مؤيدو حزب الله اللبناني يفقدون حماسهم لتدخله في سورية
6 أيلول (سبتمبر - شتنبر)، 2016
قابلت الحاضنة الشعبية والخزان البشري لقوات حزب الله اللبناني، عملية تهجير سكان مدينة داريا من سكانها، والتي انتهت منذ يومين، ببرود كبير إلى حد أن الأمر كأنه لم يحدث، فمر الحدث كخبر عادي على وسائل الإعلام التابعة للحزب، مع تصريح معتاد من نائب رئيس المجلس التنفيذي للحزب نبيل قاووق، عندما اعتبر أن “تحرير داريا هو نهاية حلم السعودية بإسقاط النظام”. بالمقابل لم يكن هناك في شوارع المناطق التي تشكل حاضنة الحزب أي مظهر من مظاهر الفرح وتبادل التهاني وتوزيع “البقلاوة”، مما اعتدنا مشاهدته بعد كل عملية تهجير تتم في سوريا.
وبمراقبة الأوضاع في الضاحية الجنوبية لبيروت، التي تعتبر القاعدة الشعبية للحزب، تبين وصول داعمي الحزب على مختلف المستويات وحتى البسطاء منهم، إلى حالة متقدمة من التململ والتذمر، بعد سنوات من التدخل المميت في الحرب السورية إلى جانب النظام، وبعد أن أيقنوا أنهم عبارة عن حطب في أتون حرب لا دخل لهم بها.
كان تهجير أهالي داريا في الغوطة الغربية باتجاه الشمال السوري، نهاية الأسبوع الماضي، سبيلاً لسيطرة النظام على داريا، رغم سنوات الحرب الطويلة مع هذه المدينة الصغيرة، وتأمين خاصرة دمشق الجنوبية الغربية من هجمات فصائل المعارضة في جبهات القنيطرة ودرعا.
وترى الصحفية اللبنانية “هلا نصر الله” أن عدم احتفال أهالي الضاحية الجنوبية بخروج أهالي داريا كما العادة، يعود إلى انخفاض شعبية حزب الله لدى حاضنته، إذ بدأ الناس يدركون الحقيقة بأنهم “أدخلوا في حرب ليست حربهم”.
ولخصت نصر الله، في حديث خاص مع “صدى الشام”، مظاهر الفرح التي ظهرت في الضاحية الجنوبية بإطلاق رصاص خفيف في منطقة الحرش بجانب ملعب المدينة الرياضية، وبمنطقة الرويس المحاذية لأوتستراد هادي نصر الله.
حزب الله ينبغي أن يكون خارج المعادلة
تململ الطائفة الشيعية لم يكن مقتصرا على الفئة التي تقدم المقاتلين فحسب، بل امتد إلى الجانب السياسي، فوفقاً لمحمد مقداد، ناشط سياسي “شيعي” معارض للحزب، فإن “الفرحة قد غابت بعد سيطرة النظام السوري على داريا، ليقين جمهور حزب الله أن المعركة السورية أكبر من الجميع”، متسطرداً بالقول إن “التركيز ينصب حالياً على بقعة جغرافية واحدة في سوريا، ألا وهي حلب، وكل ما عداها عبارة عن ثانويات”، مستشهداً بأن “جمهور الحزب لم يهتم مطلقاً بالتدخل التركي ضمن “درع الفرات” في شمال سوريا”.
ويوضح محمد مقداد، في حديثه الخاص، أن “الهم الأول والاخير لأنصار حزب الله هو إنجاز شيء في حلب، لأنه بحسب رؤية حسن نصر الله، فإن معركة حلب هي معركتهم الاستراتيجية”، مردفاً “أما عن داريا فالمدينة أخذت بالاتفاق ولم يستطيعوا الدخول إليها بأي شكل من الأشكال إلا بالاتفاق”.
في حين اعتبر عضو شرف في المجلس العآلمي لثورة الأرز، ورئيس تيار الولاية الشيعي، “علي شمص”، في منشور على صفحته على مواقع التواصل الاجتماعي، أن “ثورة الأرز لها أهداف وأبعاد متعددة مختلفة كليا عن مشروع حزب الله”، مضيفاً أن “المجلس العالمي لثورة الأرز لم يقم بعمليات عسكرية، على عكس حزب الله ومشروعه في الممانعة والمقاومة كما يدعي كذبا ونفاقا، بينما هو في الحقيقة يأتمر من إيران”.
صفعة حزب الله في حلب
لم يترك حزب الله اللبناني مكاناً في سوريا إلا وقاتل فيه إلى جانب النظام، ابتداء من درعا فالقنيطرة ودمشق مروراً بالقلمون وحمص وحماه والساحل والشمال السوري، وآخر حضور علني وفاضح له كان في معارك حلب، المعركة التي كانت في الوقت نفسه مؤلمة أكثر من سابقاتها، فوقع خلالها عشرات القتلى في صفوفه بعد سيطرة قوات المعارضة على طريق الراموسة، والتي كانت صدمة كبيرة للشارع الشيعي أثارت غضبه، وظهر للعلن رفض أهالي مقاتلي حزب الله ومعظم الشيعة في الجنوب والضاحية الجنوبية ببيروت، المشاركة من جديد في “المقبرة” السورية.
وتقول زهراء حمود، شقيقة أحد مقاتلي حزب الله في سوريا لـ”صدى الشام” أن “آخر مشاركة لأخيها كانت في معارك القصير عام ٢٠١٣، ولم يشارك بعدها بأي معركة، بعد أن طلب من مسؤول له نفوذ داخل الحزب نقل ملفه، وتم نقل ملفه إلى بيروت”.
وأضافت حمود، وهي من أهالي الضاحية الجنوبي، في حديثها، أنها لا تريد لأخيها “أن يعود للقتال في سوريا بأي شكل من الأشكال، فليس لديه هدف أو غاية في سوريا، والقتال الحقيقي هو في جنوب لبنان بوجه إسرائيل”.
تخوف شيعي من القتل في سوريا
اتخذت سنوات قتال حزب الله في سوريا ذرائع متعددة، بدءاً من تنفيذ طلب رسمي من النظام السوري، إلى الدفاع عن المراقد الشيعية في سوريا، وصولاً إلى الدفاع عن الحدود اللبنانية، وأخيراً مواجهة المشروع التكفيري، ورافق هذه المراحل حضور لغة “المقاومة” و”الصهيونية” و”البيتروأمريكية”، وما إلى ذلك من المصطلحات.
ولا يزال حجم قتلى الحزب في سوريا غير معروف على وجه الدقة، لاعتماد الحزب سياسة التكتم. لكن أحدث دراسة نشرها معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى أشارت إلى خسارة الحزب أكثر من 1600 قتيل منذ بدء تدخله في سوريا، إضافة إلى 5 آلاف جريح. ولفتت الدراسة إلى أن عدد قتلى الحزب قد ازداد في العام الأخير.
ارتفاع الفاتورة زاد من حنق الجماعات المؤيدة للحزب، خاصة مع ارتفاع حصيلة القتلى بين صفوف قاداته ووصول جنازاتهم إلى مدن وبلدات لبنانية وسط مواكب تشييع ضخمة، والذي كان آخرهم مصطفى بدر الدين الذي يعد أعلى قائد عسكري في الحزب، ما جعل معظم الشبان الشيعة يعتبرون أن دخول حزب الله إلى سوريا هي عملية استنزاف لشباب الشيعة.
ويقول محمد.س، ذو 19 عاماً، وهو من أبناء منطقة معوض بالضاحية الجنوبية، والذي فضل عدم ذكر اسمه الكامل لأسباب أمنية، في حديثه مع “صدى الشام”، إن “كل نتائج الحرب مخيبة للآمال حتى الآن. لقد خسرنا مئات القيادات في معركة استنزاف، ولا أتوقع حصد المزيد من الانتصارات في ظل التسويات التي تحصل حاليا”
ورأى الشاب “محمد س” أنه “كان من الأفضل عدم دخول سوريا والبقاء داخل الحدود اللبنانية، أو دخول المناطق الحدودية السورية القريبة من حدود لبنان، وعدم التوغل في عمق سوريا”.
معركة استنزاف
غابت روح التعاون بين عناصر حزب الله والنظام السوري في الآونة الاخيرة بشكل كبير، رغم أن الأمر ليس بالجديد، فقد شهدت مناطق عدة خلافات بين الطرفين أبرزها في معارك القلمون، كما نشبت في شهر حزيران الفائت، اشتباكات عنيفة في منطقة الحاضر في ريف حلب الجنوبي، وفي بلدتي نبل والزهراء في ريف حلب الشمالي، ورد النظام السوري على الحزب بقصف مواقعه من تلة المياسات، على خلفية تسلل الفرقة 13 من الجيش الحر من جبهة خان طومان عبر خطوط قوات النظام وضرب عناصر حزب الله وقتل عدد منهم، الأمر الذي اعتبره الحزب خيانة من قوات الأسد ، وأدخل إلى قلوبهم اليقين التام أنهم دخلوا في معركة أدت إلى استنزافهم.
وكان الباحث سيباستيان ماير، من مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، قد أصدر دراسة بعنوان (حزب الله إلى أين أنت ذاهب؟)، بين فيها تورط حزب الله الإقليمي في سوريا. واعتبرت الدراسة أن التدخل السوري والإسرائيلي في لبنان فتح الطريق أمام التشدّد الطائفي والتفتّت الاجتماعي؛ فبينما حاول الإسرائيليون الزحف نحو مشارف بيروت لدعم الميليشيات المسيحية، أرسلت إيران 1500 مقاتل من الحرس الثوري إلى وادي البقاع اللبناني عبر الأراضي السورية، وهو ما وفّر أرضاً خصبة لاحتضان حزب الله اللبناني.