تحليل: تركيا تواجه توازناً دبلوماسياً بشأن خطة المنطقة الآمنة في سورية


تدعو تركيا القوى العالمية منذ عدة سنوات إلى المساعدة في إقامة منطقة لحماية المدنيين في سورية، والتي طحنتها الحرب بهدف مزدوج يتمثل في تطهير الحدود من تنظيم "الدولة الإسلامية" والمقاتلين الأكراد وأيضا وقف موجة المهاجرين بسبب هجمات نظام الأسد، التي أثارت توتراً في علاقتها مع أوروبا.

ويرفض الحلفاء الغربيون الفكرة حتى الآن وقالوا إنها تحتاج قوة برية كبيرة وطائرات لحماية منطقة "حظر طيران" وهو التزام كبير في ساحة قتال مزدحمة وفوضوية.

لكن هجوم تركيا في شمال سورية الذي شنته قبل نحو أسبوعين مع حلفائها من المعارضة السورية خلق ما يصفه مسؤولون في أنقرة "بمنطقة آمنة فعلية" وأسفر عن طرد مقاتلي "تنظيم الدولة" من آخر شريط حدودي كان تحت سيطرتهم بطول 90 كيلومتراً.

وتحتاج تركيا الآن إلى دعم دولي لعملية أوسع للسيطرة على مثلث من الأراضي يمتد لمسافة 40 كيلومتراً داخل سورية ويشكل عازلاً بين منطقتين يسيطر عليهما الأكراد إلى الشرق وإلى الغرب وفي مواجهة "تنظيم الدولة" إلى الجنوب.

وقال مسؤول تركي كبير طلب عدم نشر اسمه كي يتسنى له الحديث عن الاستراتيجية بحرية أكبر لوكالة "رويترز" أن "المرحلة الأولى من الخطة أنجزت"، و" لم يعد لتركيا حدود مع تنظيم الدولة، لكن هذه المنطقة لا تزال ضيقة للغاية ومعرضة لخطر الهجمات من الجانب الآخر."

وأضاف "ما سيتم فعله الآن سيتوقف على التنسيق مع قوى التحالف والدعم الذي ستقدمه" وقال إن تحسن العلاقات مع روسيا "حرر يد تركيا" فيما يتعلق بالعمليات.

وسيطر المعارضون المدعومون من تركيا وهم في الغالب من السوريين العرب والتركمان الذين يقاتلون تحت راية الجيش السوري الحر على الحدود بين بلدتي أعزاز وجرابلس يوم الأحد بعد سيطرتهم على 20 قرية من "تنظيم الدولة".

وفي تصريح لـ"رويترز" قال أحمد عثمان قائد لواء "السلطان مراد" وهي إحدى الجماعات التي تحظى بدعم تركي إنه يود رؤية "منطقة آمنة" دائمة لكنه أوضح أن الإجراء سيحتاج اتفاقا بين تركيا والولايات المتحدة وروسيا.

مصالح متضاربة

وقال الرئيس التركي "رجب طيب إردوغان" أمس الإثنين إنه أثار قضية "المنطقة الآمنة" مجدداً مع الرئيسين الروسي "فلاديمير بوتين" والأمريكي "باراك أوباما" في قمة مجموعة العشرين في الصين.

ولم يعلق أي من الرئيسين بشكل مباشر على الاقتراح التركي رغم تأكيدهما على رغبتهما في التعاون في محاربة الإرهاب في سورية. وقال المتحدث باسم "أردوغان" إنه لم تصدر اعتراضات ولا بوادر دعم واضحة في الاجتماعات.

وأقر مسؤول تركي آخر بأن "واشنطن وموسكو مترددتان لكن منطقة آمنة فعلية أصبحت واقعاً على الأرض الآن وأن تأييدهما خاصة في إقامة منطقة حظر طيران ضروري."

وقال "متين جوركان" الضابط السابق في الجيش التركي والمحلل في دورية "أل مونيتور" الالكترونية إن اختلاف الأهداف بين واشنطن وموسكو في سورية يثير تساؤلات خطيرة بشأن إمكانية تطبيق الخطط التركية.

وأضاف "إننا نتحدث عن قوتين كبيرتين لهما مصالح كبرى في سورية، لهما مصالح استراتيجية متعارضة بشأن الهدف النهائي."

وتضع واشنطن على رأس أولوياتها تدمير "تنظيم الدولة" وهي على خلاف مع تركيا بشأن دور "وحدات حماية الشعب" الكردية في سورية.

وتوصل البلدان العضوان في حلف شمال الأطلسي إلى اتفاق تظل" وحدات حماية الشعب" بموجبه إلى الشرق من نهر الفرات خارج المنطقة العازلة التي اقترحتها تركيا مباشرة لكن أنقرة أعلنت أنها لم تتحقق بعد من تنفيذ الوحدات لذلك.

ويبدو أن تركيا تجتاز المخاوف الروسية بشكل أكثر سلاسة منذ أن استعادت العلاقات مع موسكو في أغسطس/ آب بعد تسعة أشهر من تدهورها عقب إسقاط تركيا طائرة حربية روسية قرب الحدود السورية.

وقال المتحدث باسم أردوغان "إبراهيم قالن" اليوم الثلاثاء إن روسيا أبدت دعماً كاملاً للعملية التركية الساعية لتطهير الحدود من "تنظيم الدولة". ومن جانبها باتت تركيا أقل إصرارا على الخروج الفوري للأسد من السلطة.

وقال "جيمس ستافريديس" القائد الأعلى السابق لحلف شمال الأطلسي وعميد كلية فليتشر للقانون والدبلوماسية بجامعة توفتس "يبدو أنهم يخففون مطالبهم بشأن الإطاحة بالأسد مراعاة لعلاقتهم الجديدة مع روسيا."

وبخلاف التحديات الدبلوماسية فإن توغل المعارضين المسلحين من العرب والتركمان المدعومين من تركيا بدرجة أكبر في عمق سورية ينطوي على مخاطر عسكرية كبيرة.

وتتقدم القوات المدعومة من تركيا باتجاه منبج وهي مدينة تقع على بعد نحو 30 كيلومتراً إلى الجنوب من جرابلس واستعادها تحالف تدعمه الولايات المتحدة يضم "الوحدات الكردية" من "تنظيم الدولة" الشهر الماضي.

ومن المفترض أن يكون المقاتلون الأكراد قد انسحبوا منذ ذلك الحين إلى الشرق من نهر الفرات.

وقال "ياسين أقطاي" المتحدث باسم "حزب العدالة والتنمية" الحاكم في تركيا "نعلم أن فصائل من وحدات حماية الشعب لا تزال موجودة هناك، إن لم ينسحبوا ستكون تركيا عازمة على إعادة منبج إلى أصحابها" في إشارة إلى العرب والتركمان السكان الأصليين لمدينة منبج.