الهدنة في سورية بطريقها للانهيار.. لهذه الأسباب تفشل روسيا وأمريكا دائماً في إنجاح وقف إطلاق النار
يسير الاتفاق الأمريكي – الروسي لوقف إطلاق النار في سورية إلى الانهيار الكامل، ليسجل البلدان فشلاً جديداً بعد عجزهما عن إنجاح "التهدئة" في سورية التي تشير الوقائع إلى تحمل نظام بشار الأسد وروسيا مسؤولية فشلها.
لماذا يفشل الطرفان؟
وتحول الملف السوري إلى ساحة صراع واضح بين موسكو وواشنطن، وبيدو من خلال الاتفاقات السابقة التي توصل إليها الطرفان حول "التهدئة" في سورية، أنهما يدوران في نفس الدائرة، ما يؤدي بالنهاية إلى ذات النتائج الفاشلة، والعودة إلى مزيد من التصعيد، والسماح للأسد بمواصلة حربه الشرسة ضد معارضيه المدنيين والعسكريين.
وبالنظر إلى وقف إطلاق النار الذي اتفق عليه الروس والأمريكان في فبراير/ شباط الماضي، والنقاشات التي جرت في يوليو/ تموز الماضي، والاتفاق الحالي الذي توصل إليه الطرفان يوم 9 سبتمبر/ أيلول الجاري، فيبدو واضحاً أنهما لم يأتيا بجديد من حيث بنود الاتفاق، لا سيما فما يتعلق بنظام الأسد، وهو ما يفسر سبب الانهيار الحالي في الهدنة.
ما الجديد؟
وبمقارنة لأهم بنود الاتفاقات السابقة والاتفاق الحالي فإن المعضلة الكبرى والأسباب الأبرز في فشل الاتفاق المتكرر ما زالت حاضرة، وهي:
طبيعة وقف إطلاق النار: نصت جميع الاتفاقات بين روسيا وأمريكا على وقف لإطلاق النار، وطلبا بموجبه من الأطراف السورية وقف المواجهات وعمليات القصف والغارات الجوية من قبل النظام مع منحه استثناءات في ذلك، وتعهد الطرفان دائماً في ممارسة ضغوطهما على "حلفائهما" لإنجاح "التهدئة".
ولم يتفق الطرفان على أليات جدية من شأنها إنجاح هذا البند، واكتفا بدعوة المعارضة والنظام إلى الإبلاغ عن أي انتهاكات، والدعوة مع كل خرق إلى احترام وقف إطلاق النار، ما جعله هشاً.
غياب الردع: وخلت جميع الاتفاقات الروسية الأمريكية من بنود تنص على ردع قوات نظام بشار الأسد، أو روسيا، في حال خرقهما لوقف الأعمال العدائية، ما تسبب في النهاية بانتهاكات متكررة دون حساب، وبالنهاية انهيار الاتفاق والعودة إلى تصعيد عسكري جديد.
ولم ينص اتفاق فبراير/ شباط الماضي، ومناقشات يوليو/ تموز الماضي، واتفاق سبتمبر/ أيلول الجاري على أنه في حال انتهك النظام أو الميليشيات المساندة له لأي بند من الاتفاق سيترتب عليه إجراءات عقابية، ما أغراه في انتهاز الفرص والإجهاز على وقف إطلاق النار، ومواصلة ارتكاب المجازر، ما يدفع المعارضة السورية إلى الدفاع عن نفسها والمدنيين الموجودين بمناطقها، لتنهار الهدنة في النهاية.
مصير الأسد: شهد الموقف الأمريكي تراجعاً ملحوظاً حول هذا البند، ويقول محللون إن واشنطن رضخت لرغبات موسكو وضغوطها في إزالة أي بند يتحدث عن مصير رأس النظام في سورية، وهو شكل سبباً أساسياً لرفض وتشكيك المعارضة السورية والأطراف الداعمة في الاتفاقات الروسية الأمريكية، لتجاهل الأخيرين مطالبها في ألا يكون للأسد دور في مستقبل البلاد.
استثناء الفصائل: وكرر الطرفان الروسي والأميركي في جميع الاتفاقات نيتهما مواصلة قصف جبهة "فتح الشام" (جبهة النصرة سابقاً قبل فك ارتباطها بتنظيم القاعدة)، ودعوة بقية فصائل المعارضة إلى تطبيق هذا البند والمواقفة على قصف الجبهة، وهو ما قوبل برفض قاطع من أكبر فصائل المعارضة التي أصدرت الأسبوع الماضي بياناً رفضت فيه استثناء الجبهة من القصف.
ويضع هذا البند المعارضة في مأزق كبير، إذ لا تسيطر "فتح الشام" على مناطق في سورية لوحدها، بل تتقاسمها مع فصائل أخرى من المعارضة السورية، وبحسب نصوص الاتفاقات الروسية الأمريكية واستثناء الجبهة، هذا فإن هذه الفصائل ستكون عرضة للاستهداف الروسي بحجة وجودها في أماكن الجبهة، كما يسهل على روسيا والنظام استهداف هذه الفصائل إما بحجة وجودها ضمن مناطق الجبهة أو لاتصالها معها.
وفي ذات الوقت استثنت جميع الاتفاقات الروسية الأمريكية الحديث عن مواصلة ضرب الميليشيات الطائفية الأجنبية التي تقاتل بجانب الأسد، ما خلق شكوكاً كبيرة في نوايا الاتفاقات، أضعفت من فرص نجاحه.
وفي اتفاق فبراير/ شباط نص أحد البنود ليس على استهداف "فتح الشام" فقط، بل جميع "الجهات الإرهابية" التي يحددها مجلس الأمن، وهي ثغرة اعتبرتها المعارضة مدخلاً لاستهداف بقية الفصائل الكبرى كـ "أحرار الشام"، و"جيش الإسلام".
ولم يخلو اتفاق سبتمبر/ أيلول ومشاورات يوليو/ تموز من ذات البند أيضاً.
إدخال المساعدات: لم يرى هذا البند نجاحاً مطلقاً في جميع الاتفاقات الروسية الأمريكية، ويبدو أنه تعرض لأكبر انتهاك له أمس الإثنين 19 سبتمبر/ أيلول 2016، عندما قصفت طائرات تابعة لقوات نظام بشار الأسد قافلة مساعدات أممية فأحرقت ما لا يقل عن 13 شاحنة كانت في طريقها للمناطق المحاصرة، بالإضافة لمقتل عدد من كوادر الإغاثة.
ودائماً ما اتفق الروس والأمريكيان على أن إدخال المساعدات شرطاً أساسياً لإنجاح وقف اتفاق إطلاق النار، لكن غياب ردع النظام في عرقلته لتنفيذ ذلك، ومساندة روسيا له، ساهما دائماً في عدم تحقيقه.
واليوم الثلاثاء، أعلنت الأمم المتحدة أنها علقت جميع المساعدات المرسلة إلى سورية بعد استهداف القافلة، ما يعد مؤشراً جديداً على سير الاتفاق الأمريكي الروسي نحو الانهيار، وتسجيل فشل جديد لهما في قدرتهما على تنفيذ ما اتفقا عليه.
وتنظر المعارضة السورية إلى أن ذكر بنود عن المساعدات الإنسانية في الاتفاقات الروسية الأمريكية، ما هو إلا "حيلة" لدفع المعارضة إلى القبول باتفاق موسكو وواشنطن، واكتسابه شرعية دولية بحجة رفع المعاناة عن المدنيين المحاصرين.
التنسيق المشترك: شهد هذا البند تطوراً طفيفاً بين اتفاق فبراير/ شباط الماضي، واتفاق سبتمبر/ أيلول الجاري، ونص الاتفاق الأول على أن أمريكا وروسيا ستنشئان "خط اتصالات ساخن" لتعزيز وتنسيق وقف الأعمال العدائية في سورية.
في حين أنه في اتفاق سبتمبر/ أيلول اتفق الطرفان على تشكيل "خلية مشتركة" لتنسيق الأعمال بينهما على رأسها استهداف جبهة "فتح الشام"، وتنظيم "الدولة الإسلامية". لكن ما حصل أن غياب الثقة بين الطرفين رغم اتفاقهما لم يكتب لهذا التنسيق النجاح، ما عاد بتوتر جديد على العلاقات بينهما انعكس سلباً على اتفاق وقف إطلاق النار.
وتسبب موافقة وزير الخارجية جون كيري على التنسيق مع موسكو في سورية بحسب اتفاق سبتمبر/ أيلول بغضب كبير في وزارة الدفاع الأمريكية، التي تنظر إلى موسكو بعين الشك، وترفض التنسيق معها في سورية، وتخشى من استفادتها من طرق الولايات المتحدة بتوظيف معلوماتها الاستخباراتية في تنفيذ الضربات، وفقاً لما ذكرته صحيفة "نيويورك تايمز" 13 سبتمبر/ أيلول الجاري.
ويشير محللون ومراقبون لاتفاق وقف إطلاق النار الحالي، إلى أنه انتهى ميدانياً، وبقي إعلان رسمي من موسكو وواشنطن بفشله، ليبقى التساؤول مفتوحاً لإدارة البلدين، هل يسعيان حقاً لإنهاء أزمة الملف السوري؟