تعقيدات إجراءات الاستيراد تفتح الباب واسعا أمام التهريب “النظامي”

16 أيلول (سبتمبر - شتنبر)، 2016
10 minutes

تعرضت آلاف المنشآت الصناعية والإنتاجية في سورية إلى تدمير كامل أو جزئي نتيجة للحرب الدائرة إلى الآن، ما أدى لتوقفها، أي توقف إنتاجها وحدوث نقص في المواد التي تنتجها في الأسواق المحلية، ودفع هذا النقص الكثير من التجار والصناعيين إلى استيراد البدائل من الخارج، وهو ما كان له تأثير مباشر على سوق القطع الأجنبي من حيث زيادة الطلب على الدولار لتسديد قيم هذه المستوردات، ما دفع وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية إلى فرض ما يسمى بسياسة ترشيد الاستيراد، والتي لاقت الكثير من الانتقادات على مختلف الصعد، كونها أثرت على عرض السلع في الأسواق ورفعت الأسعار وعززت من الاحتكار سواء على مستوى الاستيراد أو على مستوى المواد في السوق المحلية، وهذا ما أكدته مؤخرا هيئة المنافسة ومنع الاحتكار، حيث أوصت الهيئة بضرورة مراجعة القرارات التي اتخذتها وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية المتعلقة بالحد من الاستيراد، لأن هذه القرارات أثرت في توافر المواد المختلفة في الأسواق بكميات كافية، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار وزيادة التهريب، حيث تقدر قيمة المواد المهربة التي تدخل سورية بنحو 250 مليون دولار شهرياً، أي وسطياً نحو 8.3 ملايين دولار يومياً، وفقا لما أكدته مصادر في الحكومة.

أكد الكثير من التجار والصناعيين بأن سياسة ترشيد الاستيراد التي اتخذتها الحكومة منذ نحو عامين إلى الآن كانت سبباً في ارتفاع الأسعار وأيضاً في زيادة التهريب، حيث أنه رغم تقليص الموافقات الخاصة بإجازات الاستيراد، واقتصارها على المواد الأساسية ولعدد معين ومحدد من المستوردين والتجار المتنفذين، إلا أن السوق السوري لا يكاد يخلوا من أي سلعة كمالية، حتى المياه الفرنسية يتم استيرادها تهريباً!!

وفرضت وزارة الاقتصاد سابقاً، على كل المستوردين مؤونة استيراد قدرها 50% من قيمة المستوردات يتم إيداعها بمصرف سورية المركزي، أي أن التاجر سيدفع قيمة البضائع التي سيستوردها مرتين، وهذا ما أدى إلى تأجيج الأسعار في الأسواق أكثر، وإحجام التجار والصناعيين عن الاستيراد وتشجيع التهريب أكثر. وبعد نحو عام على تطبيق هذه المؤونة وبعد التغيير الحكومي الذي طرأ مؤخرا واستلام أديب ميالة وزارة الاقتصاد، تم تخفيض مؤونة الاستيراد إلى 25%، إلا أن ذلك لم يكن كافياً، فالمشكلة لا تكمن فقط بالمؤونة، بل بآلية منح إجازات الاستيراد والتي كما ذكرنا بأن معظمها يمنح لعدد معين من المستوردين والتجار المتنفذين دون غيرهم من المستوردين الصغار، ما شجع الاحتكار أكثر. وبعد أخذ ورد واجتماعات، اقتنعت وزارة الاقتصاد بأهمية إلغاء قرار مؤونة الاستيراد، ولكن بعد أن ارتفعت الأسعار أكثر من 1000% لمعظم السلع في الأسواق، وفق ما ذكرته العديد من الدراسات الاقتصادية، وحالياً أصدرت وزارة الاقتصاد آلية جديدة لمنح موافقات إجازات الاستيراد مع التعليمات التنفيذية الخاصة بها، وأشارت بأنها ستكون حيادية ولا تميز مستورد وآخر يوفر كامل شروط الاستيراد الحقيقية وليست الوهمية.

توسع ظاهرة التهريب

تاجر ومصنع من دمشق، طلب عدم الكشف عن اسمه، أوضح في تصريح لـ”صدى الشام”، أن “الآلية الجديدة لمنح إجازات الاستيراد التي صدرت منذ أيام، لا يمكن الحكم عليها بهذه السرعة، فالعبرة بالتطبيق، حيث أن الكثير من القوانين والتشريعات تصدر، وتكون إيجابية في ظاهرها، ولكن عند التطبيق يحدث العكس تماما”، مشيرا إلى أنه “رغم إلغاء مؤونة الاستيراد ورغم كل الوعود الحكومية بتسهيل انسياب السلع إلى الأسواق المحلية، فإن كل هذه الإجراءات جاءت متأخرة جداً، فمعظم التجار وخاصة الذين ليس لديهم “واسطات” ومعارف في مراكز اتخاذ القرارات، اعتمدوا على التهريب، الذي بات للأسف أكثر أريحية وأقل تكاليفاً ولا يحتاج إلى موافقات وواسطات، ولا يعرض البضائع إلى الحجز لعدة أشهر أحيانا، كما حدث في مرفأ اللاذقية الذي لا تزال الكثير من البضائع إلى الآن محجوزة فيه، ويقوم أصحابها بدفع مئات الدولارات يوميا كضريبة أرضية لها، دون أن تكترث الجهات الحكومية لهذا الأمر، ما دفع معظم هؤلاء التجار إلى إتباع أساليب التهريب التي كانت متبعة منذ نحو 3 أعوام، ولكن زادت مؤخراً بشكل كبير”.

ولفت التاجر إلى أن “أسواق دمشق وحمص حالياً ممتلئة بالبضائع الممنوع استيرادها”، مضيفاً: “ألم تسأل الجهات الرقابية والحكومية من أين تأتي هذه البضائع؟ طبعاً هي على علم كامل بما يحدث، فالتهريب يسير على قدم وساق، وبعلم الجهات الحكومية ولكن المبالغ كبيرة ويتم تقاسمها”.

تهريب “نظامي” ولكل حصته

وعن كيفية دخول البضائع المهربة إلى الأسواق، قال التاجر بأنه “يتم استيراد البضائع وشحنها بشكل مباشر إلى مرفأ مرسين في تركيا، ومن ثم إلى معبر السلامة في ريف حلب الشمالي أو معبر باب الهوى بمنطقة سرمدا بريف إدلب، ومن هناك تتم عملية التحايل، حيث يتم وضع لصاقات على هذه البضائع المستوردة، بأنها من منشأ سوري، مع إرفاقها ببيانات جمركية قديمة مماثلة للبيانات الصادرة عن أمانات جمركية سورية، وتدخل الشاحنات التي لا تخلوا من أي سلع قد تأتي في البال، فهي تحوي الفروج المجمد الذي انتشر كثيراً في أسواق حمص ودمشق، وأيضا الألبسة والخيوط والأقمشة والمعدات وخطوط الإنتاج”، مشيراً إلى أن أكثر من 100 شاحنة تدخل بهذه الطريقة يومياً عبر هذه المنافذ ويتم إيصالها إلى المحافظات بحماية مجموعات الترفيق.

حاجز اللجان المتواجد في أثريا تصل إيراداته من عمليات التهريب إلى نحو مليار ليرة يومياً، وذلك بعلم معظم المسؤولين الذين يحصلون على حصصهم من العملية.

ولفت إلى أن “معظم الشاحنات تقوم بدفع نحو 2.5 مليون ليرة عن كل حاوية ذات وزن 25 طناً، في حين أن التاجر إذا أراد أن يدخل هذه الحاوية عبر استيرادها بشكل نظامي عن طريق المرافئ السورية، فإنه أولاً يحتاج إلى أن يحصل على إجازة استيراد من وزارة الاقتصاد، وبالطبع إذا لم يكن متنفذاً أو لديه واسطة فلن يتم قبول هذه الإجازة، وبعد أن يحصل على الإجازة ويدفع رسومها، فإنه يحتاج إلى الحصول على تمويل خاص بالقطع الأجنبي من المصارف السورية لسد أجور ونفقات إجازة الاستيراد، وبالطبع الإجراءات الحالية معقدة كثيرا، وبعد أن يحصل على ذلك، ستستورد البضائع وتصل إلى مرافئ سورية، وبعدها تأتي عمليات الكشف الجمركي والاصطدام مع الجمارك والرشاوى والكثير من الأمور، وقد تحجز البضائع وقد لا تحجز، وهذه العملية تكلف نحو 8 ملايين ليرة عن كل حاوية لنفس الوزن المذكور أعلاه، أي أن التهريب لا يعرض التجار لهذه الأمور كلها، بل ويحقق وفرا لهم يقدر بنحو 5 ملايين ليرة عن كل حاوية يتم استيرادها”.

وأشار إلى أن “حاجز اللجان المتواجد في أثريا تصل إيراداته من هذه العملية إلى نحو مليار ليرة يومياً!!”، مشيراً إلى أن معظم المسؤولين يعلمون بذلك، ولكن كما نوهت سابقاً بأن الأرقام والحصص توزع على الجميع.

 

65% من المستوردين يستوردون بأسماء وهمية!

 

سمحت مديرية اقتصاد دمشق مؤخراً باستيراد المواد الكمالية، ولكن بشرط أن يكون لدى المستورد 25 عاملاً مسجلين في التأمينات الاجتماعية، كما اعلنت وزارة الاقتصاد أنها تسعى إلى وضع قائمة سوداء بالسلع الممنوع استيرادها قريبا، ولكن كل هذه الإجراءات لا تزال بعيدة كل البعد عن الواقع، حيث لفت صناعي أخر من دمشق لـ”صدى الشام”، أن “معظم القرارات الحكومية من شأنها أن تشجع على التهريب بل وتحمي شبكات التهريب، فمعظم الممنوعات متوفرة حاليا في الأسواق، وبعروض كافية وبأسعار منافسة! ومعظمها لا يدفع لا ضرائب ولا رسوم على الاستيراد، وما تقوم به الحملات الجمركية على محلات الجملة ونصف الجملة ما هي إلا تحصيل حاصل لمكافحة البضائع المهربة”، مضيفا: “أعتقد أن الإجراءات الحكومية عززت التهريب وحمته، وإجراءات مكافحته باتت متأخرة بل وساعدت على تطفيش البائعين، فلماذا التعقيد في منح إجازات الاستيراد؟ لكل فعل رد فعل كما يقال”.

 

مصادر: 4 تجار فقط هم من يقومون بالاستيراد بأسمائهم المعلنة، وهم يستحوذون على 35% من حصة السوق، في حين أن 65% من المستوردين يعملون بأسماء وهمية.

وقال أيضا: “أليس من الغريب جداً أن 4 تجار فقط هم من يقومون بالاستيراد بأسمائهم المعلنة فقط ويستحوذون على 35% من حصة السوق، في حين أن 65% من المستوردين يعملون بأسماء وهمية! لماذا يستخدمون أسماء وهمية؟ ألم تسأل وزارة الاقتصاد لماذا يتبع التجار والصناعيين هذا الأسلوب، من المؤكد أنه يوجد خطأ كبير في آلية عملها، وهذا ما يفسر ما قيل مؤخرا ونشر في الصحف المحلية، بأن 10% من رجال أعمال سورية النشطون الآن يعملون كواجهات لآخرين ممن لديهم ميزة أنهم يملكون أموالا ويحتاجون لمن يشتغل بها، وميزة أخرى أنهم يملكون القدرة على تمرير بعض القضايا التي لا تمر إلا عن طريقهم”.