حلب تحت حصار النظام من جديد والحر يطهر الشريط الحدودي من “داعش”

6 أيلول (سبتمبر - شتنبر)، 2016

شهد الأسبوع المنصرم تطورات هامة في الساحة السورية على الصعيدين الميداني والسياسي، واللذين باتا مترابطين اليوم أكثر من أي وقت مضى، حيث سرعان ما تترجم سياسياً أية تطورات ميدانية، خاصة في ظل التدخل النشط، والذي يصل حد الإشراف اليومي من جانب الدول الإقليمية والدولية بشأن كل ما يدور في الساحة السورية.

وكان يوم الأحد الماضي حافلا بالتطورات، حيث أخلى جيش الفتح مواقعه في منطقة (الكليات) جنوب غرب حلب، والتي تضم كلية المدفعية والتسليح والفنية الجوية، مما يعني عودة الحصار إلى أحياء حلب الشرقية بعد فتح طريق الراموسة لتلك الأحياء قبل عدة أسابيع.

جاء ذلك بعد أن شنت الطائرات الروسية أكثر من 100 غارة جوية على منطقة الراموسة في ذلك اليوم، مستهدفة مواقع الثوار في المنطقة بأكثر من 500 قذيفة، مع استقدام النظام ألف مقاتل من الميليشيات الشيعية، وبعد اشتباكات عنيفة استمرت عدة ساعات سقط خلالها عشرات القتلى من قوات النظام والميليشيات الداعمة لها.

واعترفت إيران بمقتل قيادات من الحرس الثوري وعشرات العناصر خلال المعارك في محيط مدينة حلب. وقالت وسائل إعلام إيرانية أن 10 عسكريين إيرانيين قتلوا دفعة واحدة، بينهم قادة كبار من ميليشيات الحرس الثوري، في المعارك مع “جيش الفتح” في مدينة حلب وريفها، وهي أعلى كلفة بشرية تتكبدها إيران في سورية منذ أشهر.

وجاء في انفوغرافيك” نشره المكتب الإعلامي لجبهة “فتح الشام” حول المعارك مع قوات النظام وميليشيات إيران، أن “فتح الشام” تصدت خلال شهر آب المنصرم لـ 22 محاولة تقدم لقوات النظام على جبهات ريف حلب، قتل خلالها 250 عنصرا من قوات النظام والميليشيات الشيعية، ودمرت 20 آلية عسكرية.

وغداة الإعلان عن سيطرة قوات النظام على الكليات جنوبي المدينة، أعلن الثوار في مدينة حلب المحاصرة انطلاق عملية جديدة، تهدف إلى تحرير حي العامرية جنوب المدينة، والذي يسيطر عناصر النظام على معظم أجزائه، وذلك بتفجير مفخخة بمواقعهم في الحي المذكور.

وترافقت هذه التطورات العسكرية مع مواصلة طائرات النظام والطائرات الروسية مجازرها بحق المدنيين في المدينة، حيث قتل ستة أشخاص من عائلة واحدة، وجرح آخرون ظهر الإثنين، بعدة غارات جوية في منطقة السكري بمدينة حلب المحاصرة.

 

تطهير الشريط الحدودي

وفي المقابل، تمكنت فصائل الجيش السوري الحر من وصل مناطق سيطرتها بين مدينتَيْ جرابلس واعزاز، شمال وشمال شرق حلب، وإبعاد تنظيم الدولة عن كامل الشريط الحدودي مع تركيا بين المدينتين، بعد السيطرة على عشرات القرى شرق بلدة الراعي وجنوبها وغربها.

وقال رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم، إن مسافة 91 كم على طول المنطقة الحدودية مع سورية الممتدة بين مدينتي جرابلس واعزاز شمالي حلب باتت آمنة، وجرى دحر كل المنظمات الإرهابية منها، حسب تعبيره.

وكانت قد دخلت دبابات تركية السبت الماضي إلى الأراضي السورية من بلدة الراعي بهدف تقديم الدعم للجيش السوري الحر ضمن معركة “درع الفرات”.

وفي محافظة حماة، أعلن جيش النصر التابع للجيش السوري الحر بدء معركة تحرير بلدة معان، وهي أحد أهم خزانات ميليشيات الدفاع الوطني في المحافظة، وفي حال السيطرة عليها فإنها ستفتح البابَ أمام المزيد من التقدم باتجاه المدينة.

كما واصل الثوار من عدة فصائل استهداف مطار حماة العسكري بصواريخ الغراد، ما أدى إلى قتل وجرح العشرات من العناصر داخل المطار.

وكان ريف حماة الشمالي قد شهد في الأيام القليلة الماضية تقدماً ملحوظاً للثوار الذين تمكنوا من تحرير العديد من المدن والبلدات، أبرزها صوران، طيبة الإمام، حلفايا، البويضة، معردس، ليصبحوا بذلك على أعتاب مدينة محردة وبلدة قمحانة المواليتين.

وقد بث المكتب الإعلامي لجماعة “جند الأقصى” شريط فيديو يظهر وللمرة الأولى، استخدام طائرة مسيّرة دون طيار في قصف مواقع قوات النظام وميليشيات الشبيحة في ريف حماة الشمالي.

واكتسبت معارك حماة زخماً عسكرياً أكبر مع انضمام ثلاثة فصائل فاعلة إلى المعركة التي تهدف إلى طرد النظام وميليشياته من الريف الحموي، حيث أعلنت كلٌ من حركة “أحرار الشام” الإسلامية وفيلق الشام وحركة “أجناد الشام” أنها تتحضر لاقتحام مواقع النظام في قرية معان الموالية بريف حماة الشمالي الشرقي.

وفي ردها على هذه النجاحات للثوار، ارتكبت قوات النظام مجزرة مروعة الخميس الماضي ضد قافلة من النازحين بريف حماة الشمالي كانت تحاول الوصولَ إلى منطقة خان شيخون بريف إدلب بعد مغادرتها لمدينة صوران، ما أدى إلى مقتل وإصابة العشرات، جلهم من الأطفال والنساء.

ريف دمشق

وجنوبا في ريف دمشق، بدأت فصائل المعارضة في مدينة المعضمية بريف دمشق بإعداد قوائم تشمل الثوار الرافضين لتسوية أوضاعهم مع نظام الأسد، تمهيداً لنقلهم إلى شمال سورية، على غرار ما حدث في داريا ومناطق أخرى في سورية. كما تم تحضير قوائم أخرى للراغبين بالبقاء في المدينة بعد التنازل عن أسلحتهم.

تأتي هذه التطورات بعد عقد اجتماع بين ممثلين عن المعضمية ونظام الأسد، هدد خلاله الأخير بتدمير المدينة في حال لم ينفذ الاتفاق بأسرع وقت. ونص هذا الاتفاق على ترحيل الرافضين للتسوية إلى الشمال السوري، وفتح مكتب لشعبة التجنيد في الحي الشرقي للمعضمية لمتابعة أمور المطلوبين لخدمة العلم، على أن تكون خدمة التجنيد الإجباري لأبناء المعضمية حصراً في محيط المعضمية وداريا، إضافة إلى تسليم السلاح بالكامل بعد خروج الثوار من المدينة، والاتفاق مع المنشقين في المعضمية لضبط الأمن في المدينة من خلال تشكيل شرطة محلية، وعودة الطلاب إلى مدارسهم وجامعاتهم.

وكان الاتفاق الذي عقد بين ممثلي النظام والمدينة الأربعاء الماضي، بدأ يوم الجمعة بإخراج أكثر من ٣٠٠ مدني من أهالي مدينة داريا الموجودين في المعضمية، باتجاه منطقة حرجلة بالقرب من الكسوة، لينضموا للمئات الذين هجروا من داريا، ضمن مخطط تهجير سكان المناطق الثائرة.

وفي الغوطة الشرقية، أعلن “جيش الإسلام”، كبرى فصائل المعارضة، أنه كبد قوات النظام خسائر بشرية كبيرة تجاوزت الـ 200 قتيل، إلى جانب تدمير واغتنام عدد من الدبابات والآليات العسكرية، خلال 3 أيام من المعارك الدائرة بالغوطة. كما تم تدمير 5 دبابات وعطب 6 مدرعات، إضافة إلى اغتنام 3 دبابات ومجنزرات وكميات من الأسلحة المتوسطة والخفيفة.

وأكد “جيش الإسلام” في بيان له، أن المرحلة الرابعة من “معركة ذات الرقاع” التي أطلقها مؤخراً، امتازت عن سابقتها بضخامة الإعداد وامتداد الجبهات إلى نحو 12 كم.

تحركات سياسية

وفي موازاة هذه التطورات الميدانية، تشهد التحركات السياسية المتعلقة بسورية نشاطاً محموماً لا يقل سخونة، حيث هيمن “الملف السوري” على مناقشات قادة العالم خلال قمة العشرين التي عقدت في الصين، وتخللها اجتماع هام بين الرئيسين الأميركي باراك أوباما والروسي فلاديمير بوتين، تركز حول إمكانية الإعلان عن هدنة في مدينة حلب.

ولم يفلح الاجتماع في تبديد التصريحات والمواقف المتضاربة بين الجانبين. وقال مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية إن أوباما أجرى مناقشات مطولة مع بوتين بشأن إمكانية وكيفية الاتفاق على وقف لإطلاق النار في سوريا، وإدخال المساعدات الإنسانية، وتقليل العنف والتعاون في مواجهة الجماعات “المتشددة”، بحسب وكالة رويترز.

وفي محادثات عقدت في وقت سابق، لم يتمكن وزيرا الخارجية الأمريكي جون كيري ونظيره الروسي سيرجي لافروف من الاتفاق على وقف لإطلاق النار في سوريا للمرة الثانية خلال أسبوعين، مع تشديد المسؤولين الأمريكيين على أنهم سينسحبون إذا لم يتم التوصل لاتفاق في المدى القريب.

وتصر روسيا على أنه لا يمكنها الموافقة على اتفاق إلا إذا تم فصل “مقاتلي المعارضة المدعومين من واشنطن” عمن تسميهم بـ”المتشددين” المرتبطين بالقاعدة.

وربط بعض المراقبين فشل المحادثات بالتطورات الميدانية التي شهدتها مدينة حلب شمال سوريا، حيث سيطرت قوات النظام على عدد من النقاط العسكرية التي كان الثوار حرروها في وقت سابق، الأمر الذي أدى إلى إطباق الحصار من جديد على المدينة، وهو ما شجع روسيا على تصليب موقفها، والتراجع عن تفاهمات سابقة مع الولايات المتحدة، بحسب ما ذكر مسؤولون أميركيون.

وكانت الخارجية الأمريكية نشرت الرسالة التي وجهها مايكل راتني، المبعوث الأمريكي إلى سوريا، للمعارضة السورية، وتضمنت تفاصيل الاتفاق الروسي الأمريكي، المزمع الإعلان عنه قريباً، والذي يتضمن خطة هدنة في مدينة حلب وما حولها لتشمل لاحقاً عموم الأراضي السورية.

وقال راتني في رسالته أن الاتفاق يتضمن أن تقوم روسيا بمنع طيران النظام من قصف المناطق التي توجد فيها جبهة فتح الشام إلى جانب فصائل المعارضة الأخرى، مقابل التنسيق مع واشنطن لإضعاف تنظيم القاعدة في سوريا.

وأوضح أن الاتفاق يتضمن أيضاً إعادة الالتزام بالهدنة، وانسحاب النظام من طريق الكاستيلو، وإنهاء القتال حول طريق الراموسة، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى حلب، من خلال كل من طريقي الراموسة والكاستيلو، وإنهاء الهجمات والعمليات الهجومية، في جميع أنحاء البلاد.

من جهتها، أقرت الهيئة العليا للمفاوضات، مساء السبت الماضي خلال اجتماعاتها في العاصمة السعودية الرياض، وثيقة “الإطار التنفيذي للعملية السياسية”، وتتضمن رؤيتها للحل السياسي، والتي ستقدمها خلال اجتماع مجموعة “أصدقاء سورية” في لندن، الأربعاء المقبل.

وبحسب مصادر الهيئة العليا، فإنّ الوثيقة تتناول بنوداً تفصيلية لمرحلة انتقالية، ومن المفترض أن تبدأ بإنشاء هيئة حكم انتقالية تستمر 18 شهراً، لا وجود لبشار الأسد ونظامه فيها، وتتضمن مجلساً عسكرياً يضم ممثلين عن قوى الثورة، وقوات النظام ممن لم تتطلخ أيديهم بالدماء.