من الشام إلى مصر المغرب.. هل تحمل زغاريد الأفراح تعاويذ نسائية؟


لا تكتمل الأعراس والأفراح العربية إلا بـ “الزغرودة” التراثية ترحيباً بالعروسين، في تقليد تتوارثه الأجيال، تليها طبعاً تلك الولولة العالية من النساء فرحاً وإعلاناً على الملأ بالارتباط الجديد والخبر السعيد.

تدعى الـ “زغرودة” أو الـ “زغروطة” في منطقة بلاد الشام ومصر، و”اليباب” و”الغطرفة” في الخليج العربي، أو الـ “تزغريته” في المغرب العربي.

“إيها ببيتنا رمانة
إيها حامضة ولفانة
إيها حلفنا ما نقطفها
إيها ليجي عريسنا بالسلامة
لي لي لي لي لييش”

الترجمة: أبيات زجل شعبي شاميةً تتحدث عن الرمانة اللفنانة (العروس)، والتي لن يأكلوها إلى أن يأتي العريس ليقطفها – أي يأخذها -.

متى تزغرد المرأة؟

يعرّف الكاتب محمد خالد رمضان الزغرودة في كتابه “زغرودة” بأنها تعود إلى الفعل الرباعي “زغرد”، ومعناه رفع النساء صوتهن في الأفراح، وجمعها زغاريد ويطلق عليها اسم (الزغلوطة) باللهجة العاميّة لدول عربية مختلفة.

كل امرأة تستطيع الزغردة، لكن هناك مزغردات خاصات يعرفن بالاسم ويتمتعن بسمات خاصة كجمال الصوت وقوته وارتفاعه.

تمثل الأعراس وأفراح العودة من الحج وقدوم مولود جديد وتحقيق انتصار ونجاح ما أو حتى وصول جثمان شهيد- على سبيل المثال -، مناسبات تستدعي الزغاريد منذ القدم.

كذلك طقوس الاستقبال والوداع في البلاد العربية – الإفريقية، تبدأ وتنتهي بالزغاريد كالسودان مثلاً، التي استأثرت باهتمام الرحالة والمستكشفين الأوروبيين الذين زاروه خلال القرون الماضية، إذ يندر أن لا نجد في مؤلفاتهم ومذكراتهم عبارة كهذه:

Our caravan was youyoued off by a group of native women (أي أن مجموعة من نساء المحليات ودّعتْ قافلتنا بالزغاريد).
للزغرودة دلالات ومعانٍ تاريخية واجتماعية تؤثر في العمق النفسي للفرد والجماعة في مجتمعاتنا، فهي مليئة بالعواطف وحاملة لقدر كبير من حقيقة الأمنيات والأفكار والدوافع العميقة والمزاج العام للمرأة على وجه الخصوص.

البداية وصف ودعاء.. والختام مناجاة

بكسْر الألف في “إيها” ومطّها مع الياء تبدأ الزغرودة، فتصف العروس شكلاً وقامةً وصولاً لأخلاقها ورفعة أصلها. ثم تتجه إلى العريس لتصف وسامته وشجاعته وطيب نشأته.

يقول المؤرخ الفلسطيني سليم المبيض إن “المهاهاة” نوع من المطارحة الإبداعية، كما أنها تعبر عن الذكاء الفطري عند النساء وسرعة نتاجهن الفكري المرتجل في اللحظة نفسها خاصة لدى الأميات منهن.

يعود أصل “إيها” كمفردة إلى السريانية وهي مصدر (هأ) و(هأهأ)، فعل رباعي يفيد الدعاء والزجر ولفت النظر.

أما كلمة “ليش” – محط نهاية الزغرودة -، والتي تشترك النساء بإطلاقها بشكل جماعي، تعود إلى تقليد وثني قديم يتمثل بالغناء الجماعي للآلهة طلباً للرحمة والنجاة ومنح السعادة.

دلالات “لي لي ليش”

يبدو لفظ “لي لي ليش” بوهيمياً للوهلة الأولى، لكننا اعتدنا على سماعه. وبحسب الكاتب والباحث السوري جورج كدر، فإن هناك تشابهاً يصل حد التطابق مع (لي لي ث) Lilith، اسم إحدى أقدم آلهات الشرق.

فالتضرعات التي وضعت لليليث كانت درءً لشرها وقوتها التدميرية، وذلك برأي بريجيت كوشو، الباحثة بعمق في أسطورة ليليث وأدبياتها في التراث اليهودي.

وعليه فإن “لي لي ليش” ما هي إلا تعويذة سحرية تطلق للحماية من شر ليليث واستجداء لبركاتها عن طريق مناجاة النسوة لها وتكرار اسمها بصوت قوي ختاماً للزغرودة.

وبغض النظر عن أصلها، تبقى الزغرودة جزء لا يتجزأ من هوية تراثية أصيلة خاصة بالمجتمعات العربية وبلحظات سعادتهم على وجه التحديد.