بالثورة”.
وخلال حديثه الخاص بـ”صدى الشام”، كشف حبش عن قدوم أكثر من 200 عائلة كردية إلى المدينة في الأسبوعين الماضيين، مبيناً “لقد قامت الوحدات بمنح المساكن المخصصة للعمال في مجال النفط، إلى هذه العوائل الوافدة”.
وبحسب حبش فإنه ليست المرة الأولى التي تقوم فيها الوحدات بأفعال هادفة إلى تغيير ديموغرافية المنطقة، مبيناً ذلك بالقول “سبق وأن صودرت أراض عربية في منطقة رأس العين من أصحابها، ومنحت لأبناء المقاتلين الذين قتلوا خلال المعارك التي تخوضها “الوحدات” مع تنظيم الدولة”.
وأكثر من ذلك، ووفقاً لنفس الناشط الإعلامي، فإن “الوحدات” تقوم بممارسة نفس السياسية في منطقة جبل عبد العزيز في الحسكة أيضاً، و”منذ أيام قليلة قامت الوحدات تجريف قرية الأغيبش العربية التابعة لناحية تل تمر، وقام المرصد السوري بنشر البيوت المدمرة”.
قيادي كري: الوحدات متهمة بالتعريب
قال مسؤول الهيئة القيادية لحزب أزادي الكردستاني، الدكتور أدهم باشو، رداً على سؤال “صدى الشام” حول تطبيق الوحدات لسياسية “التكريد” في مناطق في ريف الحسكة: “على عكس ما يشاع إعلامياً، إن الوحدات متهمة بتعريب المناطق الكردية، والدليل على ذلك أن العرب ما زالوا متواجدين في مناطق الجزيرة، ويتمتعون بالحرية دون تضييق”، مضيفاً: “لا ننسى أن المناطق الكردية تأوي نازحين عرب، كما أن غالبية عناصر الحواجز التابعة للأسايش في مدينة القامشلي هم من الأخوة العرب”.
وتابع باشو: “من المؤسف أن الخطاب الإعلامي “التحريضي” الذي يقدم اليوم، قاد بنا إلى واقع مرير يمر فيه وطننا. هناك من ينفذ أجندات خارجية إقليمية أو دولية دون اعتبار للمصلحة الوطنية”، مشدداً “الوطن للكل. وإيمانا منا بأن هناك قوة معتدلة من الطرفين تؤمن بسوريا ديمقراطية تعددية، فنحن ندعو إلى الحوار”، مختتماً حديثه بالقول: “لا بد من الحوار الدائم وخاصة بين المعتدلين من أجل إنقاذ الوطن”.
قوى دولية تقف وراء “التكريد”
يرى الكاتب الصحفي أحمد الشمام أن “الممارسات التكريدية” التي تقوم بها “الوحدات” الكردية في الحسكة وغيرها من المناطق، هي “ممارسات مدعومة من دول غربية فاعلة”، مشبهاً هذه الممارسات بتلك التي سبقت قيام دولة “إسرائيل”، في فلسطين، لافتاُ إلى اعتراف “منظمة العفو الدولية” بقيام “الوحدات” بحملات تهجير قسرية، في تقارير صادرة عنها.
موضحاً لـ”صدى الشام”، إن ما يسمى “بقوات سوريا الديمقراطية”، هو عبارة عن كيان يقوم بمهام دولية، وهو كيان موجود في الأرض بخلاف الكيان الصهيوني الذي زرع. ومن هنا، فهذا الكيان قادر على التحرك بكل الاتجاهات في سوريا والعراق تحت مسمى “محاربة الإرهاب”.
غياب الثقل الثوري والعشائري أنعش “التكريد”
يعترف الكاتب الصحفي أحمد الشمام، ابن محافظة الحسكة، بأن “من تفاعل مع الثورة منذ بدايتها من أبناء المحافظة “هم قلة وغرباء”، مضيفاً “هذا يعني أن لا ثقل ثوري في المدينة قادر على الوقوف في وجه المخطط التكريدي. نحن كثوار من أبناء المدينة لا صلة لنا بالأرض، بعد أن هجرنا تماماً”.
من جانب آخر يلفت الشمام إلى أن “الوحدات” تحرص على ضم أبناء العشائر العربية لصفوفها لسببين، الأول يعود إلى الاستنزاف البشري الذي تعاني منه بسبب صراعها الطويل مع التنظيم، والثاني لتسويق نفسها على أنها مشروع دولة تشاركية، تملك المقدرات والإدارات.
ويتابع “هذه التشاركية التي تسوق الوحدات بها نفسها تشبه إلى حد كبير التشاركية التي كان يسوق بها النظام السوري نفسه، كشريك للكرد وللسنة، لكن الواقع يؤكد أن طائفة بعينها كانت تحكم بمقدرات البلاد”.
وبالعودة إلى دور العشائر العربية، يؤكد الشمام أن “هناك محاولات راهنة هادفة إلى تشكيل كتل عشائرية تسير وفق رؤية معينة، لأجل أن يكون لها نصيب من الشراكة” ويستطرد: “هم يأتون بأشخاص بطابع عشائري، مثل الشيخ حميدي دهام الجربا، وأحمد الجربا رئيس الائتلاف السابق، وبأشخاص بطابع مدني، ليشكلوا بذلك ملتقى لكل التوجهات، حتى يصار إلى توجيها كما يحلوا لهم، أي عبارة عن بيادق لا أكثر”.
مثل أحمد الشمام، يرى الناشط الإعلامي إبراهيم حبش “أن دور العشائر العربية في محافظة كانت محكومة بقانونها قد غيّب”، موضحاً “تم اختراق العشائر، وكانت المهمة سهلة أكثر مما ظن الجميع”، ومستدركاً “بفعل ذلك فإن التكريد في الحسكة يزهر”.
إحصاء سكاني مرتقب
بالتعاون مع الإدارة الذاتية، أعلن مركز “روج آفا للدراسات الاستراتيجية” عن بدء عملية إحصاء شاملة للسكان والمساكن في مدينة عفرين، على أن تبدأ العملية في الجزيرة في وقت قريب سيعلن عنه.
وفي الوقت الذي وصف فيه المركز عملية الإحصاء بـ”المتأخرة”، ذهب إلى اعتبارها على أنها “خطوة ضرورية وفي الاتجاه الصحيح”، وقال إن الإحصاء كفيل بتوفير قاعدة المعطيات اللازمة لصناع القرار والدارسين للانطلاق منها نحو رسم السياسات العامة وتحديد الأهداف، ووضع الخطط التنموية.
وفي هذا الإطار شرح عضو مركز “روج آفا للدراسات الاستراتيجية” محمد أمين عليكو لـ”صدى الشام” هدف المركز من هذا الإحصاء قائلاً، ” إن نجاح الخطط التنموية يستلزم اتباع أسلوب حديث وجديد في كل مرحلة، للوصول إلى المعلومات التي ترسم مستقبلنا، وهذا لا يأتي إلا عبر الإحصاء”، وأردف، “لدينا من الكوادر المختصة في عملية الإحصاء، ما يكفي لنجاح هذه العملية، بما في ذلك النموذج الإحصائي المتقدم”.
وفيما يتعلق بالظروف الطارئة التي تعيشها غالبية المناطق السورية بما فيها مناطق الإدارة الذاتية، قال عليكو “إن مدينة عفرين تضم نازحين لكن لا مشكلة في ذلك، لأن الإحصاء سيعتمد فترة الخمس سنوات الماضية”.
تشكيك بهدف الإحصاء
يبدي الكاتب الصحفي أحمد الشمام قناعته باستحالة الوثوق بأي عملية إحصائية للسكان على كل شبر من الأراضي السورية، بسبب ظروف الحرب التي تعيشها البلاد.
فيما يذهب الناشط إبراهيم حبش إلى تصنيف كل المدن السورية على أنها مدن “طاردة للسكان”، وعليه يتفق كل من حبش والشمام على أن الهدف الأول من الإحصاء، هو فرض وتثبيت واقع ديموغرافي جديد، وخصوصاً عند النظر إلى حالات النزوح العربية من محافظة الحسكة.
وعلى المنوال ذاته قال الكاتب الصحفي مضر حماد الأسعد، “إن عملية الإحصاء هذه، هي محاولة لطمس الواقع الديموغرافي لمناطق معينة في محافظة الحسكة بالتعاون مع نظام الأسد، الذي يعمل مع الجميع على مبدأ فرق تسد”.
وتابع قائلاً، “إن الحقائق واضحة، وهذه الأمور آنية، ما يقومون به أمر مرفوض من جميع أبناء محافظة الحسكة من العرب والكرد والسريان والتركمان”.
ويربط مراقبون بين عملية الإحصاء هذه والدراسات التي صدرت مؤخراً عن مركز “روج آفا للدراسات الاستراتيجية”، التي أثارت جدلاً في طريقة تناولها لتاريخ ما يسمى بـ”مناطق الشهباء”، أي الأراضي التي تقع بين مدينتي عفرين وعين العرب (كوباني) في حلب.