علي العبد الله يكتب: بين السياسة والكياسة


علي العبد الله

لم يكن مستغربا رد الفعل السلبي لقوى سياسية كردية وآشورية مشاركة في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة وفي الهيئة العليا للمفاوضات على ما ورد في وثيقة “الاطار التنفيذي للعملية السياسية وفق بيان جنيف 2012” التي اطلقتها الأخيرة في اجتماع مايسمى “النواة الصلبة” لاصدقاء الشعب السوري في لندن يوم 7/9/2016، لكن المستغرب، والمستنكر في آن، هو ان تتجاهل “الهيئة” تركيبتها وطبيعة اللحظة السياسية التي تواجهها، وما يترتب عليهما من استحقاقات، وارتباط ذلك بالموقف السياسي المحلي والاقليمي والدولي ازاء الصراع في سوريا وعليها، وتتبنى مبادىء خلافية تنطوي على احتمالات خطيرة على وحدتها واستقرارها في مرحلة هي بامس الحاجة اليهما. ردة الفعل السلبية جاءت، بشكل رئيس، على البند الأول من المبادىء العامة التي وضعتها “الهيئة” كمحددات لرؤيتها وتصورها للحل السياسي ولسوريا الجديدة والذي يقول: “سوريا جزء لا يتجزأ من الوطن العربي، واللغة العربية هي اللغة الرسمية  للدولة، وتمثل الثقافة العربية الإسلامية معينا خصبا للإنتاج الفكري والعلاقات الاجتماعية بين السوريين على اختلاف انتماءاتهم الإثنية ومعتقداتهم الدينية حيث تنتمي أكثرية السوريين إلى العروبة وتدين بالإسلام ورسالته السمحاء التي تتميز بالوسطية والاعتدال”. يشكل هذا البند في محتواه، وبغض النظر عن صحته من عدمها، وصفة لاثارة مشكلة داخل “الهيئة” و “الائتلاف” وصفوف المعارضة السياسية والعسكرية، في ضوء حالة التوتر والانقسام التي يعرفها المجتمع السوري والمواقف المتباينة المعلنة من قبل قوى سياسية واجتماعية على خلفيات قومية واثنية، خاصة وان النقاشات التي جرت حول الوثيقة قبل اعلانها قد عكست تباينات واعتراضات حول مضمونه، ورُفعت توصيات باعادة النظر فيه، وفق تصريح مشترك للمجلس الوطني الكردي والمنظمة الآثورية الديمقراطية الذي جاء فيه: “اعرب الطرفان عن عدم التزامهما بمخرجات الوثيقة المعلنة من قبل الهيئة العليا للمفاوضات التي تجاهلت الملاحظات والمقترحات التي تقدم بها كل من المجلس الوطني الكردي والمنظمة الآثورية الديمقراطية لاغنائها وبما يلبي تطلعات الشعبين الكردي والسرياني الآشوري والسوريين بكافة شرائحهم ومكوناتهم القومية والدينية، وتجاهلت ما تم التوافق بشأنه حول حقيقة التعدد القومي والديني في البلاد وإصرارها على ما يسمى ثوابت الغالبية القومية والدينية متجاوزة الحقوق القومية والديمقراطية للمكونات غير العربية وإقصائها من المشاركة في رسم مستقبل البلاد وتقدمه مما يعد تراجعاً عن اهداف الثورة السورية في الحرية والديمقراطية”. كانت الامانة العامة للمجلس الوطني الكردي قد أصدرت يوم 9/9/2016 بيانا اعلنت فيه عدم التزامها بمخرجات “الوثيقة”، وأوضحت النقاط التي اعترض عليها المجلس في رسالته الى المنسق العام للهيئة العليا للمفاوضات، رياض حجاب، قبل إعلان “الوثيقة” في مؤتمر لندن حيث أبدى اعتراضه على العديد من النقاط الواردة فيها، والتي لخصها البيان في: “إن الوثيقة تلغي حقيقة التعدد القومي لاعتبارها سوريا جزءاً من الوطن العربي، وتلغي مساهمة المكونات الأخرى في بناء سوريا عندما تقول: (اعتماد الثقافة العربية الإسلامية معيناً خصباً للإنتاج الفكري والعلاقات الاجتماعية ….) ويعتبر ذلك إلغاءً لثقافات المكونات السورية التي تفاعلت إيجابياً في الحضارة السورية على مدى آلاف السنين، وأن اعتماد الوثيقة اللغة العربية لغة رسمية وحيدة في البلاد يعتبر إلغاء وتجاهلاً للغة الكردية ولغات المكونات الأخرى، وإن الوثيقة تتجاهل الاعتراف وضمان حقوق الشعب الكردي القومية واللغوية والثقافية والسياسية دستورياً وفق العهود والمواثيق الدولية، وكذلك حقوق المكونات السورية الأخرى من سريان آشوريين وتركمان وسائر المكونات القومية الأخرى، وإن الوثيقة تحاول من خلال طرح اللامركزية الإدارية لشكل الدولة واستنساخ المجالس المحلية التي اعتمدها النظام سابقاً وتعيد إنتاجه من جديد، كما تخضع الوثيقة القرارات التي تؤثر على مكون بعينه إلى مبدأ الأغلبية بدلا من التوافق، وإلى ما هنالك من ثغرات في الوثيقة المعلنة” . وقد قاطع “المجلس” اجتماع لندن لما يسمى بـ “النواة الصلبة” لاصدقاء الشعب السوري وابلغ الدول المشاركة فيه بذلك وربط مقاطعته بتحفظاته على الوثيقة. الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا هو الآخر أصدر يوم 11/9/2016 بيانا رد فيه على ماجاء في هذا البند، وبنود 2 و 5 و 7 و 12 التي لم تكن، حسب وجهة نظرة، واضحة في ابراز الحقوق القومية والدينية لغير العرب والمسلمين في سوريا، واعتبر “الوثيقة التي تعتبرها الهيئة العليا لبناء منظومة حكم جديدة تتغافل بشكل متعمد التمثيل العادل لسائر أبناء الوطن والتعدد الديني والقومي، وتعالج الوثيقة في مكان آخر القضايا المجتمعية من خلال إطلاق حوار وطني شامل، وتطبيق العدالة الانتقالية، وصيانة حقوق المواطنين المشروعة ضمن إطار الهوية الوطنية الجامعة والوطن الواحد، فكيف يمكن تحقيق هذه الهوية الوطنية الجامعة بإقصاء أغلب مكونات المجتمع السوري من المشاركة في بناء هذه الهوية التي يصبوا إليها معدو الوثيقة”. ودعا البيان القوى السياسية الكردية وباقي المكونات الى “الوقوف، وبشكل جدي، عند ملاحظاته على الوثيقة قبل البدء بأية مفاوضات مستقبلية حول سوريا، لأنها قضايا حيوية واستراتيجية لا ينبغي السكوت عنها كما أن الوثيقة بمثابة إنذار للكرد مما يستدعي الإسراع الى بناء مركز للقرار السياسي الكردي في سوريا، والعمل مع القوى الدولية الفاعلة لتمثيل الكرد، وسائر المكونات القومية والدينية الأخرى كالسريان الآشوريين في مفاوضات السلام، حتى يكون التمثيل حقيقيا، ويعبر عن إرادة جميع السوريين”. وهنا تثور أسئلة استنكاريا حول موقف الهيئة العليا للمفاوضات مثل: هل كانت بحاجة الى هذه الخضة، ألم يكن بالامكان الابتعاد عن المواقف العقائدية والانحياز لموقف سياسي عقلاني يستوحي احتياجات اللحظة السياسية واستحقاقات الصراع في سوريا وعليها، واعتماد موقف عملي كي تحافظ على وحدتها وتماسكها في مواجهة عواصف متوقعة في ضوء توجه قوى اقليمية ودولية وسعيها لوأد الثورة والقضاء على تطلعات السوريين في الحرية والكرامة، اين الحصافة والكياسة في ابراز توجهات عقائدية لقوى سياسية مشاركة في “الهيئة” رغم ادراكها للثمن الباهظ الذي سيترتب عليه؟!!.

المصدر: المدن

علي العبد الله يكتب: بين السياسة والكياسة على ميكروسيريا.
ميكروسيريا -

أخبار سوريا ميكرو سيريا