‘مثقفون سوريون: سوريا المحطمة رمز لعالم اليوم’
20 أيلول (سبتمبر - شتنبر)، 2016
خرج مثقفون سوريون ببيان شديد اللهجة أدانوا فيه ب”أقسى العبارات”، مقاربة روسيا والولايات المتحدة للشأن السوري، مشيرين الى أن هذه المقاربة تدل “على انعدام تام للحس الأخلاقي، وحس العدالة”، و”انحطاط المهنة السياسية، وتدني مستوى سياسيي دولتين هما الأقوى في عالم اليوم”.
وجاء في البيان: “نحن كتابٌ، وفنانون، وصحفيون سوريون، ديمقراطيون وعلمانيون، معارضون لنظام الطغيان الأسدي طوال سنوات أو عقود، ومشاركون في النضال من أجل الديمقراطية والعدالة في بلدنا، وفي إقليمنا والعالم، نود أن نعبر عن إدانتنا بأقسى العبارات لمقاربة القوتين المتدخلتين في سورية، الولايات المتحدة وروسيا، لشأننا السوري، وعملهما منذ عام 2013 على الأقل، على إلحاق كفاح السوريين التحرري بـ”حرب ضد الإرهاب” ليس في سجلها قصة نجاح واحدة، لكن في السجل قصة تحطيم عدد من البلدان”.
ووقع على البيان 150 كاتبا وصحفيا، ومفكرا، وفنانا سوريا، بينهم عدد من كبار المثقفين السوريين، أبرزهم: أحمد برقاوي، برهان غليون، صادق جلال العظم، صبحي حديدي، ياسين الحاج صالح، وسواهم.
وأشار المثقفون السوريون في بيانهم الذي صدر الخميس، إلى أنه “قبل ثلاث سنوات وقعت الدولتان الإمبرياليتان الصفقة الكيماوية المشينة التي حلت مشكلات للولايات المتحدة وإسرائيل وروسيا، وللدولة الأسدية التي كانت قتلت لتوّها 1466 من محكوميها”، مضيفين: “لم يُعالج الاتّفاق أي مشكلة تخص الشعب السوري، بل أطلقت يد طغمة بالغة الإجرام تقتل السوريين وتدمر بلداتهم، وأحيائهم وتهجرهم”، معتبرين أن الاتفاق كان “هدية لا تقدر بثمن للمنظمات العدمية الإسلامية، مثل داعش وجبهة النصرة”.
من البيان: “يتفق الروس والأميركيون على تجميد الوضع الحالي كي تستأنف القوتان الحربيتان حرباً لا تنتهي ضد “الإرهاب”. هذا، مع إغفال مصير عدد غير محدود من المعتقلين في شروط وحشية، ومن دون دعوة إلى فك الحصار عن المناطق المحاصرة”
ولفت الموقعون على البيان الى أنه وبعد ثلاث سنوات من تلك الصفقة التي وصفوها بـ “الخسيسة”، ومقتل نحو نصف مليون من السوريين “يتفق الروس والأميركيون على تجميد الوضع الحالي كي تستأنف القوتان الحربيتان حرباً لا تنتهي ضد الإرهاب. هذا، مع إغفال مصير عدد غير محدود من المعتقلين في شروط وحشية، ومن دون دعوة إلى فك الحصار عن المناطق المحاصرة، ودون ذكر ميليشيا حزب الله وميليشيات طائفية أخرى تحارب إلى جانب الأسديين، ولا ربط ذلك بتصور سورية جديدة ديمقراطية. بل من دون استبعاد مشاركة طائرات بشار الأسد في قصف مناطق سيُتّفق عليها بين الروس والأميركيين لاحقاً”.
وأشار البيان الى أن “هذا كله لا يدل فقط على انعدام تام للحس الأخلاقي وحس العدالة لدى الفريقين الأميركي والروسي، وإنّما يفضح أيضاً انحطاط المهنة السياسية وتدني مستوى سياسيي دولتين هما الأقوى في عالم اليوم”. وأكد المثقفون السوريون انهم يشعرون بـ “غضب شديد إزاء هذه الترتيبات وأصحابها”، كما أكدوا رفضها “جملة وتفصيلاً”، مضيفين: “ويزيدنا غضباً ورفضا تواطؤ الأمم المتحدة التي تكشّف مؤخراً أنها كانت تمول طغمة الإجرام الأسدي طوال سنوات حربها ضد السوريين”.
من البيان: “يسير عالم اليوم نحو تبلّد أخلاقي غير مسبوق، ترتفع فيه مستويات الخوف والكراهية، وترتفع معها أسهم السياسيين الذي يستثمرون في الخوف والكراهية والانعزال”
وأشار المثقفون السوريون من كتّابٍ وفنانين وصحفيين إلى أنهم يرون عالم اليوم كله “يسير نحو تبلّد أخلاقي غير مسبوق، ترتفع فيه مستويات الخوف والكراهية، وترتفع معها أسهم السياسيين الذي يستثمرون في الخوف والكراهية والانعزال”، مشيرين إلى أنهم يرون أيضا أنّ الديمقراطية “في تراجع في العالم كلّه، وأن المراقبة والتقييد والخوف في انتشار وصعود”.
وذهب المثقفون السوريون الى القول إن “سورية المحطمة رمز لعالم اليوم”، مضيفين: “لقد تحطّمت ثورة السوريين على الجدار الصلب للنظام الدولي، وليس على جدار الفاشية الأسدية وحدها. وهذا النظام الدولي الذي يوفر لسياسيين من أمثال أوباما وبوتين ووكلائهما وأشباههما من معدومي الإنسانية، أن يتخذوا قرارات تنتهك حقّنا في تقرير مصيرنا، أفراداً وجماعاتٍ ووطناً، من دون أن ننتخبهم أو تتوفر لنا أيّ آليّةٍ لمساءلتهم، هو نظام غير ديمقراطي، معادٍ بشراسةٍ للديموقراطيّة، ويجب أن يتغير”. وعبروا عن أسفهم لأن خطورة هذا الواقع “لا يبدو أنها موضع إدراك كافِ”، مضيفين: “يفضل كثيرون، في الغرب بخاصة، الاختباء وراء نظريات قدرية تحيل إلى الدين أو الثقافة أو… إلى التغيرات المناخية. لكن هذا يجعل السيئ أسوأ، ويحجب المسؤوليات السياسية لنخب السلطة النافذة، بما فيها طغمة بشار الأسد بالذات”.
وأعرب المثقفون السوريون عن قناعتهم بأنه “يجب أن يتغير هذا العالم الذي سمح بتحطم أحد أعرق مهود الحضارة طوال خمس سنوات ونصف”. وختموا بيانهم بالقول: إنّ العالم اليوم قضية سورية كما أنّ سورية قضية عالمية. ومن أجل العالم، من أجلنا جميعاً، ندعو إلى إدانة هؤلاء السياسيين، والتشهير بهم كقتلة عدميين وإرهابيين مثل خصومهم من العدميين الإسلاميين”.
يعد هذا البيان الأقوى من نوعه الذي يصدر عن المثقفين السوريين طيلة سنوات الثورة، وكان قد ترجم إلى عدة لغات، ووقع عليه مثقفون من مختلف مكونات الشعب السوري.
وجاء البيان بعد اتضاح معالم مشروع تقسيمي تفتيتي لسوريا من قبل نظام الأسد وحليفيه روسيا وإيران، وسط تراخ يثير شكوكا من قبل إدارة الرئيس الأمريكي أوباما، التي تكتفي بإدارة “الأزمة” دون العمل لإيجاد حل سياسي يضع حدا لمعاناة السوريين الذين يتعرضون لحرب إبادة وتهجير معلنة، حيث ترك ملايين السوريين بلادهم نجاة بأرواحهم، وبحثا عن أفق حياة جديد في المنافي، بعد أن تُركوا لوحدهم أمام آلة قتل لم تهدأ منذ منتصف آذار من عام 2011، حيث بدأت ثورة سلمية تدعو إلى التغيير في سوريا، وإنهاء عقود من الاستبداد، واجهها النظام بالحديد والنار.
وغُيب المثقفون السوريون من قبل كل الأطراف عما يجري في بلادهم، حيث كانوا – ولا يزالون- هدفا مباشراً، خاصة من قبل أجهزة النظام الأمنية التي قتلت تحت التعذيب عددا غير معروف من السوريين، بينهم الكثير من المثقفين السوريين الذين نهضوا بالثورة منذ أيامها الاولى.
وبدأ مثقفو سوريا بمغادرة البلاد بعد أشهر من انطلاق الثورة إثر اشتداد الطلب عليهم من قبل الأجهزة الأمنية للنظام من أجل تحييدهم عن الحراك الثوري، ودفع الثوار السوريين إلى حمل السلاح بعد أن أوغل النظام في الحل الأمني والعسكري، وشرع في ارتكاب المجازر مستخدما سلاح الطيران، والأسلحة الثقيلة. كما سهّل النظام الطريق أمام ظهور تنظيمات متطرفة من أجل حرف الثورة عن مسارها، وتصدير ما يجري في البلاد على أنه حرب ضد الإرهاب، مستفيدا من “تبلّد أخلاقي غير مسبوق” يجتاح العالم بأسره.