شكلت بداية العام الدراسي الجديد عبئا ثقيلا على معظم الأسر السورية في ظل تدهور وضعها الاقتصادي المستمر، فقد باتت المستلزمات مكلفة للغاية، كما لم يعد التعليم مجانياً كما كان سابقاً، وأصبح هناك مستويان للتعليم، فأبناء الأثرياء لا يجلسون إلا على مقاعد نظيفة، ولا يتلقون العلم إلا من أساتذة يتقاضون رواتب عالية، في حين نجد أن أبناء الطبقة الفقيرة وهم السواد الأعظم من الشعب السوري، باتوا لا يجدون مكاناً في المدارس العامة، بعد أن اكتظت بهم المدارس، وأصبح الصف الواحد يضم أكثر من 60 طالباً، عدا عن النقص الحاد بالمدرسين، حيث تعاني معظم المدارس العامة من قلة عدد المدرسين، وخاصة لمواد الرياضيات واللغات الأجنبية، واللغة العربية، وذلك وفق ما أكده أحد مدراء المدارس العامة في ريف دمشق لـ”صدى الشام”، الذي أشار إلى أن هذه العوامل تهدد جيلاً كاملاً بالضياع في سراديب الجهل والتخلف.
خسائر القطاع التربوي.. وما خفي كان أعظم
إذا ألقينا نظرة سريعة على القطاع التربوي وخسائره في سوريا، فهي بالغة وعميقة، سواء على صعيد المدارس، أو على صعيد التسرب من العملية التربوية. فوفقا لوزارة التربية، “إن نحو 4 ملايين طالب توجهوا إلى نحو 15 ألف مدرسة في سورية هذا العام”. ومع مقارنة هذه الرقم بنظيره قبل الحرب، نجد أن أكثر من 40% من الطلاب والتلاميذ لم يتواجدوا ضمن العملية التعليمية في سوريا، فمعظمهم غادر البلاد أو في مخيمات اللجوء أو باتوا يسعون على رزق أسرهم رغم صغر سنهم.
أكثر من 40% من الطلاب والتلاميذ لم يلتحقوا بالمدارس هذا العام في سوريا، وقد توجه نحو 4 ملايين طالب إلى حوالي 15 ألف مدرسة، وفقا لوزارة تربية النظام.
وبالعودة إلى الوراء قليلاً، في عام 2011 صدرت دراسة عن اليونيسيف بينت أن نسبة الالتحاق بالتعليم الأساسي في سوريا بلغت نحو 97%، ولكن في عام 2013، أجبر نحو 3 ملايين طالب على التوقف عن التعليم لأسباب الحرب، سواء لتدمر المدارس، أو القرى والمنازل، وبالتالي الهجرة الخارجية أو النزوح الداخلي.
الدراسة نفسها بينت أن مدرسة واحدة من بين كل 5 مدارس باتت غير صالحة للعملية التعليمية، وبحسب إحصائية صادرة عن وزارة التربية فقد طالت الأضرار 4382 مدرسة في كافة المحافظات السورية، منها 1494 مدرسة متضررة لا تزال تستقبل الطلبة، و2888 مدرسة غير مستثمرة ضمن العملية التعليمية، و379 مدرسة مدمرة بالكامل، و1489 لا يمكن الوصول إلى موقعها الخطر، فيما خرج 510 مدارس عن الخدمة مؤقتاً لحين إصلاحها واستثمارها، وتستخدم 510 مدارس كمراكز إيواء للمتضررين، منها 319 مدرسة تستخدم للإيواء بشكل كامل، والباقي بشكل جزئي.
وذكرت وزارة التربية أنها تسعى لتأهيل 1104 مدارس عن طريق مديريات التربية في العام الحالي بعدما أهلت العام الماضي 1958 مدرسة في عدة محافظات بإنفاق قدره 1.013 مليار ليرة.
هذه الخسائر غيض من فيض ويمكن القول بأن ما خفي كان أعظم، لأن عدم إيلاء الاهتمام بالعملية التعليمية يعني إنشاء أجيال لا تفقه إلا لغة الرصاص التي اعتادوا على سماعها، في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية لمعظم الأسر التي انعكست على عدم قدرتها في تغطية نفقات تعليم أبنائها.
التعليم في سوريا لم يعد مجانياً
“يمكن القول بأن التعليم في سوريا بات فرصة استثمارية ذهبية لأصحاب رؤوس الأموال، ويخشى بعد مرور فترة من الزمن أن يصبح للأغنياء فقط، بعد توسع الطبقة الفقيرة واختفاء الطبقة المتوسطة، وبالتالي هجرة الطلاب الفقراء مقاعد الدراسة بحثاً عن لقمة عيشهم”، هذا ما أكده موجه تربوي ومدير مدرسة سابق في دمشق، طلب عدم الكشف عن اسمه، في شكوى وصلت لـ”صدى الشام”، مشيراً إلى أن “تكلفة الطالب الواحد في المدارس العامة التي يقال بأنها مجانية تصل إلى أكثر من 13 ألف ليرة، بالنسبة للمراحل التعليمية الأساسية، في حين أن الطالب الثانوي ترتفع فاتورته أكثر لتتراوح ما بين 20 إلى 30 ألف ليرة كأقل تقدير”، لافتاً إلى أن “هذه المبالغ تنفقها الأسرة على عدة أمور منها ثمن الملابس الخاصة بالمدرسة، وثمن للقرطاسية، طبعاً عدا عن ثمن الكتب التي باتت تكلف كثيرا. وإذا تحدثنا عن المرحلة التعليمية الأولى والأساسية وهي الروضة، فإن قسط الروضات يبدأ من 60 ألف ليرة وهي تابعة “للجمعيات الخيرية” يعني أنها للفقراء!! لتصل إلى 200 ألف ليرة وربما أكثر في مدينة دمشق، فهل يعقل أن يدفع الفقير المهجر المدمر مبلغاً قدره 60 ألف ليرة كقسط للروضة لكي يعلم ابنه الأحرف الأبجدية فقط؟! وهل يملك المهجر هذا المبلغ؟”.
في الحديث عن تكاليف التعليم، أشارت بيانات المكتب المركزي للإحصاء خلال عام 2013، أن تكاليف التعليم والصحة ارتفعت بمعدل 74%، و61%، على التوالي. وبالرغم من عبء ارتفاع الأسعار على مختلف شرائح المجتمع السوري إلا أن الفقراء تحملوا الحصة الأكبر منه، فلجأت نسبة كبيرة من الآباء إلى إرسال أولادهم إلى العمل في أي مجال ومنعهم من الالتحاق بالمدارس لتأمين تكاليف المعيشة سواء داخل سورية أو في دول الجوار.
أسعار المستلزمات المدرسية ترتفع بنسبة 30%
شهدت أسعار المستلزمات المدرسية ارتفاعا قدره 30% خلال العام الحالي مقارنة مع الماضي، فسعر الدفتر 100 ورقة تراوح ما بين 150 إلى 200 ليرة، وسعر قلم الحبر تراوح ما بين 100 إلى 150 ليرة، وسعر الحقيبة المدرسية تراوح ما بين 3 آلاف إلى 6 آلاف ليرة، وتراوح سعر قلم الرصاص بين 50 و70 ليرة والممحاة والمبراة بين 50 و100 ليرة، كما ارتفعت أسعار علب الألوان بشكل لافت وخاصة ذات النوع المستورد، وتراوح سعر العلبة المكونة من 12 قلماً بين 250 و550 ليرة، ويصل سعر بعض النوعيات إلى 1300 ليرة.
التعليم الخاص بأسعار خيالية
وفي سبر للواقع، تبين أن تكلفة تعليم الطفل، تصل إلى نحو 80 ألف ليرة كحد أدنى في الروضات التابعة للجمعيات التعاونية والخيرية، في حين تصل إلى أكثر من 100 ألف ليرة في الروضات الخاصة، من الدرجة الثانية، وتصل إلى 200 ألف ليرة في الروضات “5 نجوم”. وتتوزع هذه النفقات ما بين أجور مواصلات، إلى القسط، فأجور إكساء الطالب. أما المدارس الخاصة، فتتراوح تكلفة التعليم فيها ما بين 150 ألف ليرة، بالنسبة للمراحل التعليم الأساسي الابتدائي، لتصل إلى 300 ألف ليرة، ولترتفع الفاتورة إلى نحو نصف مليون ليرة بالنسبة للتعليم الثانوي.
تصل تكلفة تعليم الطفل إلى نحو 80 ألف ليرة كحد أدنى في الروضات التابعة للجمعيات التعاونية والخيرية، في حين تصل إلى أكثر من 100 ألف ليرة في الروضات الخاصة، من الدرجة الثانية، وتتجاوز 200 ألف ليرة في الروضات “5 نجوم”.
تكلفة إكساء الطالب في سوريا تختلف باختلاف المرحلة التعليمية، فهي تكلف نحو 10 آلاف ليرة لطالب الروضة، في حين تصل إلى 20 ألف ليرة لطلاب التعليم الأساسي وتصل إلى 60 ألفا للتعليم الثانوي، أي راتب شهرين للموظف، وتشمل اللباس المدرسي والقرطاسية والحقيبة المدرسية وسعر الكتب الذي يصل إلى نحو 12 ألف ليرة في المدارس العامة. وطبعا تزامن ذلك مع عيد الأضحى وموسم المونة التي زادت من الأعباء الاقتصادية على الأسر.
متاجرة بالكتب
وصلت المتاجرة في سوريا إلى الكتب التعليمية، فكتب المرحلة الثانوية تباع بأسعار أعلى من المدون عليها. إحدى الشكاوى التي وردت لـ”صدى الشام”، بينت أن أحد الطلاب اشترى كتاب اللغة الإنكليزية للثالث الثانوي، بـ700 ليرة، في حين أن السعر المدون على الكتاب هو 90 ليرة فقط! وكتاب الجغرافيا مدون عليه 250 ليرة ولكن الطالب اشتراه بـ1200 ليرة.
مقايضة وإعارة وصيانة
اتبعت العديد من الأسر السورية أسلوب المقايضة والمبادلة والإعارة فيما بينها وخاصة بين الأقرباء. أما بالنسبة للألبسة المدرسية والحقائب فقد اعتمدت على إصلاح القديم، ، كما اعتمدت الأسر على المساعدات التي يتم توزيعها من الجهات الخيرية، بالإضافة إلى المنظمات الدولية، وقد أعلنت اليونيسيف مؤخراً، أنها ستوزع الحقائب المدرسية مع القرطاسية لنحو مليون تلميذ في سورية، وبشكل مجاني.