دراسة مركز روج آفا ….محاولة لتزييف هوية “مناطق الشهباء” الحقيقية لصالح التكريد

6 سبتمبر، 2016

رغم عدم التعاطي مع ما جاء فيها بجدية، إلا أن الدراسة التي أصدرها “مركز روج آفا للدراسات الاستراتيجية” بعنوان “الأهمية الاستراتيجية لمناطق الشهباء”، نبهت البعض إلى خطورة ما يجري، ليعتبروا أن ما جاء فيها “تزوير للحقائق الدامغة”، و”تكريد لمناطق لها جذور عربية موغلة في القدم”، مطالبين بالرد على هذه الدراسة عوضاً عن عدم الاكتراث بها.

ووفقاُ لما جاء في الدراسة التي اطلعت “صدى الشام” عليها، والتي شكك بصحة محتواها كثيرون، فإن غالبية مدن وقرى الريف الشمالي والشرقي لحلب، هي مدن كردية بالأصل، تم اقتلاع الأكراد منها زمن العثمانيين، “العثمانيون لم يقتلعوا الكرد من منطقة عفرين، ولكنهم فعلوا ذلك بالنسبة لإعزاز والباب”، وزمن “النظام البعثي” الذي سعى “إلى تغيير هوية المنطقة وتحويلها إلى منطقة عربية صرفة، عبر سياسة الصهر القومي”.

ركّزت الدراسة التي أصدرها مؤخرا “مركز روج آفا للدراسات الاستراتيجية” بعنوان “الأهمية الاستراتيجية لمناطق الشهباء”، على أهمية ما أسمته بـ”مناطق الشهباء”، معتبرة إياها “صلة الوصل بين كانتوني عين العرب (كوباني) وعفرين”. كما قدمت “سردا تاريخيا” للمنطقة منذ الألفية الثالثة قبل الميلاد، وصولاً إلى سيطرة البعثيين عليها في العام 1963، وانتهاء بسيطرة ما وصفتهم بـ”التنظيمات الإرهابية” في الوقت الراهن.

توقيت مقصود لإصدار الدراسة

قال مسؤول العلاقات العامة بمركز روج آفا للدراسات الاستراتيجية سلطان تمو إن “الدراسة تهدف إلى تعريف العالم بمنطقة الشهباء جغرافياً وعسكريا اجتماعياً، وهي واحدة من بين دراسات كثيرة ستصدر لاحقاً للبحث في مناطق “روج آفا” سوريا”.

مضيفاً في حديث خاص لـ”صدى الشام”: “إن مناطق الشهباء كانت ولا تزال مناطق للنزاعات منذ بداية الثورة، وخصوصاً في جرابلس وفي أعزاز وتل عرن وغيرها. والمنطقة تضم تنوعاً من المكونات السكانية، من العرب والكرد والتركمان والشركس”.

لكن يبدو أن الحديث السابق للمسؤول في المركز لم يكن مقنعاً للباحث السوري موفق زريق، فبرأيه أن “توقيت هذه الدراسة يأتي متزامناً مع ما تشهده منطقة الشرق العربي من فوضى خلاقة، كتلك التي رافقت ولادة الكيان الصهيوني”.

وتحت عنوان “ولادة كيان كردي جديد”، عبّر زريق في تصريحات خاصة لـ”صدى الشام”، عن اعتقاده بأن المنطقة تشهد الآن فعلا استراتيجيا يشبه إلى حد ما ولادة إسرائيل وتقسيم سايكس بيكو، وقال “إن سايكس بيكو كان ضروريا جداً لقيام إسرائيل، وهو شرط وحاضنة لوجودها واستمراها، لأنه لا قوة للكيان إلا بضعف وتقسيم المحيط”.

وأردف الباحث والمحلل السياسي: “إن الكيان الكردي الذي يعد لقيامه أيضا، لا بد له من بيئة حاضنه تقتضي تغييرات جوهرية جيوسياسية وثقافية وديموغرافية. ولأجله تم غزو العراق لتقوم كردستان العراق، التي هي على وشك الإعلان عن استقلالها، بانتظار ما سيسفر عن الصراع في سوريا وقيام غرب كردستان (روج آفا)”.

موفق زريق: في سياق ما يجري الآن، نفهم استراتيجية الفوضى الخلاقة، حيث كلمة السر فيها قيام الكيان الكردي، وهو الهدف الحقيقي منها، لأن ذلك سيؤدي إلى زلزلة كل المنطقة وتفجيرها إلى مكوناتها الأولية العرقية والطائفية.

وتابع بالقول: “في هذا السياق، نفهم استراتيجية الفوضى الخلاقة، حيث كلمة السر فيها قيام الكيان الكردي، وهو الهدف الحقيقي منها، لأن ذلك سيؤدي إلى زلزلة كل المنطقة وتفجيرها إلى مكوناتها الأولية العرقية والطائفية، وهو ما يعطي الشرعية النهائية”. موضحاً أن “قيام الكيان الكردي لا يكفيه الدعم العسكري والدعم الدولي السياسي، لذلك لا بد من شرعية تاريخية ثقافية تمنحه المنطق والمعقولية لدى أصحابه على الأقل”.

وعليه لا يستطيع زريق فهم الغرض من هذه الدراسة وغيرها من الدراسات التي يقوم حزب الاتحاد الديمقراطي باستصدارها، إلا في إطار “تزييف هوية المنطقة الحقيقية لصالح التكريد”، معرباً عن اعتقاده بأن “ما تشهده المنطقة ليس أكثر من انقلاب تاريخي سيغير نظام الشرق العربي والإسلامي”.

المشهد العسكري للمنطقة

بعد تمددها في ريف حلب الشمالي تحت مسمى ما يعرف بـ”قوات سوريا الديمقراطية”، وسيطرتها على عدة قرى ومدن عربية من بينها تل رفعت، وعين دقنة، ودير جمال، على حساب قوات المعارضة، التي تقاتل على أكثر من جبهة، تسعى “الوحدات” الكردية إلى السيطرة على مدينتي أعزاز ومارع، آخر معاقل المعارضة في ريف حلب الشمالي.

وبدا من اللحظة الأولى أن عمليات التقدم تلك، جاءت متزامنة مع تقدم مماثل للوحدات في الأراضي الواقعة غربي نهر الفرات (منبج وما حولها). ما يعني أن سيناريو وصل كانتون عين العرب (كوباني) بكانتون عفرين، بات اليوم أقرب إلى التحقيق من أي وقت مضى.

كل تلك التطورات دفعت بـ”الاتحاد الديمقراطي” إلى انتهاج استراتيجية جديدة من شأنها التمهيد لفرض واقع جديد على هذه المناطق.

عمر النجار: المنطقة مقبلة على صدام كردي عربي لم يُشهد له مثيل من قبل، وهذه الدراسة بمثابة البداية الفعلية لهذا الصراع.

وفي هذا السياق، يرى القائد العسكري في صفوف المعارضة، عمر النجار، أن “المنطقة مقبلة على صدام كردي عربي لم يُشهد له مثيل من قبل”، معتبراً خلال حديثه لـ”صدى الشام”، أن “هذه الدراسة بمثابة البداية الفعلية”، مضيفاً: “هم يتحدثون عن قرى عربية على أنها كردية”، ومتسائلاً: “ألا يعني هذا إعلان حرب”.

ويتفق المحامي والناشط السياسي الكردي محمود كرعو مع ما ذهب إليه النجار في حديثه عن صراع كردي عربي في ريف حلب الشمالي والشرقي، لكنه في الوقت ذاته، كان رافضاً لفكرة “الممارسات التكريدية” التي تقوم بها “الوحدات”، إذ قال “الوحدات لا يوجد لديهم وقت لهكذا أعمال، فهم مشغولون بقتال تنظيم الدولة”.

كرعو ذهب في تصريح لـ”صدى الشام”، إلى اعتبار أن الانتقادات التي طالت الدراسة “جزء من الحرب الإعلامية التي تخوضها الأطراف السورية المتصارعة”. وقال رداً عليها: “كل طرف من الأطراف يتهم الطرف الآخر بالخيانة والعمالة، لكي يحصل على كسب الجمهور المحلي لطرفه سياسياً ومعنوياً”.

الدراسة قابلة للتعديل لكن بشروط

بيّنت الدراسة أن الكرد هم السكان الأصليون للمناطق الشمالية من سوريا المجاورة للحدود التركية، وهم يشكلون الأكثرية في هذه المناطق التي تسمى بي (روج آفا)، وأنهم يتواجدون على طول الشريط الحدودي.

الواقع على الأرض يدحض ما تزعمه الدراسة في حلب، وخصوصاً عند التدقيق بالبيانات السكانية التي أوردتها الدراسة. والمركز على استعداد لتعديل الدراسة “الأولية”، لكن بشروط.

لكن الواقع على الأرض يدحض ما تزعمه الدراسة في حلب، وخصوصاً عند التدقيق بالبيانات السكانية التي أوردتها الدراسة، إذ يرى مراقبون أن الدراسة أقحمت المكون الكردي في مدن وقرى لا تشهد تواجداً بالمطلق للمكون الكردي.

ورداً على ما سبق، دافع سلطان تمو عن الدراسة، مبدياً استعداد المركز لتعديل الدراسة “الأولية”، في حال تم دحض المعلومات التي ذكرت بوثائق تاريخية مضادة، وبطريقة علمية، لا “بطريقة تفوح منها رائحة العنصرية”، كما قال.

وشدد مسؤول العلاقات الخارجية في المركز على أن “كل شيء قابل للنقاش، ونحن منفتحون على كل الآراء المخالفة”، واستطرد: “التداخل السكاني بالمنطقة يجعل من تداخل البيانات أمراً وارداً، وخصوصاً إذا نظرنا إلى العلاقات التجارية والاجتماعية وغيرها”.

وقال تمو: “لست بصدد الدفاع عن الإدارة الذاتية للأقاليم الكردية، لكن الإدارات وضعت التفريق على أساس الإثنية خلف ظهورها”، مضيفاً “اليوم في كل المناطق الكردية تجد العرب، وكثير من الأكراد سكان هذه الأقاليم يهاجرون إلى تركيا أو إلى أوروبا، بالتالي لا وجود لتصرفات تميز على أساس العرق، والديموغرافيا آخر ما يهم الوحدات الكردية، لأن أخوة الشعوب هي هدفهم وهدفنا”.

شهادات لوجهاء مصطنعين على أنها حقائق تاريخية

“إن البحث في طبيعة المعلومات التي أوردتها الدراسة على أنها “حقائق” ومحاولة الوصول إلى آراء قاطعة أمر على جانب كبير من الصعوبة، فالتاريخ خدم الكيان الصهيوني عندما أرادوه كذلك”، تقول مدرسة التاريخ ناهد جمّول.

وأضافت جمّول لـ”صدى الشام”: “لطالما كان المكون الكردي ضحية لقمع النظام السوري، لكن المشكلة المتمثلة اليوم أن بعض الأخوة الكرد يحاولون إسقاط عذابتهم التي كان النظام مسببها، على الشعب السوري المسكين الأعزل، ولهذا نرى منهم من يحاول تشويه التاريخ والجغرافيا فقط لخدمة تنفيذ ما يخطط له”.

وتعقيباً على الدراسة، أشارت جمول إلى وجود ثغرات كثيرة في جسد الدراسة، من أهمها اعتبار شهادات لشخصيات معاصرة حتى دون الإفصاح عن اسمها كـ”مراجع تاريخية”، ونوهت ساخرة إلى الكتب والمراجع التاريخية التي اعتمدتها الدراسة، لافتة إلى ما وصفته بـ”الاستشهاد الأحادي” بالتاريخ، خاتمة حديثها بالقول “ما هكذا يستشهد بالتاريخ، ولا هكذا تورد الإبل”.

الأكراد لم يهبطوا من المريخ

وبعيداً عن الدراسة، أوجز الكاتب والباحث والروائي الفلسطيني تيسير خلف، في تدوينة مطولة على صفحته الشخصية “فيسبوك”، ما استخلصه من اطلاعه على كثير من النصوص التاريخية التي تتعلق بالأكراد بما يلي:

المصادر المبكرة

1- كتب الفتوحات الإسلامية المبكرة وكتب البلدان القديمة تتحدث عن أن بلاد فارس تتكون من أربعة رموم للأكراد، والرم هي مصطلح كردي يعني القبيلة كما أظن، وهذا يعني أن بلاد فارس كان يسيطر عليها الأكراد أيام الفتوح الإسلامية.

2- تتحدث مصادر أخرى عن وجود أكراد في خراسان، ويشكلون هناك نسبة كبيرة جداً.

3- تتحدث مصادر تاريخية وشهادات رحّالة عن وجود أكراد بكثافة خلال تلك العصور المبكرة في جبال شهرزور وسهرورد وفي بلاد الأرمن وأذربيجان الحاليتين.

المصادر المتوسطة:

1- تتحدث المصادر المتوسطة، أي العصر العباسي الأول، عن وجود كثيف للأكراد بالإضافة إلى إقليم فارس الكبير، في بلاد الخوز واللور وفي جبال شمالي العراق، والتي تسمي جبال الأكراد، وفي بلاد الأرمن وأذربيجان، كمدن دوين ودبيل وغيرها.

2- في عصور السلاجقة بدأنا نقرأ عن وجود أكراد في بلاد ميافارقين والجزيرة العليا.

3- في الحقبتين النورية والصلاحية، بدأنا نقرأ عن جيوش كردية تقاتل الصليبيين في وسط سوريا. وفي هذه الفترة ظهر اسم حصن الأكراد الذي منح لحامية كردية، يبدو أنها استوطنت فيما بعد في المنطقة.

المصادر المتأخرة:

1- في العصر المملوكي توطنت جيوش وحاميات كردية بشكل كثيف في بلاد الجزيرة وفي فلسطين وشرقي الأردن وفي دمشق.

2- في العصر العثماني، وفي المعارك الكبرى بين الصفويين الشيعة والعثمانيين السنة، انحاز أكراد فارس وخصوصاَ من يسمون أكراد “كرمان”، للعثمانيين لدوافع دينية، فهم ظلوا سنة ورفضوا التشيع الصفوي، فاستقبلهم السلطان العثماني سليم وضمهم إلى جيوشه. ومن هنا أتت تسمية كرمانجي أو كرمانج لهذه الفئة من الأكراد. وقام السلطان سليم بمنح مساحات كبيرة من بلاد الجزيرة لهم وصولاً إلى جنوبي تركيا الحالية أورفة وديار بكر وعفرين وما يجاورها. وهذا مذكور في كتاب “جيهان نوما” للمؤرخ والجغرافي العثماني حاجي خليفة كاتب جلبي، إذ يذكر كل المناطق التي منحها السلطان سليم للأكراد في هذه المرحلة.

وقد اختتم خلف تدوينته الشهيرة بالقول: “هذه هي قصة الأكراد في المنطقة. لم يهبطوا من المريخ، فهم كانوا عنصراً مهماً من عناصر المكون العسكري السكاني للمنطقة منذ الحروب الصليبية، وصولاً حتى الحروب العثمانية الصفوية، ولهم حقوق كما لغيرهم في هذه البلاد، ولكن ليس على حساب حقوق الآخرين”.