الجبهة السورية الجنوبية: عيّنة عن التواطؤ الدولي ضد الثورة


لا تغيّر التطورات الأخيرة الحاصلة في منطقة ريف القنيطرة، على الحدود السورية ــ الفلسطينية المحتلة، من الواقع العام للجبهة الجنوبية بشكل عام. صحيح أن منطقة القنيطرة تشكل جزءاً مما يصطلح على تسميته “الجبهة الجنوبية” (بالإضافة إلى درعا والسويداء وأريافهما)، إلا أن الاشتباكات الحاصة هناك، بين النظام السوري ومليشياته من جهة، والفصائل السورية المسلحة من جهة ثانية، وخصوصاً “جبهة النصرة” سابقاً و”فتح الشام” اليوم، لم تصل يوماً إلى تهديد طريق دمشق، رغم أن مناطق واسعة من تلك المنطقة صارت خارجة عن سيطرة النظام. كما أن المناوشات الأخيرة بين قوات الاحتلال الإسرائيلي والنظام، بغارات وقصف بوتيرة متقطعة، لم تهدد موازين القوى في المنطقة القريبة من الحدود في الجولان المحتل، رغم الدعاية المستمرة التي يحاول إعلام النظام ومحوره الاقليمي ترويجها حول “دعم إسرائيل للإرهابيين” في تلك المنطقة.

وتعيش “الجبهة الجنوبية” منذ حوالي عام ونصف العام، حالة من التدهور والتخبط والفوضى، ما مكّن قوات النظام من استعادة بعض المناطق التي خسرتها، وآخرها الكتيبة المهجورة قبل أيام قليلة. وتثير هذه التطورات الأسئلة حول ما يُخطط لمحافظة درعا وعموم المنطقة الجنوبية، سواء من جهة النظام وخلفه إيران وروسيا أو من جانب القوى الإقليمية المحسوبة على خط قوى المعارضة والمتمثلة بما يسمى غرفة “الموك”.

وجاء التقدم الذي أحرزته قوات النظام ومليشيات الدفاع الوطني في ريف درعا الشمالي من خلال سيطرتها على الكتيبة المهجورة شرق بلدة إبطع من دون مقاومة تُذكر من قبل فصائل الجيش السوري الحر المشغولة بمعارك جانبية أو مواجهات داخلية، وهو ما دعا بعض الناشطين المحليين إلى القول إن “قوات النظام كان باستطاعتها التقدم أكثر لو أرادت ذلك لكنها تركز حالياً كما يبدو على تأمين طريق إمداد إضافي لمواقعها في مدينة درعا. وتسعى لتحقيق ذلك من خلال إحياء طريق درعا ـ دمشق القديم عبر ربط مدن وبلدات الشيخ مسكين، وإبطع، وداعل، وعتمان وصولاً إلى الجمرك القديم مع الأردن”. ورأى ناشطون أنّ الهدف ربما يكمن في إعادة فتح نقطة المعبر في تلك المنطقة بعد إغلاق معبر نصيب الحدودي مع الأردن إثر سيطرة قوات المعارضة عليه في إبريل/نيسان العام الماضي.

وبسيطرتها على الكتيبة المهجورة، تكون قوات النظام أبعدت فصائل المعارضة نحو 4 كيلومترات عن طريق دمشق ـ درعا القديم. وقال الناشط الإعلامي إبراهيم الصمادي لـ”العربي الجديد” إن خطط النظام للسيطرة على هذا الطريق بدأت مطلع العام الحالي، إذ تمكنت من السيطرة على مدينة الشيخ مسكين بمساندة قوية من الطيران الروسي ثم على بلدة عتمان مبعدة فصائل المعارضة عن هذا الطريق.

وأضاف أن اتفاق وقف الأعمال العدائية أواخر فبراير/شباط الماضي لم يمنع قوات النظام من مواصلة خططها بشأن السيطرة على الطريق وإنْ بأساليب جديدة، وذلك من خلال الترويج للمصالحات المحلية في عموم محافظة درعا، والبلدات الواقعة على طريق دمشق ـ درعا القديم خصوصاً، إذ تركزت جهودها على بلدة إبطع ومدينة داعل. وطريق دمشق ـ درعا الحالي سالك، وتسيطر عليه قوات النظام.

من جهته، قال الضابط في “الجيش الحر” نبيل أبو عبدو إن “قوات النظام تسعى أيضاً إلى إبعاد مقاتلي الجيش الحر عن ريف درعا الشمالي الموصول بريفي دمشق والقنيطرة، أو ما يعرف بمنطقة “مثلث الموت”. وأوضح أن التقدم الكبير الذي أحرزته فصائل المعارضة في المنطقة الجنوبية نهاية عام 2014، وبروز إمكانية وصولها إلى الغوطة الغربية وفك الحصار عن داريا، إذ كانوا على بعد 30 كيلومترا منها فقط، أقلق النظام الذي بات هاجسه الرئيسي تحصين هذه المنطقة من خلال استقدام مليشيات إيرانية مطلع عام 2015 والتي استطاعت تحت غطاء ناري كثيف السيطرة على منطقة “المثلث” الاستراتيجي الذي يربط أرياف دمشق ودرعا والقنيطرة.

غرفة الموك
أضاف أبو عبدو أن غرفة “الموك” في الأردن ساعدت في نجاح استراتيجية النظام من خلال توجيهها فصائل المعارضة لفتح معارك في عمق حوران وجنوبها مع قوات النظام، ثم الضغط على هذه الفصائل لمحاربة القوى المبايعة لتنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) في حوض اليرموك، وإبعاد الفصائل عن منطقة المثلث. بينما كان النظام يحصن مواقعه هناك حتى حولها إلى قلاع منيعة يصعب على فصائل المعارضة اختراقها اليوم.

وأوضح أن الدور السلبي لغرفة الموك لم يقتصر على ذلك بل عمدت منذ حوالي عام، أي بالتزامن مع بدء التدخل الروسي العسكري في سورية، إلى خفض مستوى الدعم لمعظم فصائل “الجبهة الجنوبية”، وذلك ضمن تفاهمات مع روسيا كما يبدو، كان الأردن طرفاً رئيسياً فيها، مقابل تعهد روسيا بعدم قصف جنوب سورية. وهو تعهد أخلت به روسيا من خلال مساندتها الجوية الكثيفة لقوات النظام أثناء سيطرتها على مدينة الشيخ مسكين مطلع العام الماضي.

ولفت إلى أنه بعد الاستئناف النسبي للدعم المقدم من غرفة “الموك” لبعض فصائل الجبهة الجنوبية، وحرمان فصائل أخرى أبدت انزعاجها من “توجيهات الموك”، تم تشكيل غرفة عمليات لقتال “داعش” إلى جانب غرفة العمليات الموجودة لقتال قوات النظام والتي تعيش حالة بطالة منذ أشهر طويلة. هذا الأمر جعل معظم الجهد العسكري في محافظة درعا يستنزف اليوم لصالح محاربة “لواء شهداء اليرموك” و”حركة المثنى” في حوض اليرموك واللذين اندمجا قبل أشهر في ما سمي “جيش خالد بن الوليد”.

تقسيم سورية
اللواء المنشق محمد الحاج علي قال إن الجبهة الجنوبية قاتلت النظام بشراسة على مدى ثلاثة أعوام على الرغم من وجود أكثر من نصف جيش النظام فيها، واستطاعت انتزاع القسم الأعظم من المناطق التي كانت تحت سيطرة النظام على الرغم من الإشكالات الكبيرة التي ترافقت مع العمل المسلح. وأضاف الحاج علي لـ”العربي الجديد” أن أهم هذه الإشكالات هو افتقار العمل المسلح إلى الوحدة والتنسيق المشترك وعدم وجود قيادة عسكرية محترفة قادرة على تحقيق انتصارات أكبر أو الاستفادة من النجاحات التي تحققت وتطويرها والبناء عليها. وجرى الاعتماد على قادة لا خبرة لهم في العمل العسكري أو القيادي بتشجيع من استخبارات الدول الداعمة بالمال والسلاح.

وأوضح أنه عام 2016 ومع إعلان الهدنة في فبراير/شباط، توقفت الفصائل الجنوبية عن قتال النظام وبدأت قتالاً داخلياً في ما بينها تحت ذرائع أيديولوجية مختلفة وانتماءات عشائرية ومناطقية. وحل التقاعس والفتور في همم القادة الذين يتلقون التعليمات وأوامر وفتح العمليات من الموك التي أصبحت الموجه الحقيقي للنشاط القتالي. وبشأن مستقبل المنطقة الجنوبية في ظل الصراع الدولي الراهن حول سورية، رأى الحاج علي أن هناك خطة تتماشى مع تصور مؤسسة “راند” الأميركية التي وضعت سيناريو الحل في سورية الذي يقوم على إيقاف القتال الدائر في سورية بحسب الوضع القائم ليكون على الشكل التالي:

المناطق التي يسيطر عليها النظام تحت المظلة الروسية، والمناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية في الشمال (حلب وإدلب) تحت الوصاية التركية، وتكون منطقة الجنوب تحت الوصاية الأردنية. في حين تكون منطقة شمال شرق سورية تحت سلطة حزب الاتحاد الديمقراطي والوصاية الأميركية. أما المناطق التي يسيطر عليها “داعش” فستكون تحت الوصاية الدولية بعد القضاء عليه. وأضاف أن هذه المناطق ستصبح كانتونات تشكل كونفدرالية، ومع مرور الزمن تكون سورية قد تقسمت. ورأى أن هذا السيناريو تعمل عليه الولايات المتحدة بالخفاء ولا تعارضه كل من روسيا وتركيا، والأردن وبالطبع إسرائيل، “لذلك نرى حالياً سياسات غير مفهومة لبعض الأطراف الدولية”.

العامل الإسرائيلي
من جانبه، رأى العميد المنشق غازي العبود الموجود في محافظة درعا أن المجتمع الدولي وخصوصاً الدول صاحبة القرار في الشأن السوري، وبالتعاون مع النظام السوري، هاجسهم الأساسي في ما يخص المنطقة الجنوبية هو الحفاظ على أمن إسرائيل وحدودها، وكل ما يحدث في هذه المنطقة الجنوبية لا يخرج عن تحقيق هذا الهدف، بحسب تعبيره. وأضاف أن لدى إسرائيل قناعة تامة بأن نظام الرئيس السوري بشار الأسد هو الوحيد القادر على حماية أمنها، لذلك فهي لا تمانع إضعافه، لكنها لا تسمح بانهياره.

يضاف إلى ذلك، وفقاً للعميد ذاته، قرب محافظة درعا من دمشق مع بروز إمكانية تقدم مقاتلي المعارضة فيها إلى دمشق وإسقاط النظام هناك بالتعاون مع مقاتلي ريف دمشق، وهو ما جعل المجتمع الدولي الذي لا يريد للنظام أن يسقط الآن على الأقل، يفرض مزيداً من القيود والتعقيدات على الساحة الجنوبية في سورية. وهذا الأمر دفع الولايات المتحدة إلى السكوت عن التدخل الروسي في سورية، إذ تلاقت مصلحة الطرفين في الحفاظ على أمن إسرائيل، من خلال الحفاظ على وجود نظام الأسد في المرحلة الراهنة، وتحجيم ومراقبة فصائل المعارضة في الجبهة الجنوبية.

وحول دور القوى الخارجية في تقييد دور فصائل الجبهة الجنوبية، أشار إلى أن الأردن لا يقوم بدور يضر بمصلحة الشعب السوري والثورة السورية و”من حقه الطبيعي أن يحافظ على حدوده وأمن شعبه، وهو العمق الاستراتيجي للثورة في الجنوب السوري”. وعن دور غرفة “الموك” في درعا، قال إن الموك هي الداعم الوحيد لفصائل الجيش الحر في المحافظة لكن سياستها ترتبط بالتعليمات التي تتلقاها من قادة الدول المشكلة لها. ورأى أنه ليس هناك تعطيل
متعمد للجبهة الجنوبية لكن ذلك يرتبط بتعويل الدول الداعمة لـ”الموك” على الحل السياسي الذي يرضي الجميع وخصوصاً إسرائيل على حساب الدم السوري، بحسب تعبيره.

وحول مسؤولية قادة “الجيش الحر” في درعا عن تردي أوضاع المحافظة، قال العبود إن هناك تخبطاً عند بعض قادة الجيش الحر بسبب الضغوط الخارجية عليهم لتجميد الجبهات ضد النظام، لكنْ في المقابل هناك قادة ومقاتلون أحرار لا يقبلون بذلك، وهؤلاء لا يتلقون الدعم من الموك”. وطالب بتوحد جميع فصائل الجيش الحر في تشكيل واحد، وتحت قيادة عسكرية محترفة بغية منع القوى الخارجية من التلاعب بها من خلال دعم هذا الفصيل ومعاقبة ذاك، وصولاً إلى تصحيح مسار الثورة من جديد.