اليمين المتطرف يصعد..هل يدفع اللاجئون ثمن تفشي "الإسلاموفوبيا" في أوروبا؟


رغداء زيدان ـ خاص السورية نت

يلفت صعود نجم الأحزاب اليمينية المتطرفة على الساحة السياسية في أوروبا مقابل انحسار للأحزاب السياسية المعتدلة نظر الباحثين والمحللين السياسيين. حيث استغلت القوى السياسية اليمنية المتطرفة هناك قضية اللاجئين الذين تدفقوا بأعداد كبيرة إلى القارة العجوز لتضفي على نفسها المصداقية لدى الشعوب الأوروبية.

ومن خلال تكرار الخطابات المتطرفة التي غذت الكراهية، وصعّدت من لوثة "الإسلاموفوبيا" التي تغذيها التخوفات على الهوية الثقافية والاجتماعية لأوروبا، أحرزت تلك الأحزاب مكاسب سياسية لم تكن لتحلم بها قبل الآن.

ما اليمين المتطرف؟

يميز باحثون بين "اليمين التقليدي" و"اليمين المتطرف"  اللذين يسعيان للحفاظ على التقاليد وحماية الأعراف داخل المجتمع الأوروبي، إلا أن "اليمين المتطرف" يدعو للتدخل القسري للدولة ولا يستبعد استخدام العنف للحفاظ على تلك التقاليد والأعراف.

فـ"اليمين المتطرف" متعصب دينياً وقومياً، ويعادي المسلمين خاصة والمهاجرين بشكل عام.

ومع تدفق اللاجئين وعمليات "تنظيم الدولة" الإرهابية، بالإضافة إلى العوامل الاقتصادية في القارة الأوروبية، كل هذا أسهم بشكل كبير في زيادة فرص اليمين المتطرف في الوصول للسلطة في معظم دول أوروبا.

ففي اليونان حقق حزب "الفجر الذهبي" إنجازاً في انتخابات 2015 البرلمانية بعد حصوله على نحو 7 بالمئة من الأصوات رغم أنه لم يتمكن خلال عقدين ماضيين بالفوز بأي مقعد بالبرلمان.

وفي هنغاريا، كان لحركة "يوبيك" المتطرفة، سيطرة كبيرة في الإعلام، وتلقت دعماً من تيار تحالف "فيديس" يمين الوسط، الذي يسيطر على مقاليد الحكم في البلاد.

وفي بولندا يتزعم "حزب الحقوق والعدالة" المتطرف الحياة السياسية، وفي يوليو/تموز الماضي صدر قرار يقضي بعدم استقبال اللاجئين في بولندا.

أما في ألمانيا التي استقبلت أعداداً كبيرة من اللاجئين فقد حقق حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني الشعبوي أفضل نتائجه في أحدث استطلاعات الرأي بحصوله على تأييد 16 بالمئة من الألمان في جميع أنحاء ألمانيا.

وفي فرنسا حصل "حزب الجبهة الفرنسي القومي" 27 بالمئة من الأصوات في انتخابات عام 2015، فيما تنوي رئيسته "مارين لوبان" المشاركة في الانتخابات المزمع عقدها في 2017.

أما "حزب الاستقلال البريطاني" فقد تمكن في 2014 من الحصول على أول مقعد له في البرلمان، وقد زادت شعبيته بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي حيث كان لأزمة اللاجئين الأثر الأكبر في دفع البريطانيين للتصويت لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي.

ولا يختلف الحال في السويد أو الدنمارك أو سويسرا عن باقي الدول الأوروبية، حيث تشير التوقعات إلى أن أحزاب اليمين المتطرف في سبيلها نحو تحقيق المزيد من المكاسب خلال الانتخابات في دول أوروبا سواء كانت انتخابات برلمانية أم رئاسية.

الإسلاموفوبيا والغرب

ظاهرة "الإسلاموفوبيا"، التي تعني باختصار الخوف المرضي من الإسلام، تعود بجذورها إلى التاريخ البعيد المليء بالعلاقات المضطربة بين الغرب و الإسلام، مما رسخ في الذهنية الغربية أن الإسلام خطر داهم محدق يهدد كل ما هو غربي.

ومع تدفق اللاجئين من البلاد العربية والإسلامية إلى أوروبا، وظهور "تنظيم الدولة" الذي راح ينفذ ضربات، ويهدد بأخرى هنا وهناك في أوروبا، تعاظمت ظاهرة "الإسلاموفوبيا"، وتبدت بدءاً من تزايد معدلات الاعتداء على اللاجئين أو تهديدهم وإبداء عدم الترحيب بهم، وصولاً إلى تشجيع الأحزاب اليمنية المتطرفة وزيادة شعبيتها.

ويؤكد الباحث "نبيل شبيب" في حديثه لـ"السورية نت" أن "التخوف المرضي من الإسلام يزداد انتشاره في هذه المرحلة، علماً بأن له أسباباً تاريخية قديمة ترتبط بتشويه الصورة، وتوجد أسباب حديثة نسبياً لا تخفى على أحد، بغض النظر عن تحليل حقيقتها والقوى التي تقف من وراء ما يطفو على السطح من أعمال إرهابية تنتحل عناوين إسلامية".

مضيفاً أن "الإعلام وبعض السياسيين يساهمون في تسليط الضوء على ما يجري دون الكشف عن جذوره، وفي مقدمتها الاستبداد المحلي والعدوان الخارجي بما يشمل دعم استمرار الاستبداد"

 ويرى الباحث شبيب "أن بعض الأحزاب التقليدية الرصينة في الدول الغربية أصبحت تخشى من أن تفقد أصوات الناخبين لصالح أحزاب يمينية، فلا تخلو ردود فعلها من خطأ جسيم محوره تبني جزئي لبعض ما يطرحه اليمين المتطرف مما يوصف بمحاولة سحب البساط من تحت أقدامه، ولكن النتائج عكسية غالباً".

من جهته يعتقد الباحث محمد شاويش في حديثه مع "السورية نت" أن "الإسلاموفوبيا موجودة ولها تاريخ طويل قبل أن يولد مؤسسو تنظيم الدولة الإسلامية. الذي جاء كأنما خصوصاً ليدعم هذا التوجه ضد الإسلام ويحول دون انحساره".

ويقول شاويش المقيم في ألمانيا إن "من الشائق للمؤرخ أن يرى كيف تحول التحريض في الغرب من تحريض ضد الإسلام الشيعي المتطرف عند وصول الخميني إلى السلطة عام 1979 ويومها كان الإسلام السني يُمدح بالاعتدال والآن انقلب الأمر".

ويؤكد شاويش أنه "لم يمر على أوروبا يوم لم يكن فيه اتجاهات معادية للعرب أو المسلمين وقد مر حين من الدهر كانت القومية العربية تشتم باللهجة التي تشتم بها الإسلامانية الآن".

مستقبل اللاجئين

وفيما يخص التأثير السلبي لصعود اليمين المتطرف على مستقبل سياسات التعامل مع اللاجئين في أوروبا يرى الباحث شبيب أن ذلك "ظاهر للعيان منذ الآن" بحسب رأيه. مستدركاً: "أنه لا يمكن الجزم حالياً بأن ذلك سيستمر في الاتجاه نفسه".

وبرأي الباحث فإن افتراضات "سياسية واقتصادية واسعة النطاق تترك أثرها في صياغة سياسات وممارسات للتعامل مع قضية اللجوء والتشريد تعاملاً إيجابياً. بعضها خطير وإن بدا وكأنه من نتاج ما يسمى فكر المؤامرة مثل تفريغ بعض البلدان مثل سورية من تجمعات سكانية تعطي حركة التغيير الثوري وقودها، وبعضها مصلحي محض"

ويتابع: "الضغوط المضادة لم تمنع من تعاظم تيار التشريد واللجوء، كذلك الضغوط على من أصبح داخل البلدان الغربية بدلاً من سياسات الاندماج والاحتواء يمكن أن يُوجد أخطاراً جديدة داخل المجتمعات والبلدان الغربية".

وبرأيه فإن "الأرجح على المدى القريب أن تكون الصعوبات كبيرة في وجه التعامل المنصف مع الكتلة البشرية الكبيرة ممن يوصفون باللاجئين، ولكن على المدى المتوسط والبعيد يمكن أن يصبح كثير منهم مصدر قوة اقتصادية للبلدان المضيفة، وهذا ما تحاول قوى سياسية غربية في بعض البلدان الأوروبية مثل ألمانيا التركيز عليه".

أما الباحث شاويش فيرى أن "المشاكل كثيرة. العداء للأجانب في أوروبا موجود ومعه الأحزاب العنصرية. ودائماً أتمنى أن ينتبه المسلمون إلى اشتراك غير مسلمين معهم في هذه المعاناة" حيث لا يتعرض المسلمون وحدهم للنبذ في أوروبا.

وأخيراً يعتقد باحثون أن صعود "اليمين المتطرف" في أوروبا ربما يكون بداية النهاية لهم، فأوروبا ترى في الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان مسلمات لا يمكن التنازل عنها. كما أن صعود "اليمين المتطرف" ومشاركته في السلطة، سيضعه أمام اختبار عملي حقيقي سيكشف للأوروبيين أنه ليس البديل الواقعي عن القوى السياسية التقليدية.



المصدر