علي العبد الله يكتب: الجولاني يُحلّق بعيداً


علي العبد الله

يستنتج المستمع الى حديث ابي محمد الجولاني، قائد جبهة فتح الشام، في مقابلته مع قناة الجزيرة القطرية(17/9/2016) أن تصوره للصراع في سوريا وعليها قائم على ثلاثة منطلقات:

  1. وجود مؤامرة دولية على أهل السنّة.

  2. ضرورة اندماج الفصائل لمواجهة هذا التحدي.

  3. استمرار “الجهاد” حتى يسقط النظام.

أعتبر الجولاني الاتفاق الاميركي الروسي الأخير تجسيدا لتفاهم بين الجانبين بدأ مع انطلاق الثورة، فالدولتان متواطئتان مع النظام منذ البداية، والأمم المتحدة شريكة في ذلك، وقد حدّد إيقاع الخطة بـ: دي ميستورا اتفق مع النظام على محاصرة حلب، كي يستطيع التحرك ويطرح مبادرة وينجز حلا سياسيا، كان الإبراهيمي قبله قد رعى تهجير المواطنين وتسليم المدن للنظام، والاتفاق الاميركي الروسي مدخل هذا التحرك، تنفيذ الاتفاق يقود الى دفع المعارضة الى الاستسلام. وهدف الخطة ضرب السنّة في الشام والحاق الشام بالمشروع الرافضي(وصف رافضة أطلقه الإمام زيد بن الحسين على الشيعة الذين رفضوا النهوض معه ضد الدولة العباسية قبل أن يتحول خلال الصراع السياسي بين السنّة والشيعة الى وصف للشيعة لكن بمضمون مغاير: الخروج على إجماع المسلمين برفض إمامة الشيخين أبو بكر وعمر)، أشار في السياق الى تسليم أميركا العراق لإيران، ورأى ان مصير أهل السنّة في العالم مرتبط بقدرة أهل السنّة في الشام على الصمود في وجه المخطط ونجاحهم في التصدي له، فـ “إذا نجح المشروع الرافضي في سوريا سينتقل الى الجزيرة العربية”.

وهذا(التصدي) يستدعي تحقيق المنطلق الثاني للتصور: “اندماج الفصائل”، الذي رأى فيه مطلبا شرعيا، من الشرع، بدافع شرعي: حماية الشريعة، وتحقيقا للفطرة السليمة، فالاندماج والتوحّد ميل فطري، مبرزا وجود طاقة كبيرة لدى أهل السنّة لكنها تحتاج الى التنظيم والجمع في بوتقة واحدة، “فأهل السنّة – الآن- في حالة ضياع ودفاع عن البقاء”، و “يجب أن يكون لهم شخصية قوية موحدة وان لا تكون تابعة للخارج”. وهدف الدمج مواصلة “الجهاد” حتى اسقاط النظام، و “قوى “الجهاد” السني قادرة على حل كل المشكلات العسكرية”.

يعكس تصور الجولاني وإجاباته على أسئلة “الجزيرة” تكرارا لرؤية أسسها منظرو السلفية قائمة على “العالم ضدنا، ويتآمر علينا”، تبريرا لمقولة دار إسلام ودار حرب، التي طُرحت تجسيدا لثنائية الولاء والبراء، لخصها قوله:”الكل يدور في فلك واحد”، يذكرنا قوله بفسطاطي ابن لادن (من طرائف ما قاله “إن هدف إشراف الأمم المتحدة على طريق الكاستيلو هو تمكين النظام من احكام السيطرة على طريق الراموسة”، و”إن إدخال الإغاثة إذلال لاهل حلب، فقضية أهل الشام ثورة ومبادئ وإسلام وحفاظ على أهل السنّة وليست قضية حليب للأطفال، لا يمكن لأهل حلب أن ينذلوا لبعض المواد الغذائية ويتغافلوا عن سيل الدماء والمجازر التي يقوم بها النظام وروسيا والميليشيات الشيعية، واستشهد بشعارات الثورة الأولى “الموت ولا المذلة”)، والدعوة الى توحّد أهل السنّة في مواجهة المؤامرة. فالاتفاق الأميركي الروسي عسكري أمني يفضي الى استسلام المعارضة، واستثناء “جبهة فتح الشام” من الهدنة، واستهدافها لأنها عائق أمام استسلام أهل الشام، وأعتبر موقف المعارضة من الاتفاق مشرفا “ردا على قضم الفصائل حتى يستسلم الجميع”، و “إنها قادرة على حل كل المشكلات العسكرية”.

تعكس أجوبة الجولاني خلل النظرة السلفية الى العالم والى القواعد الناظمة والحاكمة للسياسة الدولية وإدارة الصراعات الدولية والإقليمية، إنها أسيرة خلفياتها ومنطلقاتها من جهة وأسيرة اعتقادها بضرورة الثبات على مواقفها، لان أي تغيير يثير سحب الشك حول صحة المنطلقات، من جهة ثانية، مع ضحالة ذاتية برزت في ثنايا حديثه واستطراداته غير المتماسكة مثل قوله:” الميليشيات الرافضية والشيعية والإيرانية والعراقية واللبنانية”، وقوله:”قضية أهل الشام ثورة ومبادئ ودين وإسلام وحفاظ على أهل السنّة”، وقوله:”سنتان حتى استطاع النظام محاصرة حلب، كسرنا الحصار في أربعة أيام”.

يبقى أن أخطر ما في حديثه ذلك التوجه المذهبي وسعيه الواضح الى تحويل الصراع الى صراع سنّي شيعي، ودعوته الى خوض الصراع على هذا الأساس، وتحديده أهدافا للصراع (حماية الشريعة وصوّن أهل السنّة)، تختلف عن أهداف الثورة السورية في الحرية والكرامة. وقد زاد الطين بلة معارض استضافته “الجزيرة” للتعليق على الحديث حيث لم يكتف بتبجيل الجولاني بإطلاق وصف “الشيخ” عليه(وصف نشأ في الاجتماع الإسلامي توظيفا لسلطة الدين في خدمة السلطان عبر سلك الفقهاء والمفتين، دور على الضد من توجهات الإسلام التي لا تقول بوجود رجال دين أو مشايخ وإنما علماء دين سماهم القرآن الكريم “أهل الذكر” مهمتهم الوحيدة مساعدة عامة المسلمين على فهم تعاليم الإسلام) بل وبتبرير الخطاب الطائفي حيث اعتبره ردا على طائفية معتدية.

لايمكن أن يكون تصور الجولاني أرضية صالحة لسوريا المستقبل، التي انطلقت الثورة وضحى الشعب بالغالي والنفيس من اجل قيامها، دولة لكل مواطنيها تقوم على عقد اجتماعي يضمن المشاركة في صياغة القرارات والعدل والمساواة في الحقوق والواجبات، والحريات العامة والخاصة.

المصدر: المدن

علي العبد الله يكتب: الجولاني يُحلّق بعيداً على ميكروسيريا.
ميكروسيريا -

أخبار سوريا ميكرو سيريا