ثقافة الطفل السوري ضحية صراع الأيدولوجيات
16 أيلول (سبتمبر - شتنبر)، 2016
نالت لعنات الحرب التي تُشنُّ على السوريين أكثر ما نالت من الأطفال الذين عاشوا فواجع هذه الحرب، وكانوا ضحاياها قتلاً واعتقالاً وتشريداً، حيث ترسم تقارير تصدر عن منظمات دولية متخصصة صوراً قاتمة عن راهن ومستقبل أطفال سوريا، بالرغم من عدم وجود إحصائيات دقيقة عن عدد الأطفال الذين استشهدوا أو اعتقلوا، أو شردوا، أو تيتموا نتيجة الحرب، ولكن من المؤكد أن آلاف الأطفال استشهدوا ببراميل وصواريخ النظام وحلفائه الفراغية، أو غرقوا في البحار حين حاول أهلوهم النجاة بهم، وشُرد عشرات الالاف، وحُرم ملايين الأطفال السوريين من حقهم في التعليم والحياة الكريمة داخل سوريا، أو في بلاد الشتات، بحيث بات مستقبل سوريا برمته مهدد بالضياع.
ولم تعر جهات معنية في المعارضة اهتماما بالطفل السوري، حيث لم تدعم مشروعات تثقيفية أو تعليمية خاصة بالطفل، وتولى المهمة أفراد، ونهضوا بتجارب لا يعوّل عليها في التخفيف من تبعات الحرب عليه، وإنقاذه، لأنها تفتقر إلى تمويل دائم، ولا تعتمد على رؤى واضحة يضعها مختصون، كما لم تقم منظمات دولية معنية بدورها الكافي على صعيد الاهتمام بالطفل السوري، وتركته عرضة للقتل والتشريد، والتخريب الفكري.
بات الطفل السوري اليوم مستباحا من قبل أطراف الحرب، حيث يحاول كل طرف زرع ما يريد في مستقبل سوريا، وجره إلى مستنقع التطرف الأعمى، وتفخيخه بالحقد، والبغضاء.
طيلة سنوات الحرب، بذل كتاب وصحفيون سوريون جهودا في سبيل تخليص الطفل من الضياع، فظهرت العديد من المنشورات والإصدارات التي تهتم بترفيه، وتعليم، وأدب الطفل في المناطق المحررة تحاول التأسيس لوعي جديد للطفل السوري الذي بات اليوم كـ”غنيمة حرب” تتنازعه مختلف التيارات والتنظيمات، سواء في المناطق المحررة أو تلك التي لا تزال تحت سيطرة النظام.
توزع حالياً في الداخل السوري العديد من المجلات المعنية بالطفل منها “زيتون وزيتونة”، و”طيارة ورق”، ومجلة “زورق” الشهرية المطبوعة التي صدر العدد الأول منها في مدينة كفرنبل في شهر آب من عام 2013، وتستهدف الشريحة العمرية بين السابعة والرابعة عشرة، وتوزع 2500 نسخة مجانية في العديد من المناطق المحررة في شمال سوريا.
يعمل في مجلة “زورق” أدباء لهم تجربة في الكتابة في أدب الطفل، إضافة إلى عدد من الرسامين المختصين في هذا الجانب. ويرى الكاتب محمد سلوم وهو رئيس تحرير “زورق”، أنه كان هناك أدب طفل في سوريا قبل قيام الثورة في عام 2011، وكان هناك كتّاب سوريون “لهم حضور مميز في العالم العربي، ولا يزال عدد منهم ناشطا في هذا المجال حتى الآن”، مضيفا في حديث مع “صدى الشام”: “ولكن المشكلة تكمن في أنه كان هناك نظام جعل الطفل جنديا في مشروعه الأيدولوجي، حيث كان يحشر الأيدلوجيا في تعليمه وفي كتبه المدرسية التي تمجد القائد الملهم، والحزب الواحد، أي ان النظام ربّى الطفل السوري تربية عقائدية تصب في اتجاه صهره فيها”.
محمد سلوم: تحوّل الطفل في سوريا إلى غنيمة حرب، تتنازعه عدة أيدولوجيات متناقضة، من دون مراعاة أن الطفل يحتاج إلى طريقة خاصة في التعامل
وأشار سلوم إلى أن الحال لم يتغير بعد الثورة في المناطق المحررة، حيث ظهرت مؤسسات “لا تزال متخبطة، وعشوائية بشكل مخيف”، مضيفا أنه بعد عام 2013، ازدادت حالة التجاذب في البلاد، وبات الطفل السوري ضائعا في مهب تنظيمات مختلفة تخضع للايدلوجيا الدينية، وبتنا نرى الطفل السوري إما في معسكرات تدريب عسكري أو عقائدي، وفي الطرف الآخر ظهر تيار علماني يعمل لمحاربة “التطرف”. وأعرب سلوم عن اعتقاده بأن الطفل السوري “تحوّل إلى غنيمة حرب، تتنازعه عدة ايدولوجيات متناقضة، من دون مراعاة أن الطفل يحتاج إلى طريقة خاصة في التعامل”.
وينفي سلوم فكرة أن الأدباء والكتاب السوريين أهملوا جانب الكتابة للطفل، مشيرا إلى أن هؤلاء الكتاب “هم المهمَلون من قبل القائمين على الإصدارات الخاصة بالطفل، وهذا ما يفسر حالة تردي هذه الإصدارات، حيث لم تستعن بالمختصين، ولم تستفد من قدراتهم، ولم تحاول مد يد العون لهم ما يصب في صالح الأطفال أولا، وصالح هؤلاء الكتاب الذين يعيشون في ظروف مادية صعبة للغاية”.
ويحمّل سلوم مسؤولية إهمال الطفل السوري لمؤسسات المعارضة التي “لم تضع الطفل في حساباتها بالمطلق”، معربا عن قناعته بأن أداء وزارة الثقافة في الحكومة السورية المؤقتة “كان باهتا”، وتُرك الطفل السوري في المناطق المحررة لمشروعات منفردة من قبيل إنشاء ألعاب للأطفال لا أكثر، مضيفا: “لم يظهر أي مشروع “قومي” متكامل للتعامل مع الطفل، في حين أن التنظيمات الإسلامية كانت جاهزة، ورؤيتها واضحة بخصوص هدفها من الطفل”.
ولفت سلوم إلى أن هناك أكثر من عشرين إصداراً خاصاً بالطفل السوري، خمسة منها توزع في داخل سوريا، معربا عن اعتقاده بأن تأثيرها “محدود”، وأنها “عاجزة”، وهي تطبع عدة آلاف من النسخ “في مساحة جغرافية ضيقة”. ويرى سلوم أن نسبة الأطفال في المجتمع السوري عالية، لافتا إلى أنهم يتلقون رعاية وصفها بـ “السيئة”، مشيرا إلى أن معظم المجلات التي تستهدف الطفل في سوريا صدرت نتيجة توقف المدارس، وخاصة في عامي 2013، و2014، مضيفا: “مجلتنا “زورق” كانت حلاً إسعافياً، ولكنه ليس كافيا”، موضحا أن أغلب مجلات الطفل السوري تعاني من مشاكل التمويل، وهي اليوم عاجزة عن زيادة طبع الأعداد الصادرة، والاهتمام أكثر بالجانب الفني.
محمد سلوم: نحتاج في سوريا إلى مشروع “حقيقي” خاص بالطفل ينحّي التجاذبات الطائفية، وينظر إلى الطفل على أنه طفل قبل أي شيء آخر
وأشار سلوم إلى أن الدعم المقدم للطفل السوري “خجول، ومحدود”، مشيراً إلى أن أغلبه يذهب إلى مشروعات تعليمية “ليست بريئة”، لافتا إلى أن قيمة صاروخ واحد قد لا يصيب الهدف تدعم مجلة أطفال تقدم مواد تعليمية وترفيهية لمدة عامين، معربا عن أسفه لأنه لا يوجد من يفكر في استثمار الطفل السوري لبناء مجتمع.
ويرى سلوم أن مرحلة ما بعد الثورة لا تزال “غائمة”، مشيراً إلى أننا في سوريا المستقبل نحتاج إلى مشروع “حقيقي” خاص بالطفل “ينحّي التجاذبات الطائفية، وينظر إلى الطفل على أنه طفل قبل أي شيء آخر”، مشيرا إلى أن “مجلة “زورق” تحاول الاهتمام في هذا الجانب، فالطفل بحاجة إلى ترفيه وتعليم وثقافة، ورمي كل المشروعات الأيدولوجيات جانبا”.