أشباح بين الركام..سكان شرق حلب يخنقهم الحصار والقصف والعالم يتفرج


حتى إذا تيسر له الفرار من شرق حلب فإن عبد الله شياني البالغ من العمر عشرة أعوام ويحلم بأن يصبح طبيباً يقول إنه لن يترك المدينة. ذلك سيعني ترك أناس كثيرين يحتاجون المساعدة.

وقال شياني: "باحلم أصير طبيب لأنه عندنا مصابين كتير ممكن نساعدهم."

كان والد عبد الله مقاتلاً وقُتل على خط الجبهة ويعيش الصبي مع أشقائه الخمسة في حي يشبه بلدة أشباح. ويعيش الأخوة على مساعدة مالية يحصلون عليها من منظمة خيرية ويشترون البطاطس (البطاطا) والبقدونس والبصل عندما يتسنى لهم ذلك. وقبل ثلاثة أسابيع تيسر لهم شراء بعض اللحوم.

وقتل ثلاثة من أصدقائه في هجوم بصاروخ قبل أشهر قليلة وفي ظل إغلاق المدارس منذ فترة طويلة يقضي هو وأصدقاؤه أيامهم وهم يتسابقون في الشوارع الخاوية ويلعبون الكرة و"سكين وفرد".

ويسارع عبد الله ورفاقه للاحتماء داخل الأبنية عندما تحلق طائرات حربية في السماء ويقول: "لما نسمع صوت الطيارة بنتخبى بين البنايات. الطيارة هيك تعمل ش فو ورشاشات ثقيلة من الطيارة."

وقبل الحرب التي تسببت في تشريد نصف سكان البلاد ومقتل مئات الآلاف كانت حلب أكبر مدينة في سورية وهي الآن أخطر مدينة في العالم.

وباتت المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في المدينة تحت حصار كامل وقصف عنيف من قبل قوات بشار الأسد.

والمدينة مقسمة منذ سنين بين مناطق خاضعة للنظام وأخرى تحت سيطرة مقاتلي المعارضة. لكن قوات النظام أطبقت في الأشهر القليلة الماضية على المنطقة الخاضعة لسيطرة مقاتلي المعارضة والمحاصر داخلها نحو ربع مليون شخص مدعومة بغطاء جوي روسي ومقاتلين شيعة من لبنان وإيران والعراق وأفغانستان.

وتحدث مدنيون عبر الإنترنت والهاتف عن واقع كئيب وسط الانقاض ونقص في المواد الغذائية والمياه والكهرباء وخوف دائم على أرواحهم وأرواح أحبائهم.

وقالت أم فهد البالغة من العمر 33 عاماً والتي قتل زوجها وأخوها وأبوها "كل نهار تجينا ثلاث أو أربع غارات جنب بيتنا ننزل بيت جيرانا واستشهد عالم كتير بس الحمد لله قاعدين."

وتعيش أم فهد هي وابنها على مساعدة قدرها 50 دولاراً في الشهر من المنظمة الخيرية وهو مبلغ يكفي الطعام بالكاد.

وقالت "ما بكفي شي (..) بس الحمد لله اللي بيجي من الله يا محلاه."

وفي المنزل الذي تعيش فيه مع ابنها وأختها وأبناء أختها الثلاثة يتجمع الجميع في الغرفة الأكثر ثباتا بالمنزل عندما يسمعون أزيز الطائرات على أمل أن تحميهم من القصف.

وقالت أم فهد "يسمعوا صوت الطيران لحالهم بروحوا على الغرفة اللي متعلمين يروحوا عليها."

ووصفت امرأة أخرى تكنى بأم أحمد كيف شقت هي وزوجها طريقهما وسط إطلاق النار والقصف للهرب عندما كُسر الحصار لفترة وجيزة. وعندما أعيد فرض الحصار ظل ابناها الاثنان وأسرتاهما محصورون.

وقالت وصوتها يتحشرج وهي تصف فرارها وسط إطلاق النار "ترددت في المغادرة ولم أرغب في تركهم ولم أتمكن من النوم ليلاً وأشعر بخوف كبير عليهم بسبب القصف."

ظلت حلب واحدة من المدن العظيمة في الشرق الأوسط لقرون. وسوق العطارين القديم ذو الطراز الفريد في وسط المدينة تحول منذ فترة طويلة إلى ركام بسبب القتال في الشوارع.

وتصاعدت المعاناة بشكل حاد في وقت سابق هذا العام عندما سيطرت قوات النظام على أراض شمالي المدينة مما قطع طريق إمدادات حيوي من تركيا.

وفرض حصار تام على القطاع الشرقي الخاضع لسيطرة مقاتلي المعارضة في يوليو/ تموز عندما قطعت قوات النظام آخر طريق يؤدي إليها.

وتمكن مقاتلو المعارضة من كسر الحصار في أغسطس/ آب في هجوم مضاد إلا أن قوات النظام أعادت فرض الحصار في الأيام القليلة الماضية.

ويوجد عدد أكبر من السكان في الجزء الغربي من حلب الذي يسيطر عليه النظام ويشهد أيضاً قصفاً متزايداً من مقاتلي المعارضة. لكن حجم الدمار في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في الشرق أكبر بكثير بسبب استهدافها بضربات جوية يومية.

ويقول سكان إن الدمار والموت والنزوح ترك أحياء بأكملها في الشرق المحاصر دون سكان تقريباً. فلم يعد هناك إلا القليل من العمل وتوقفت المدارس. ويقضي أغلب السكان أيامهم في محاولة تأمين طعام كاف للبقاء على قيد الحياة بينما يحتمون عندما تسقط القنابل. وكبر الأطفال قبل الأوان.

وقال الدكتور حمزة الخطيب وهو مدير مستشفى القدس في شرق حلب إنه خلال هجوم وقع مؤخراً بغاز الكلور بدا له أن أطفالاً صغاراً لا تحمل ذاكرتهم غير الحرب قد تعلموا بشكل فطري كيف يتصرفون.

وأضاف قائلاً: "لقد صدمت كيف أمسك أطفال في الخامسة أو السادسة من العمر أقنعة الأكسجين وحدهم دون مساعدة وكأنهم كبروا ليصيروا رجالاً يدركون أن تلك هي الطريقة لتخفيف معاناتهم."

وأوضح عيد الإبراهيم (65 عاماً) والذي قتل ابنه الأكبر في غارة جوية "زوجتي تعتني بخمسة أطفال تركهم ابني وأنا أساعدها."

وتابع الإبراهيم "مجلس الحي بوزع الخبز كل يوم والتاني.. بوزعوا الربطة فيها 5 أرغفة كل نهار والتالي" ووصف الحصول عليها بأنه ينطوي على "زحمة وعجقة وقتل".

وصرح بريتا حاج حسن رئيس مجلس المدينة في المنطقة التي تسيطر عليها المعارضة في حلب إن الأسعار قفزت إلى عشرة أمثال بسبب نقص السلع الناتج عن الحصار. وقال إن نحو 15 إلى 20 بالمئة من سكان شرق حلب غادروا المدينة أثناء فترة رفع الحصار.

ويقتات الكثيرون الآن على العدس وكسر القمح. ويتاح التيار الكهربي من المولدات لثلاث إلى ست ساعات في اليوم كما تركت الأضرار التي لحقت بمحطات توليد الطاقة شرق حلب دون مياه جارية.

وتتعرض الأحياء الخاضعة لسيطرة المعارضة منذ وقت طويل من الضربات الجوية والهجمات باستخدام البراميل المتفجرة من جانب قوات النظام.

وأدانت لجنة التحقيق الخاصة بسوريا التابعة للأمم المتحدة قصف المنشآت الطبية في الأحياء التي تسيطر عليها المعارضة وقالت إنها "تستهدف بشكل واضح التدمير أو اغتيال" العاملين بتلك المنشآت.