on
هل يخشى الأسد القانون الدولي؟
العنوان الأصلي: هل يخشى أحد في سوريا القانون الدولي؟
تتجلى أهوال الحرب في سوريا عبر الملايين من الصور الرهيبة والقاسي نشرها؛ أطراف مكدسة خارج عنابر المشافي، جثث منتفخة ومتعفنة في أزقة القناص، طفل صغير أُخرج من تحت الانقاض دون رأس، مجموعة من الأهالي يحاولون حمل جثة رجل ذو ستين باونداً مات من الجوع، ولم يتمكن العشب المغلي الذي كان يعيش عليه من الحفاظ على حياته بعد الآن، ولكنهم رغم ذلك يصارعون بسبب وزنه، لأنهم، أيضا، يموتون جوعا. كما تبدو في جيل من الأيتام والأطفال الذين لم يتعلموا أبداً القراءة ولكنهم يستطيعون اخبارك الفرق بين أصوات القصف والضربات الجوية. ترتسم أيضا في القصف المتعمد للمستشفيات والعيادات، وعمليات الاغتيال التي تستهدف العاملين في المجال الطبي، والتهجير القسري، وهجمات الأسلحة الكيميائية. وتظهر في عدد القتلى المرتفع والمستحيل التحقق منه، والذي توقفت الأمم المتحدة عن عدهم منذ عامين.
بعد أهوال الحرب العالمية الأولى، قضى محام بريطاني يدعى هيو بيلوت سنوات يتوسل عصبة الأمم لإنشاء محكمة جنائية دولية في لاهاي، لمحاكمة جرائم الحرب و”جميع الجرائم المرتكبة والمخالفة لقوانين الإنسانية.” بالنسبة لـ (بيلوت)، السماح لـ”الانتهاكات” التي ارتكبت خلال الحرب -والتي تضمنت الاستخدام الواسع النطاق للأسلحة الكيميائية- بالمضي دون مسائلة، هو أمر “خطير للإنسانية والحضارة” كما كانت الفظائع ذاتها. ولكن جهود بيلوت لم تبلغ هدفها.
كانت المحرقة سبباً لإنشاء المجتمع الدولي أول محكمة جرائم حرب دولية في العالم، وكان آخر نصف قرن من الفظائع في أمريكا الجنوبية وآسيا وأفريقيا، وأوروبا الشرقية سبباً في تحقيق رؤيته بشكل كامل.
في عام 1998، بعد عمليات القتل واسعة النطاق في رواندا والبوسنة، عقدت الأمم المتحدة اجتماعا لمدة خمسة أسابيع في روما، لوضع مشروع معاهدة لإنشاء محكمة جنائية دولية تتمكن من محاكمة جرائم الحرب والإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية. من الناحية النظرية، اعتقدت الامم المتحدة أن وجود مثل هذه المحكمة من شأنه أن يوقف الحكام المستبدين وأمراء الحرب الميالين للوحشية. يمكن اصطياد الجناة الذين يعيشون في أي مكان في العالم حتى أنفاسهم الأخيرة.
لا يملك أي مكان الرادع المفترض للعدالة النهائية مثلما ثبتت عدم فعاليتها بشكل واضح كما هو الحال في سوريا. مثل معظم البلدان، وقعت سوريا على نظام روما الأساسي، والذي، وفقا لقواعد الأمم المتحدة، يعني أنه لا بد من “الالتزام بعدم تعطيل موضوع وهدف المعاهدة”.
ولكن، لأن سوريا لم تصدق فعلا على الوثيقة، و لا تملك المحكمة الجنائية الدولية أية سلطة مستقلة للتحقيق أو متابعة الجرائم التي تقع داخل الأراضي السورية ومحاكمة مرتكبيها.
يملك مجلس الامن القدرة على احالة الدعاوي إلى المحكمة، لكن العدالة الجنائية الدولية هي مسعى هش وجديد نسبيا، وإلى حد مثير للقلق، وتطبيقها يتوقف على الجغرافيا السياسية. في عام 2014، عندما قُدمت اجراءات امام مجلس الأمن لإعطاء المحكمة الجنائية الدولية ( (I.C.C. السلطة القضائية في سوريا، منعت روسيا والصين ذلك. وفي الوقت نفسه، منذ عام 2011، لم تمر دقيقة قامت خلالها الحكومة السورية بارتكاب جرائم حرب متعددة على نطاق واسع وجرائم ضد الإنسانية. مجموعة من أدلة المحكمة الجاهزة ضد كبار المسؤولين في الحكومة السورية هي أكثر اكتمالا وادانة من أي وقت سبق جمع ادلة خلال صراع نشط. وحتى الآن لا يوجد مسار واضح لملاحقة المخالفين على مستوى أعلى.
أكثر الأدلة التي تدين النظام انتجها بنفسه بسبب البيروقراطية الهائلة التي يمارسها. صَوَرَ ضباط الشرطة العسكرية بشكل منهجي الجثث الهزيلة لآلاتف من المعتقلين الذين تعرضوا للتعذيب حتى الموت على يد رجال الأمن والاستخبارات. أكثر من خمسين ألفا من هذه الصور الموجودة حاليا في حوزة من المحامين الدوليين ومحققي الطب الشرعي. وكما كتبت سابقا لهذه المجلة، هَرب محققون مستقلون بجرائم الحرب يعملون لدى لجنة العدالة والمساءلة الدولية هربوا من سوريا أكثر من ستمائة ألف ملف حكومي، سامحا لهم بتتبع التعذيب الممنهج والقتل لعشرات الآلاف من المشتبه في انتمائهم للمعارضة بأوامر صادرة من اللجنة الأمنية الأعلى التابعة للرئيس بشار الأسد، والتي وافق عليها الأسد نفسه.
ويتم التحقيق أيضا بجرائم الإبادة الجماعية لليزيدين التي قامت بها داعش.
ولكن، مهما كانت انتماءات الجناة، مجرمي الحرب الوحيدين الذين من المحتمل أن يواجهوا محاكمة وشيكة لدورهم في الصراع السوري هم العناصر ذوي المستوى المنخفض والمتوسط و الذين تم تحديدهم في الولايات القضائية الأوروبية، بعد دخولهم القارة متخفين في موجات اللاجئين.
يعرف نظام روما الأساسي “جرائم ضد الإنسانية” على أنها مجموعة من أعمال “ارتكبت في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين.” الجرائم المختلفة المنطبقة التي كانت ولا تزال تُرتكب في مراكز الاحتجاز الحكومية السورية تشمل التعذيب والقتل والاغتصاب والاختفاء القسري والاعتقال غير القانوني، والاضطهاد، والأفعال اللاإنسانية الأخرى. في كل مرة تمنع الحكومة السورية مساعدات الأمم المتحدة من الوصول للمناطق المحاصرة، كما فعلت بشكل روتيني في الأربع الماضية سنوات، فإنها ترتكب عمل من أعمال “الإبادة” جريمة ضد الإنسانية تتضمن “الحرمان من الحصول على الطعام و الدواء، بقصد إهلاك جزء من السكان “.
كما يتيح نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية السلطة القضائية للتحقيق في جرائم الحرب التي ترتكب “كجزء من خطة أو سياسة عامة”، أو على نطاق واسع. إذا سُمح للمحكمة بالتحقيق في جرائم الحرب في سوريا، سيكون من غير المستغرب أن نرى ملاحقات قضائية في المستقبل لكبار المسؤولين، -بما في ذلك الأسد- لمجموعة من الجرائم المحظورة بموجب اتفاقيات جنيف، بما في ذلك القتل العمد. التدمير المفرط و الوحشي للممتلكات بدون الضرورة العسكرية. واجبار اسرى الحرب بالقتال نيابة عن خاطفيهم. الهجمات المتعمدة ضد المدنيين. الهجمات المتعمدة الموجهة ضد العاملين في المجال الإنساني والمنشآت والمركبات. قصف البلدات والقرى، أو المباني. قتل أسرى الحرب. مهاجمة الأسواق، والمدارس، والمستشفيات عمدا؛ التشويه. النهب. استخدام الأسلحة الكيميائية، بما في ذلك “الغازات الخانقة”. وتعمد تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب، وتعمد عرقلة الإمدادات الاغاثية.
والآن حيث تشارك روسيا جويا بنشاط في حملة الأسد وباستخدام ذخائر حارقة محظورة وكثيرا ما قصفت المستشفيات والأسواق في مناطق يسيطر عليها المتمردون نيابة عنه، واحتمال أن مجلس الأمن الدولي قد يحيل الملف في نهاية المطاف إلى المحكمة الجنائية الدولية قد انخفض إلى ما يقرب من الصفر. (سيكون من المدهش بالنسبة لروسيا التصويت لصالح هكذا قرار وهو إجراء يمكن أن يؤدي إلى محاكمة القادة العسكريين الروس.) وأصبحت الحرب السورية صراعا تتم فيه جرائم الحرب ولا تحمل أي عواقب في الوقت الحاضر أو، على ما يبدو، في المستقبل، وخلال هذا الصراع تم تطبيع ارتكاب الجرائم كجزء من استراتيجية عسكرية، بدلا من أن ينظر إليها على أنها انحراف. فقد شجع مناخ الإفلات من العقاب الحكومات الأخرى لتنفيذ الأعمال الوحشية في السعي لتحقيق أهدافها. في اليمن، الطائرات السعودية يبدو أنها اعتمدت سياسة الأسد بتفجير المستشفيات.
وقد أدانت الدول الغربية والأمم المتحدة خلال السنوات الخمس والنصف الماضية الفظائع بعد الفظائع في سوريا، ولكن دون جدوى. حيث العدالة محددة بالجغرافيا السياسية، من يخاف من القانون الدولي في سوريا؟
الرابط الأصلي للمادة: هنا.