د. صالح عبد الرحمن المانع يكتب: حول مستقبل سوريا


د. صالح عبد الرحمن المانع

علنت قبل أيام قليلة اتفاقية أميركية- روسية لوقف إطلاق النار في سوريا، وذلك خلال أيام عيد الأضحى المبارك، ويأمل مخططو هذه الاتفاقية إلى في استمرار هذه الاتفاقية الهشة بالصمود لفترة أطول على أمل أن يحترم أطراف النزاع مسودة هذا الاتفاق. واستثنى الاتفاق القصف الجوي الأميركي – الروسي لحركة «داعش»، وكذلك العمليات العسكرية ضد «جبهة النصرة»، التي غيرّت اسمها مؤخراً إلى جبهة «فتح الشام». وتأمل المعارضة السورية أن ينجح اتفاق وقف إطلاق النار في سوريا إلى بدء مفاوضات حقيقية بين النظام السوري والمعارضة لمدة ستة أشهر، تعتمد على بيان جنيف الذي وقّع في 30 يونيو 2012م كأساس له، وتنتهي بتشكيل حكومة وطنية، ويتزامن هذا مع رحيل الأسد من السلطة.

وعلى الرغم من أن هذه الرؤية السورية للسلام تمثل وجهة نظر «الهيئة العليا للمفاوضات» المدعومة عربياً وبريطانياً، فإن وجهة نظر حكومة بشار الأسد هي عدم الانصياع للإرادة الدولية في السلام والاستمرار قدماً في حربها ضد قوى المعارضة المحلية، وقد صرح أحد القادة العسكريين التابعيين لحكومة بشار مؤخراً، لمحطة (بي. بي. سي) بأن الحرب الأهلية اللبنانية قد استمرت خمسة عشر عاماً، وربما تستمر الحرب الأهلية في سوريا لفترة مماثلة، وبمعنى آخر، فإن قوى النظام السوري والقوى المتحالفة معه، لا ترى ضرورة لإحلال السلام في سوريا، حيث تعتقد أنها وبمساعدة روسيا وإيران، و«حزب الله»، قادرة على مواصلة حربها ضد السكان المدنيين وإحراق المدن السورية لمدة أطول. وتهدد بعض القوى الإقليمية والدولية المتحالفة مع الأقليات في سوريا إلى تحويل سوريا إلى محرقة حقيقية للشعب السوري، وتهجّر هذا الشعب بعد أن قُتل زهاء 300 ألف نسمة من أبنائه، وهُدمت بيوته ومدنه.

وحتى لا نكون متشائمين للغاية، فإن أي رؤية مستقبلية لسوريا لن تكون رؤية متفائلة. ولكي نكون عمليين أكثر في وضع هذه الرؤية، فإن إلقاء المرء النظر على خريطة القوى العسكرية المتحاربة على الأرض في سوريا ترينا مزيجاً عجيباً ومتداخلاً للقوات والمليشيات. وهناك خريطة على الإنترنت، يتم تحديثها يومياً (syriancivilwarmap.com) ترينا أن أكبر قوتين تسيطران على الأرض السورية هما حركة «داعش» والأكراد، ومن ثم قوات الحكومة السورية، وقوات المعارضة المسلحة المدعومة عربياً وغربياً، وقد تزامن تراجع المناطق الخاضعة لسيطرة «داعش» في حوض نهر الفرات في ستة الأشهر الماضية، إلى تعاظم انتشار القوات الكردية في معظم المناطق الشمالية من المالكية على الحدود التركية في شمال شرق سوريا إلى «باب العباسي» في الركن الشمالي الغربي من الحدود السورية التركية، وذلك بمساندة أميركية. ومثل هذا التمدد الكردي هو الذي دفع بالحكومة التركية للتدخل في «جرابلس» لقطع الإمدادات الكردية بين شرق الفرات وغربه، وحين يتمعّن المرء في مثل هذه الخريطة، فإنه يرى دولتين، غير معلنتين تُبنيان فعلاً على الأراضي السورية _ العراقية، إحداهما دولة كردستان والأخرى دولة «داعش»، والفرق الوحيد بينهما، أن إحداهما تبني بدعم أميركي، بينما تُحارب الدولة الأخرى أيضاً بتحالف عربي- أميركي دولي.

لذا فإن أي تصور مستقبلي ينبغي أن يأخذ الحقائق المفروضة على الأرض كمعطيات جيوبوليتيكية لمرحلة ما بعد الحرب، وهذا يعني أن الأراضي التي ستجبر «داعش» على الرحيل عنها، امتداداً من كركوك في العراق والموصل والرقة وغيرها في سوريا على طول امتداد حوض الفرات الشمالي، ستتحول إلى أراض قابلة للتصارع والنزاع، وهي أراض زراعية خصبة، ستجذب إليها الأكراد، ومن الشمال خاصة في منطقة كركوك والقرى المحيطة بها، وكذلك قوى أخرى تمثل حكومة الأسد وقوات أخرى، بما فيها القوات التركية، التي تأمل أن تتحول منطقة الموصل لمنطقة نفوذ تركية.

والمناطق الخاضعة للقوات الكردية لا تخلو من قوات مضادة لها، وهي في الوقت الحالي قوات تمثل الآشوريين والأرمن في القامشلي والحسكة، وهي قوات وإنْ كانت صغيرة إلا أنها تُقاتل على أرضها ضد القوات الكردية، وهي متحالفة أيضاً مع قوات النظام في دمشق.

ومستقبل سوريا يعنى أيضاً إيجاد تفاهمات إقليمية ودولية داعمة لسلام دائم وعادل في هذا البلد يضمن وحدته واستقلاله، وإقصاء الطاغية الأسد وزمرته من حكم سوريا. وهناك سبع وعشرون منظمة وفرقة عسكرية غير حكومية تقاتل في سوريا، بالإضافة إلى القوات الجوية الروسية والأميركية والتركية والإيرانية وقوات حكومة الأسد. وهذا يعني أن أية تفاهمات إقليمية أو دولية ستكون صعبة المنال لتطبيقها على الأرض. وحتى عمليات وقف إطلاق النار التي جربت من قبل لم تصمد كثيراً بسبب طمع كل جانب في تحسين مواقعه العسكرية والتفاوضية السياسية على حساب الجماعات والأطراف الأخرى.

وهكذا فإن أية رؤية سياسية لمستقبل سوريا بعد انتهاء الحرب، إن هي انتهت بالفعل، وصمد وقف إطلاق النار ينبغي أن تأخذ في الاعتبار العوامل الجيواستراتيجية، ناهيك عن العوامل الإنسانية والاقتصادية في عملية إعادة بناء ما فعله بشار الأسد بشعبه من جرائم لم يشهد لها التاريخ الحديث مثيلاً من قبل، ومثل هذا الموضوع يستحق بحثاً كاملاً مكرّساً لدراسته

المصدر: الاتحاد

د. صالح عبد الرحمن المانع يكتب: حول مستقبل سوريا على ميكروسيريا.
ميكروسيريا -

أخبار سوريا ميكرو سيريا