‘حافظ البرغوثي يكتب: الأزمة السورية وتساؤلات في المشهد العربي’

20 سبتمبر، 2016

حافظ البرغوثي

صباح اليوم، يعقد في نيويورك مؤتمر أصدقاء سوريا لبحث المستقبل السياسي للرئيس السوري، ومرحلة الانتقال السياسي وصولاً إلى توافق دولي يسمح للمبعوث الدولي دي ميستورا بالدعوة لمؤتمر في جنيف حول مستقبل سوريا، لكن الخلافات الميدانية بين روسيا والولايات المتحدة حول ما سمّي باتفاق لوقف إطلاق النار، وإدخال المساعدات إلى حلب المحاصرة ربما سينسف الاجتماع في نيويورك.
فالروس يرونه اتفاقاً، والأمريكان يرونه عملاً مشتركاً، وترفض الإدارة الأمريكية نشر بنوده لأسباب كثيرة، أهمها أنها لا تريده اتفاقاً، بل مجرد تفاهمات ميدانية مع روسيا، وأنها ترفض تشكيل غرفة عمليات مشتركة مع الروس بحجة الإبقاء على أسرارها العسكرية في سوريا طيّ الكتمان، كما أن واشنطن ترفض انضمام الجيش السوري في الحرب ضد المعارضة غير المعتدلة، وتريد أن يبقى طيران النظام بعيداً وقواته بعيدة عن طريق الكاستيلو، ولا تتدخل في القوافل العابرة. بينما يريد الروس أن يبقى جيش النظام في معاركه وطيرانه كذلك، ولكن بعيداً عن الأهداف التي سيقصفها الروس والأمريكيون معاً.
يضاف إلى ذلك وجود تباين في توصيف الجماعات الإرهابية. فالولايات المتحدة تعتبر «النصرة»، و«داعش» فقط، تنظيمين إرهابيين، فيما أن موسكو ترى في «جيش الإسلام» و«أحرار الشام» جماعات إرهابية. هذا التباين سينعكس سلباً على العمليات العسكرية المشتركة، فالروس لن يتورعوا عن قصف هذه الجماعات، بينما واشنطن تعتبرهم حلفاء، ولهذا رفضت وزارة الدفاع الأمريكية الغرفة المشتركة لأن الروس طلبوا معلومات وخرائط عن مواقع ومعدات وعناصر هذه الجماعات، وتخشى واشنطن أن يعمد الروس إلى قصفها.
الشكوك المتبادلة بين الطرفين قد تؤدي إلى اشتعال الجبهات، خاصة في حلب مبكراً، وقد اضطر الأمريكيون إلى تنسيق عملياتهم مع الأتراك لحماية الأكراد في سوريا، وحتى لا يفلت الزمام بحيث تعود تركيا للحديث عن منطقة آمنة في الشمال السوري وهو ما يرفضه الروس أيضاً، مع العلم بأن التنسيق بين الروس والأتراك بات واضحاً أيضاً.
فالمشهد الآن يبدو كمحاولة من كل طرف إقامة مناطق نفوذ للهيمنة عليها، حتى إذا التأم مؤتمر جنيف تحدث كل طرف من موقع المسيطر على جزء من الكعكة الدموية السورية النازفة.لكن الضجيج بين القطبين الرئيسيين في الملعب السوري يوشك أن يخف، لأن الإدارة الأمريكية لن تكون في موقع القادر على اتخاذ قرارات حاسمة على مبعدة من شهر ونيف من الانتخابات الرئاسية، فيما الدب الروسي يزحف بنشاط، والمحيط العربي مكبل بمشكلاته الداخلية، ولم يعد مؤثراً في الملعب السوري، كما فقد تركيا التي ارتبطت بسرعة وبقوة مع إيران وروسيا. فالروس لهم مصالح بينية مع تركيا أكثر من التي مع العرب حالياً. ولنا أن نسأل لماذا سارعت موسكو إلى السماح بالسياحة الروسية في تركيا، مع أن الوضع المصري اكثر أمناً من التركي، ولم يتعرض مطار القاهرة لما تعرض له مطار إسطنبول؟ ولماذا أوقفت موسكو استيراد الخضار والفاكهة من مصر، وبدأت الاستيراد من تركيا؟
حتى الآن، لم ينجح العرب في حلحلة أزماتهم الداخلية، أو البينية للخروج من المسلخ القائم بأقل الخسائر، أو الاكتفاء بالخسائر الكبيرة التي منيوا بها.
وهناك في الكونغرس الأمريكي صدر«قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب» الذي يستهدف السعودية للحصول على تعويضات لضحايا هجمات 11 سبتمبر، وبموجبه ستعامل واشنطن الدول العربية كما تعامل «إسرائيل» الفلسطينيين، إذ إنها تقتطع من مستحقاتهم الضريبية كل مبلغ تطالب به شركة، أو فرد «إسرائيلي»، أو متضرر من الأعمال الحربية العدوانية للاحتلال في الضفة الغربية، وبالتالي تصبح الودائع والاستثمارات العربية عرضة للمصادرة لتعويض ضحايا هجمات 11 سبتمبر الغامضة.
هناك سابقة قضائية أمريكية يمكن الرجوع إليها، حيث أبطلت محكمة فيدرالية حكماً سابقاً بتعويض عائلات مستوطنين «إسرائيليين» من مزدوجي الجنسية الأمريكية – «الإسرائيلية» قتلا في الضفة الغربية إبان الانتفاضة، وغرمت محكمة أمريكية السلطة 650 مليون دولار ثم ألغته محكمة أخرى، وهذه السابقة يمكن اللجوء إليها في حالة تطبيق القانون الأمريكي الجديد. إذ كيف يمكن مساءلة دولة عن أعمال ارتكبها رعايا لها في بلاد أخرى من دون علمها؟ وهل الدول العربية تخضع للاحتلال الأمريكي حتى يسري عليها القضاء الأمريكي؟ ولماذا لم نسأل الإدارات الأمريكية المتعاقبة عن المجازر المتلاحقة التي ارتكبتها في الدول العربية في البلاد العربية ؟ ولماذا لا تتم مساءلة القضاء الأمريكي عن جرائم مستوطنين يحملون الجنسية الأمريكية في الأراضي الفلسطينية المحتلة؟
لماذا نكون في موضع اتهام كضحايا ومتهمين معاً؟ سؤال وصل إلى النظام العربي المتبقي، فهو الذي يجب أن يرد لأن المساءلة الأمريكية وصلته فلا هو صامد ولا حليف.

المصدر: الخليج

حافظ البرغوثي يكتب: الأزمة السورية وتساؤلات في المشهد العربي على ميكروسيريا.
ميكروسيريا –

أخبار سوريا ميكرو سيريا