on
النظام يرسم حدود (سوريا المفيدة).. الأتاسي: نخشى من استراتيجية (الثقب الأسود)
اخشى أن يكون هناك مخطط لتحويل ادلب إلى ثقب اسود، فكل من يرفض التسويات في المناطق المحاصرة ينقل إلى ادلب |
محمد نمر: النهار
رغم بدء سريان الهدنة “الهشة”، لا يزال المجتمع الدولي وأصحاب الحق السوريين يجهلون مضمون الاتفاق الأميركي – الروسي، وبالتالي لا موعد للمفاوضات بين النظام والمعارضة في جنيف، ولا التزام من كل الأطراف بالهدنة بمعناها الحقيقي، فمبدأ الهدن لا يقوم على وقف اطلاق نار فحسب، انما على ادخال المساعدات وهو ما عجزت عن تحقيقه الأمم المتحدة، وعلى منع الاستيلاء على اراض جديدة وهو ما يستمر في القيام به النظام السوري عبر سياسة التهجير والتغيير الديموغرافي.
والمعارضة لا تعلق الآمال على هذه الهدنة وتشكك بأهداف الاتفاق الروسي- الأميركي، لأسباب عدة:
أولاً: كيف يمكن لهدنة أن تكون بوابة لاستئناف المفاوضات مع النظام طالما الفريق السوري يجهل حتى هذه اللحظة مضمون الاتفاق الأميركي – الروسي.
ثانياً: كيف يمكن البدء بمفاوضات في وقت يواصل فيه النظام وروسيا قصف الناس وتجويعهم ومحاصرتهم للوصول إلى مرحلة فرض التسويات على المناطق المحاصرة بقوة التجويع والقتل، وبالتالي الاستيلاء على اراضٍ جديدة؟
ثالثاً: كيف يمكن لفصائل تقاتل طوال خمس سنوات ضمن تحالفات مع جبهة فتح الشام (النصرة سابقاً) ويطلب منها الانفصال عنها خلال اسبوع؟ وبالتالي فان استحالة تحقيق هذا المطلب لا يعني سوى الاتفاق على استهداف الفصائل المعتدلة والمدنيين بحجة وجود “فتح الشام”. وبناء على ذلك، فان المعارضة لا ترى سوى محاولات لتعطيل مسار المفاوضات واعطاء المزيد من الوقت للاتفاقيات والتسويات المحلية التي تؤدي نتيجتها الى استلاء النظام على المدن وتغيير ديموغرافي وتهجير قسري نحو ادلب، ما يطرح اسئلة عدة حول مصير هذه البقعة الجغرافية التي تستقبل كل المهاجرين من المناطق المحاصرة، هل هناك مخطط لابادتها؟
رسم “سوريا المفيدة”
هي جملة من المواقف المعارضة عرضتها عضو الهيئة العليا للمفاوضات والفريق المفاوض سهير الأتاسي لـ”النهار”، نافية اطلاع الهيئة على أي موعد للمفاوضات أو اي تفصيل يتعلق بالاتفاق الروسي – الأميركي، حتى انها تضع علامات أسئلة حول الهدنة، وتقول: “يتحدثون عن وقف لاطلاق النار فيما يتعرض حيا جوبر والرستن الى قصف بالطيران الروسي”. وتوضح: “صحيح أن فتح الشام تتمركز عند المدخل الشمالي للرستن، لكن ما تم ضربه هو المدخل الجنوبي، لذلك لا نرى اي التزام بالهدنة، ومن لمفترض أن يكون ضمن بنودها ادخال المساعدات الى المناطق المحاصرة، وعدم كسب اراضٍ جديدة، فيما نلحظ أن النظام يستمر بالضغط على أهالي وفصائل المعضمية والوعر لتهجيرهم والاستيلاء على اراضيهم”. هي حدود “سوريا المفيدة”، يحاول النظام رسمها وفق قراءة الأتاسي، وتقول: “لو اريدَ أن تكون الهدنة أكثر جدية لكان تم الضغط على روسيا والنظام لوقف العمل باتفاقيات الهدن المحلية التي تستخدم كأداة من اجل تقسيم سوريا ورسم حدود سوريا المفيدة بالتهجير القسري والتغيير الديموغرافي، ويجري الضغط على اهالي حي الوعر للخروج غداً باتجاه ادلب، وفي المعضمية ايضاً يريدون اخراج كل من يرفض التسوية والخضوع للنظام”.
لم يحن الوقت للمفاوضات
وبناء على قراءة الميدان وتصرفات روسيا والنظام وأميركا، فإن الأتاسي لا تعتقد ان الوقت قد حان لتحديد موعد مفاوضات “ليدعوننا إليه، خصوصاً اننا وكل الفصائل نجهل تفاصيل الاتفاق الروسي – الأميركي، بل تم تغييب العنصر السوري، وبالتالي على اي اساس سنتجه إلى مفاوضات امام اتفاق غامض؟ كما أن ما الفائدة من التوجه إلى جنيف اذا كان هناك اتفاق مسبق يرسم لسوريا من دون معرفتنا؟”. يحاول الأميركي والروسي رسم ملامح المرحلة الانتقالية وهو ما ترفضه المعارضة السورية، وتقول الاتاسي: “لسنا مستعدين لتكون جنيف عبارة عن مسرح وان نكون الكونبارس، ونرفض رسم الاتفاق السياسي في مكان آخر”.
موضوع “فتح الشام” سوري
لا يمكن الحديث عن الاتفاق الأميركي – الروسي الغامض من دون التطرق إلى جبهة “فتح الشام”، فالامر الوحيد الذي خرج إلى العلن بعيداً عن تفاصيل الهدنة هو انشاء غرفة عمليات مشتركة لضرب “داعش” و”فتح الشام” وطلب من الفصائل المعتدلة الانفصال عن التنظيم الثاني، وتقول الأتاسي: “فصل فتح الشام عن الفصائل غير موضوعي ومن الصعب تنفيذه على ارض الواقع، وجزء كبير من فتح الشام من السوريين وخلال كل الفترات الماضية كانت الفصائل تتحالف مع هذا الفصيل لمقاتلة النظام، وبالتالي ضعف الدعم للجيش الحر أدى الى ذلك، وكيف يدّعون ان هدف الاتفاق عدم استهداف الجيش الحر وفي الوقت نفسه لا يدعمونه، فمع من سيتحالف لمقاتلة النظام؟ هو مضطر للتحالف مع جهة مدعومة كفتح الشام فعلى الأقل قاعدتها سورية”، لكنها تضيف: “نحن لا نزال نعوّل على طبيعة شعبنا وهو بطبيعة الحال من الداخل وبأصالته معتدل وبالتأكيد أن العنف الذي مورس على السوريين لا يمكن ان يؤدي إلا الى مزيد من التطرف، وكان الاجدى للاميركي ان يترك فرصة لهذه الفصائل لتتفاهم وتصل لجملة تفاهمات وتحل الاشكاليات، لكن اليوم وبمجرد اعلان الاتفاق والحديث فوراً انه بعد اسبوع سيكون هناك استهداف لفتح الشام، فبالتأكيد سيكون اعلاناً لاستهداف للفصائل او الدفع الى ان يتقاتلوا بين بعضهم، او لاستهداف المدنيين”.
فك الارتباط غير كاف
وعن فك ارتباط “النصرة” بالقاعدة وتحولها إلى “فتح الشام”، تقول: “منذ لحظة فك الارتباط اعتبرنا أنها خطوة غير كافية ابداً، انها صغيرة ومبدئية جدا ورغم ذلك فان بيان الهيئة العليا للمفاوضات حاول الاخذ بايجابية شكلية وسطحية ليبني عليها، ففي نهاية المطاف قاعدة فتح الشام من السوريين ونحن بحاجة الى التفاهم معهم، فنحن نتفاوض مع النظام وكيف لنا الا نتفاهم مع اشخاص هم معنا في خندق واحد لمقاتلة النظام؟ الا يمكن ان نتفاهم معهم وندفعهم الى الاعتدال؟ ولو اعطيت لنا الفرصة بدلاً من شق الصفوف الذي يقوم عليه الاتفاق الروسي–الأميركي لكان من الممكن ان ننجح، كما أن بيان الفصائل السورية يجب ان يكون ديناً على فتح الشام، والمطلوب من الأخيرة رد هذا الدين”. وتتمنى الأتاسي “لو تأخذ الجبهة خطوة جريئة بالذوبان بين الفصائل، خصوصا قاعدتها السورية”.
الثقب الأسود
وللاتاسي مخاوف من موضوع التهجير، وتقول: “اخشى أن يكون هناك مخطط لتحويل ادلب إلى ثقب اسود، فكل من يرفض التسويات في المناطق المحاصرة ينقل إلى ادلب، وكأنها ستتحوّل إلى هذا الثقب وبالتالي لا نعرف مصيرها، انها استراتيجية مرعبة وربما تنتهي بقرار ابادة هذه البقعة الجغرافية، لهذا فان التنازل الأميركي المستمر لصالح الاستراتيجية الروسية أمر مرفوض”.
استراتيجية مرعبة
الفشل في وصول إلى مفاوضات قبل رحيل الادارة الاميركية الحالية يدفع الاتاسي إلى الحذر من تجميد مسار المفاوضات ومن ” الصعب أن ندخل في تفاوض في وقت يقوم فيه النظام بقصف الناس بقنابل النابالم، وبالتالي فان تجميد مسار المفاوضات ليس لصالح الاسد فحسب بل للتقسيم والمزيد من العنف والتطرف، وهو لصالح مسار آخر يدعى الهدن المحلية وهذا مسار خطير، وهو يسير بطريقة متسارعة ومرعبة، شهدنا داريا أخيراً وحالياً العين على الوعر والمعضمية، وهناك المزيد من الاحتلال في الزبداني من حزب الله واستبدال شبيحة النظام بالحزب، فحتى الشبيحة لم يسلموا من التهجير وتؤخذ اسماؤهم لنقلهم إلى مكان آخر”.
سوريا غير موحدة
وترى الأتاسي حاليا أن أداة روسية ايرانية مع النظام ترسم حدود سوريا المفيدة، وبالتالي تتخوف من أن يتم “الاستغناء عن الانتقال السياسي والفعلي والحقيقي، فمسار الهدن يسير من دون اي ادانة من احد وفي ظل صمت رهيب حتى من اصدقاء الشعب السوري، والخوف ان يتم تجاوز كل القرارات الدولية وتتجمد لصالح الاتفاقيات المحلية، وبالتالي نحن امام امرين، اما الاستغناء عن مفاوضات جنيف والقول ان هناك مصالحات وبالتالي تنتهي بالتقسيم وبثقب اسود في ادلب بقوة الحصار والتجويع، أو الضغط على المعارضة بالمفاوضات للقول ان الواقع على الأرض تغيّر وتعالوا لتكونوا مجرد موقعين على اتفاق سياسي انتزع من الناس على الارض، وفي كلا الحالتين لن نرى سوريا موحدة ويجب ضرب جرس الانذار أمام الدول التي تبحث عن وحدة سوريا”.