عيد السوريين، بأيّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ؟!
10 سبتمبر، 2016
يستقبل السوريون عيد الأضحى هذا العام في ظل ظروف متردية تزداد سوءًا عيدًا بعد عيد، وتشتت شمل عائلاتهم جراء تبعثر بعضهم في أصقاع الأرض بحثًا عن فرص حياتية مواتية وبحثًا عن الأمان، أو فرارًا من الخدمة العسكرية الإلزامية التي يفرضها نظام الأسد على الشباب السوري.
وجراء الفقر والعوز الذي يعاني منه أغلب السوريين في الداخل وفي بلدان اللجوء يمرُّ هذا العيد دون احتفالات وبدون العادات المتبعة في البلاد في استقبال العيد من إعداد الحلوى والضيافة وشراء الألبسة الجديدة.
نزوح ولجوء وحصار
غادر نصف عدد سكان سوريا منازلهم الأساسية واتجهوا نازحين إلى مناطق أكثر أمنًا داخل سوريا، أو لاجئين عبروا الحدود إلى دول الجوار أو الدول الأوروبية والأمريكية، وتقول الإحصائية الصادرة عن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في شباط من هذا العام الجاري، إن حوالي 11.5 مليون سوري تركوا مساكنهم الأصلية، بينهم 6.5 مليون نازح في الداخل، و4.5 مليون لاجئ خارج البلاد.
وفي سياق آخر ذي صلة ازدادت حدّة المعارك والقصف بالأسلحة الثقيلة والمحرّمة دوليًّا، إضافة لازدياد خطر الموت والاعتقال إذ يُقدر عدد القتلى في سوريا بنصف مليون شخص منذ آذار عام ٢٠١١، إضافة لعشرات المناطق المحاصرة، التي تستقبل العيد مع نقصٍ حاد في الأغذية والألبسة والحاجات الأساسية؛ كل هذه الظروف فرّقت العائلات السورية وشتت شملهم، وجعلتهم يستقبلون العيد دون أحبتهم.
أم وائل التي سافر ولداها إلى تركيا فرارًا من الخدمة الإلزامية العسكرية بعد انتهاء تأجيلهما ستكتفي بمعايدة ابنيها عبر تطبيق السكايب كما جرت العادة منذ رحيلهما قبل سنتين.
وتضيف أم وائل لـ صدى الشام «كان أول عيد مرَّ عليَّ دونهما صعبًا للغاية، فلم أتمكن من استيعاب غيابهما، إنه أمر صعب أن تمضي العيد دون أولادك».
ويبعث قدوم العيد في نفس ميار اللاجئ في تركيا منذ عام ٢٠١٤ كثيرًا من الأسى على بعده عن أحبته وأقاربه الذين اعتاد رؤيتهم وزيارتهم في الأعياد معتبرًا أن «ما يجري في سوريا جعل السوريين أبعد ما يكون عن الشعور بالفرح».
«الشاي والقهوة تكفي لنستقبل الضيوف في العيد»
لا فاكهة ولا حلويات، ولا معجّنات العيد المحبّبة عند أغلب السوريين، إذ باتت هذه الأصناف صعبة المنال وغير متاحة إلا بأيدي طبقة قليلة من السوريين.
«الشاي والقهوة تكفي لنستقبل الضيوف في العيد» يختصر أبو عبد الله محسن تحضيراته للعيد بهذه الجملة، ويستطرد «لا أكاد أتمكّن من دفع آجار منزلي الشهري، وعمليات “غسيل الكلية” لابني بشكل شهري؛ فهذان الالتزامان يبلغان 80 ألف ليرة شهرياً عدا عن مصاريفي».
تدمّر معمل الصابون الخاص بأبي عبد الله في حي باب جنين في قلب مدينة حلب نتيجة المعارك، وانقطع مصدر رزقه الوحيد، فبدأ بالعمل على سيارة “سزوكي” ينقل بها البضائع وأثاث المنازل ضمن المناطق الآمنة في مدينة حلب.
يضيف الرجل الخمسيني لـ”صدى الشام” «حتى إذا تكلّفت بالحلويات والضيافة فلا يوجد مَن يزورني، أقاربنا جميعهم سافروا أو موجودين في مناطق حلب الشرقية ولا يمكن وصولهم إلينا».
لا ألبسة جديدة
يعد شراء الألبسة الجديدة من أساسيات استقبال العيد، بداية من الأطفال مرورًا بالرجال والنساء وصولًا للشيوخ، حتى أن من لا يرتدي ألبسةً جديدةً في العيد ينظر إليه الناس على أنه خرج عن إحدى القواعد الأساسية للمجتمع.
غير أنها اليوم باتت من الكماليات، فأسعارها مرتفعةً جدًا من جهة، ومن جهة أخرى فإن بهجة ارتداء الملابس الجديدة في العيد قد خفتت، ولم تعد أمرًا مهمًا.
وتقاربت أسعار الألبسة في مناطق النظام والمناطق المحرّرة من بعضها، مع اختلافاتٍ بسيطة من منطقة لأخرى وحسب نوعية الألبسة، وذلك وفقاً لما رصدت “صدى الشام” بعد إطلاعها على أسعار الأسواق.
ففي وقتٍ تراوح فيه دخل المواطن السوري الشهري بين 25 – 40 ألف ليرة، بلغ سعر القميص الرجالي متوسط الجودة في دمشق 4000 ليرة، وفي إدلب حوالي 3000 ليرة، في حين بلغ سعر البنطال المتوسط أيضًا ما بين 4 – 6 آلاف ليرة سواء في أسواق دمشق أو حلب أو إدلب وحمص، في حين تراوح سعر الحذاء المتوسط بين 4 – 7 آلاف ليرة في هذه الأسواق، إضافة إلى أن الألبسة النسائية أكثر غلاءً من تلك الخاصة بالرجال.
يعجز أحمد حصري من سكان ريف إدلب الجنوبي عن شراء ألبسة جديدة في العيد سواء له أو لأطفاله، موضحًا «لدي أربعة أطفال، إذا أردت أن أشتري ألبسةً لكل واحد منهم مع أمهم سأتكلف أكثر من 30 ألف ليرة».
ويرى حصري أن هذا العيد لا طعم له مع استمرار الموت، لذلك قرر أن يوفر هذا المبلغ ليشتري به حطبًا أو وقودًا يدفئ به عائلته خلال فصل الشتاء الذي سيدق أبواب السوريين بعد فترةٍ ليست بالبعيدة.
الأمر لم يكن مقتصرًا على السوريين داخل البلاد، فميار اللاجئ في تركيا لم يتمكن أيضًا من شراء ملابس لطفليه ولزوجته معزيًا ذلك لضعف راتبه، يقول ميار «السبب مادي؛ فراتبي لا يكاد يكفي لتأمين آجار المنزل والفواتير والمصاريف الأساسية لعائلتي» مضيفًا «لو كنت أملك مالاً لأفرحت أطفالي بثيابٍ جديدة على أقل تقدير».
على المنقلب الآخر، قال محمد من ريف دمشق، الأب لابنة صغيرة «مازال عملي جيدًا وما زلت أستطيع أن أشتري ثيابًا وضيافة في العيد» مضيفًا «اشتريت ثيابًا لي ولزوجتي ولابنتي كما كل عيد سعيًا مني لبعث السعادة في عائلتي في ظل هذه الآلام التي تعصف في بلدنا».
وحسب تقرير صادر في نيسان الفائت عن اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا التابعة للأمم المتحدة (الاسكوا) وجامعة سانت اندروز، إن ٨٣.٤٪ من السوريين يعيشون تحت خط الفقر مقارنة بـ ٢٨ ٪ في عام ٢٠١٠، فيما يحتاج نحو ١٣ مليون سوري يحتاجون لمعونات إنسانية للبقاء.