كارثة إنسانية متوقعة في حلب بعد الحصار.. وشبح الجوع يهدد الأهالي

5 سبتمبر، 2016

وقع المحظور ودخلت الأحياء الخاضعة لسيطرة المعارضة في الشطر الشرقي من مدينة حلب في حصار مطبق، بدأته قوات النظام في الثامن من الشهر الجاري، عندما تقدمت على نقاط الملاح لتتمكن من السيطرة نارياً على معبر الكاستلو، الشريان الوحيد الذي يصل تلك الأحياء بريفها، واستكملته تلك القوات بمساندة من الميليشيات الموالية لها بعد أيام قليلة بالتقدم والسيطرة على مناطق ملاصقة للممر الاستراتيجي لتفرض بذلك طوقاً كاملاً عليها، مما يعني بدء معاناة نحو 400 ألف شخص، يعيشون في تلك الأحياء.

يسيطر الشعور بالخوف على عبد الرزاق العلي (45 عاماً) منذ صار الحصار على المدينة أمراً واقعاً، فمظاهر الجوع في المدينة بدأت تظهر تباعاً، وبعض المواد الغذائية تختفي تدريجياً من الأسواق والمحال التجارية فيها.

مع بدء كل يوم جديد، يحكم القلق أكثر على عقل “العلي”، وهو أب لخمسة أطفال، لأن كل شيء حوله يوحي بذلك، بدءاً بمشهد الطوابير المتطاولة أمام الأفران، ومروراً بأسعار السلع التي ترتفع بشكل لحظي، إلى حركة السيارات شبه المعدومة في الشوارع، وانتهاء بوتيرة القصف التي تزداد.

لا يريد العلي القاطن في حي مساكن هنانو تصديق ما جرى، “كل مساعي النظام السابقة والرامية إلى حصار المدينة باءت بالفشل، فلماذا تنجح هذه المحاولة على النقيض من سابقاتها؟” يقول لـ”صدى الشام”، ويضيف “أغلب الظن أن العالم الذي سمح للنظام بالتقدم، سيسمح له بتجويع سكان المدينة أيضاً، فهذا العالم سمح له بتدمير أبنية المدينة على رؤوس ساكنيها من قبل”.

 

حصارٌ مفاجئ خالف التوقعات

 

“الحصار جاء بشكل مفاجئ، وصار أمراً واقعاً”، بهذا بدأ نائب رئيس مجلس محافظة حلب الحرة، منذر السلال، حديثه لـ”صدى الشام”، وخلاله أضاف: “حتى إعلامياً لم يأخذ نصيبه، فالحصار جاء في وقت تقاسي فيه مدينة منبج من تبعات حملة عسكرية قاسية تقودها طائرات التحالف في الجو وما يسمى بـ”قوات سوريا الديمقراطية على الأرض”، وأيضاً جاء متزامناً مع الزوبعة التي أحدثتها محاولة الانقلاب الفاشلة على السلطة في تركيا”.

 

محمد مصطفى: خلقت كثرة محاولات النظام الفاشلة لمحاصرة المدينة حالة من الثقة الزائدة لدى قوات المعارضة بأن المدينة لن تحاصر، وهذا ما أضر بالمعارضة، وجعلها تحت الأمر الواقع.

 

من جهته، يشاطر الإعلامي في فيلق الشام، محمد مصطفى، السلال في رأيه السابق أيضاً، حيث يقول “لقد خلقت كثرة محاولات النظام الفاشلة لمحاصرة المدينة حالة من الثقة الزائدة لدى قوات المعارضة بأن المدينة لن تحاصر، وهذا ما أضر بالمعارضة، وجعلها تحت الأمر الواقع؛ أي تحت الحصار”.

 

ويتابع مصطفى وهو المتواجد بالقرب من معبر الكاستلو، قائلاً: “الوضع صعب جداً، وأسراب الطائرات الحربية السورية والروسية لا تكاد تفارق الأجواء هنا، لكن مع ذلك فالثوار ثابتون في مواقعهم، وهممهم تعانق الغيوم”.

 

نحو 400 ألف محاصر عرضة للخطر

حذرت الأمم المتحدة من تعرض المدنيين لخطر الحصار خلال الأسابيع القليلة المقبلة شرق حلب، معربة عن “قلقها الشديد إزاء هذه التطورات العسكرية”.

تحذير الأمم المتحدة جاء على لسان وكيلها للشؤون الإنسانية، ستيفن أوبراين، قبل أيام، والذي أكد في بيانه “صعوبة وصول العاملين بالمجال الإنساني إلى تلك الأجزاء”، مشيراً إلى احتفاظ منظمته ببعض المخزون المعد لتلبية الاحتياجات الإنسانية، ومرجحاً أن “ينفذ الغذاء من المدينة مع حلول منتصف آب المقبل”.

 

بشر حاوي: مخزوننا من المحروقات في المجلس المحلي يكفي لمدة شهرين فقط، وهذا مع أشد درجات التقنين التي نأخذ بها. وقد أوقف المجلس المحلي تقديم الخدمات الأخرى أو ترشيدها بالحد الأدنى، على حساب تزويد الأفران بالمحروقات اللازمة.

 

غير أن المتحدث الرسمي باسم المجلس المحلي لمدينة حلب الحرة، بشر حاوي، تحدث عن فترة شهرين قد تفصل المدينة عن وقوع الكارثة، موضحاً بالقول “مخزوننا من المحروقات في المجلس المحلي يكفي لمدة شهرين فقط، وهذا مع أشد درجات التقنين التي نأخذ بها”.

 

وخلال تصريحات لـ”صدى الشام”، حدد حاوي أولويات عمل المجلس في الفترة الحالية في مجال “رغيف الخبز”، حيث قال: “المجلس اليوم يولي رغيف الخبز عناية شديدة، ولذلك اليوم أوقف المجلس تقديم الخدمات الأخرى أو ترشيدها بالحد الأدنى، على حساب تزويد الأفران بالمحروقات اللازمة”.

 

وعن مخزون المجلس من مادة الدقيق، قال المتحدث: “يحتفظ المجلس بالتعاون مع منظمات داعمة بكميات جيدة من هذه المادة الاستراتيجية، لكن ومع ذلك فإن المخزون قد يكفي لمدة زمنية قصيرة نسبياً”.

 

المحروقات والخضروات على رأس المواد المفقودة

بالرغم من قصر المدة الزمنية الفعلية للحصار، فقد سجلت بعض المواد الغذائية غياباً عن المدينة، كما تأتي المحروقات على رأس قائمة المواد التي اختفت من الأسواق، وهو ما فرض على أصحاب السيارات تجنب استخدامها إلا في الحالات الطارئة والضرورية جداً.

 

بالرغم من قصر المدة الزمنية الفعلية للحصار، فقد سجلت بعض المواد الغذائية غياباً عن المدينة، كما تأتي المحروقات على رأس قائمة المواد التي اختفت من الأسواق.

 

ومنذ ذلك الحين و”شوارع المدينة تعاني من قلة الحركة، إلا من بعض السيارات العامة والعسكرية”، كما يؤكد الصحفي في مركز حلب الإعلامي محمد خطيب.

من جانب آخر، أشار خطيب في حديث خاص بـ”صدى الشام”، إلى غياب الخضروات والسلع القابلة للتلف عن أسواق المدينة، واصفاً إياها بـ”الكنز المفقود” من مدينة لا تحوي مساحات خضراء، كغيرها من المدن السورية التي تتعرض للحصار.

ويرى خطيب المتواجد في المدينة، أن “طبيعة العمران في المدينة وقلة المساحات الخضراء لا تساعدان على الزراعة المنزلية وتربية الحيوانات”، منوهاً في الوقت ذاته إلى مسؤولية القصف الكثيف في إفشال أي مشروع يخفف من حدة الحصار.

وفي نفس الاتجاه، قلّل المهندس الزراعي محمد الحلبي، من نجاعة الزراعة المنزلية في مدينة كحلب، مبيناً أن “الزراعة بحاجة لمساحات خضراء، بينما تعتبر المدينة صناعية بالدرجة الأولى”.

وأردف الحلبي: “إضافة إلى أن الاعتماد على الزراعة لا يعني أن الزارع سيأكل بعد زراعته مباشرة، بل لا بد أن يمر المحصول بدورة النمو، التي قد تمتد لأشهر”.

 

الاحتكار والجهود المبذولة لمحاربته

 

بوادر أزمة غذائية غير مسبوقة بدأت تعصف بالمدينة. وفي هذا التفصيل، كتب الناشط في مدينة حلب، منذر عتقي، على صفحته الشخصية “فيسبوك”: “في جولة التبضع كل شيء يرتفع ثمنه، وحتى جاري البسيط الطيب “الشوا” رفع أسعاره، لا يوجد في المدينة إلا بعض الحشائش الخضراء المعروضة للبيع فقط”.

ولمواجهة ظاهرة احتكار بعض السلع الغذائية التي لازالت متوفرة في الأسواق، عمد المجلس المحلي في المدينة إلى تشكيل لجان رقابية تكون مهمتها مراقبة الأسعار، وتنظيم الضبوط بحق المخالفين منهم.

وهنا يؤكد المتحدث الرسمي باسم المجلس المحلي، بشر حاوي، التزام غالبية التجار بالمدينة بالتسعيرة المحددة، ويلفت إلى تكافل المجتمع لمواجهة الظروف الاقتصادية السيئة التي تعصف بالمدينة.

لكن وعلى الرغم من ذلك تحدث ناشطون من أبناء المدينة عن تسجيلهم لحالات محدودة من احتكار التجار للمواد الغذائية، والمحروقات على وجه الخصوص.

غير أن الصحفي محمد خطيب رفض الحديث عن احتكار لمواد المحروقات، لأنها غير موجودة أصلاً، إذ قال “لا وجود لمادة البنزين في الأسواق بتاتاً، لأنها لم تعد تدخل المدينة”.

في الأثناء أكد رئيس المجلس المحلي لمدينة حلب، بريتا حاجي حسن، سعي المجلس المحلي وبالتعاون مع الفصائل العسكرية وسلطات المعارضة إلى ترشيد الاستهلاك، ومنع اكتناز السلع، وضبط الأسعار، لمنع التجار من زيادتها.

وقال في تصريحات لوكالة رويترز: “إن سلطات المعارضة تتحرك أيضا لفتح “طرق بديلة” إلى مناطق سيطرتها في المدينة”، مضيفاً “عندنا إمكانية لفتح طرق بديلة، لأن الوضع ما زال ضمن السيطرة”.

 

الخدمة الصحية في حدها الأدنى

 

مع دخول الشطر الشرقي في الحصار وبالتزامن مع المجازر اليومية التي تشهدها تلك الأحياء، طفت على السطح مشكلة إسعاف الحالات الطارئة إلى المشافي التركية.

 

وهو الأمر الذي وصفه المسؤول في مجلس المحافظة منذر السلال بـ”الكارثي”، موضحاً: “دأبت المشافي الميدانية منذ تأسيها على تقديم الخدمة الطبية للحالات الباردة فقط، وذلك للنقص الحاصل في الكادر الطبي، فضلاً عن تعرض المشافي للاستهداف المتكرر، مقابل إسعاف الحالات الحرجة إلى المشافي التركية”.

غياب شبه تام للعديد من المواد الغذائية في حلب المحاصرة ولا بدائل ممكنة/ أنترنت

 

وضع مأساوي ينتظر الحالات الصحية الحرجة والمصابين بالأمراض المزمنة والأورام الخبيثة في حلب بعد استهداف المشافي الميدانية، وإغلاق الطريق باتجاه المشافي التركية.

 

وما يشغل بال السلال تحديداً هم أصحاب الأمراض المزمنة، الذي تساءل “ما هو مصير مرضى الكلى والأورام الخبيثة، وإلى أين سيذهب هؤلاء”، علاوة على النقص الحاصل في مادة حليب الأطفال.

وكان لافتاً بحسب نشطاء من أبناء المدينة أن تتعرض ثلاثة مشافٍ ميدانية للقصف في غضون الأسبوع الماضي، وهي كل من مشفى عمر بن عبد العزيز، ومشفى الزهراء، ومشفى الصاخور، الأمر الذي رأى فيه نفس النشطاء “استهدافاً لأسباب صمود المدينة”.

 

ما هي البدائل لمواجهة الحصار

 

عن ذلك يعرب السلال عن قناعته بأن “كل السبل تبقى قاصرة بدون القوة التي تعزز من طرحها على الطرفين الآخرين، أي النظام والوحدات الكردية المتواجدة في حي الشيخ المقصود الذي يشرف على معبر الكاستلو”، ويكشف في هذا السياق عن “فشل مبادرة ترعاها أطراف دولية مؤثرة” بحسب وصفه، تقضي بحل الخلاف بين قوات سوريا الديمقراطية وقوات المعارضة، وفتح ممرات آمنة بين حي الشيخ مقصود وبين الأحياء الخاضعة لسيطرة المعارضة.

 

من جانب آخر تمنى السلال “ألا تكون المعارضة مضطرة للتعامل مع اللجنة الدولية التي تشكلت بغرض إيصال المساعدات الدولية للمناطق المحاصرة، لأن التعامل معها قد يملي عليها بعض الشروط الاستسلامية”، على حد تقديره.

 

وتصر المؤسسات المدنية في الأحياء الخاضعة لسيطرة المعارضة، على ضرورة وضع العالم أمام مسؤولياته، وتشير هنا إلى “مواصلة إدخال المواد الغذائية إلى بلدتي كفريا والفوعة في ريف إدلب، بينما يكتفي العالم بالقلق حيال ما يجري في حلب”.

 

“درب حلب”

دعماً لصمود المدينة وبحثاُ عن كافة الحلول الممكنة في كافة النواحي، أطلق نشطاء من مدينة حلب حملة “درب حلب”.

وذكر الصحفي مهند نجار، المسؤول في الحملة، جملة من الأهداف للحملة التي أطلقت من مدينة عينتاب التركية، من بينها “تنسيق الجهد الإنساني ما أمكن، والقيام بالدراسات اللازمة لضمان تعميم الاحتياجات الإنسانية بشكل فعال، وتأمين الشق الهندسي من طرق وخلافه لضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحررة، والمناصرة والحشد لمنع إحكام السيطرة على حلب على الصعيدين الدولي والإقليمي”.

وأكد نجار خلال حديثه لـ”صدى الشام”، أن “لدى المبادرة تصور لتأسيس مشاريع زراعية وصناعية مماثلة لتلك التي تأسست في مدينتي دوما وداريا”، مشيراً في معرض حديثه إلى “مأساوية الأوضاع الإنسانية في الأحياء المحاصرة”.

ومهما يكن من أمر، فالمراقب لأوضاع المدينة عن كثب لا يملك إلا أن يعترف بمحدودية عمل هذه المبادرات، لطالما أن المدينة تتعرض لحصار خانق، وسط صمت دولي إن لم يكن توافقاً لفرض حل سياسي يبدو أن الاتفاق عليه قد جرى.