on
أسعد البصري يكتب: داعش محنة ثقافية وليست عسكرية
أسعد البصري
هل داعش إسلام أم لا؟ إيمان أم لا؟ مجاهدون أم لا؟ مرتزقة أم متطوعون للجهاد في سبيل الله؟ هل فهم داعش للإسلام خاطئ أم فهمنا للإسلام غير حقيقي؟ هل الصحابة كانوا متصوفة؟ هل جاء الوحي بوحدة الوجود والتأمل بالذات الإلهية فقط؟ هل الصحابة كانوا يبكون ويدعون إلى المحبة وحين يقتلهم المشركون لا يرفعون سيفا، كما كان دعاة المسيحية الأوائل في الحضارة الرومانية؟
هل انتشر الإسلام بين الفقراء والعبيد كما انتشرت المسيحية في البداية لتخفيف المعاناة عن الضعفاء؟ أم انتشر الإسلام بين السادة والأقوياء وسعى إلى الغزوات “كلمة واحدة تعطونيها تملكون بها العرب، وتدين لكم بها العجم”؟، هل الصحابة مستعدون للموت في سبيل الله؟ هل الدواعش مستعدون للموت في سبيل الله؟ ما معنى الآية “فتمنوا الموت إن كُنتُم صادقين”؟ هل أنت وأنا مستعدان للموت في سبيل الإسلام؟ ما معنى الموت في سبيل الدين؟
السلفية معناها العودة إلى الوراء، إلى عهد الصديقين والتابعين، والناس تريد العيش في هذا العصر، تلك أمة قد خلت لها فهمها وأفكارها ومقولاتها التي لا تصلح إطلاقا في هذا الزمان.
السلفية مسؤولة عن بناء يوتوبيا ماضوية، يريدون إقناع المسلمين بأن صدر الإسلام هو أجمل العصور. يريدون منك أن تتمنى لو أنك مولود في ذلك الزمان، وهذا خيال خطير. ماذا تفعل في ذلك الزمان؟ متوسط عمر الإنسان بذلك العهد 30 سنة فقط، بينما هو اليوم أطول بكثير. أوبئة ومجاعات وأعوام رمادة وحروب، حتى الصحابة قتل بعضهم البعض الآخر في حروب طاحنة.
ماذا لو كنت عبدا في الطائف واشتراني سيدي من ثقيف في عصر الرسالة؟ لو أسلم سيدي أُصبح معه مسلما، ولن يتغير في حياتي الشاقة شيء سوى العشر دقائق التي يسمح بها للصلاة. المشكلة أنك إذا هربت، تصبح عبدا آبقا وصلاتك غير مقبولة.
الحنين إلى الماضي يقوى حين يكون الإنسان في أزمة. إنّ جوهر السلفية يجعل من حكايتك الشخصية لا أهمية لها، المهم حكاية الشخصيات الدينية ومقولاتها، هذا الوعي هو هجوم عنيف من العصور السحيقة على دماغك.
خطيب الدولة الإسلامية أبو محمد العدناني يخاطب العالم بنشيد ديني، ويموت بصاروخ ملحد. أبو بكر البغدادي يعتلي الجامع النوري الكبير ويعلن الخلافة، وغدا تسحله المدرعات الأميركية. الشباب يخرجون بإصدارات ويفجّرون أنفسهم أمام العالم في سبيل الجنة.
الشباب العربي محاصر ثقافيا. فلم يتم تشجيع الفنون من رسم ونحت وموسيقى ورقص وغناء، وليس عندنا سوى الشعر، ويقولون لك إن القرآن نزل لهزيمة الشعراء. حتى أن الشعر توقف في صدر الإسلام، فالشاعر المخضرم لبيد بن ربيعة يقول بعد إسلامه “قد أبدلني الله بالشعر سورة البقرة وآل عمران”. وأما الحطيئة المشاكس فقد تم تأديبه ومنعه من الهجاء، وصدرت قوانين تمنع الغزل “التشبيب بالنساء”. لم يعد هناك نساء عند الغدير وشاعر يتغزل بعيونهن. الدولة الأموية أعادت للحياة الدنيا رونقها بعد توقف إيماني ديني. السلفية اليوم تريد الرجوع بنا إلى ما قبل الأمويين، إلى عصر التابعين والصديقين.
معظم المسلمين اليوم يلبسون البنطلون ويحلقون اللحية، يصعدون الطائرات والسيارات، يطربون ويغنون ويرقصون أحيانا، يعشقون النساء ويتشببون بهن، يتعاملون مع بنوك تعتمد الربح، يقرأون الفلسفة والعلوم الحديثة فكيف يتشبهون بالسلف الصالح؟
معظمنا إن لم تكن أمّه سافرة، فزوجته سافرة أو ابنته أو حفيدته، العالم يتقدم بهذا الاتجاه. فكيف نتعامل مع نصوص من نوع″من تشبه بقوم فهو منهم” أو أن نتبع الغرب “القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب دخلناه”. لماذا لا؟ نريد أن نتعلم ممّن حققوا إنجازات حضارية وإنسانية كبيرة.
الإيزيدي أقرب إلى العراقي أم الشيشاني؟ المسيحي السرياني أقرب أم البوسني؟ الصابئي أم الباكستاني؟ ما الإسلام وما جوهره؟ وانفجرت بسبب داعش مشكلة لم تُعالج منذ قرون، مشكلة العقل الديني. مناقشات عجيبة حول جثث المجاهدين هل تتفسخ أم لا؟ هل تجوز مصافحة المرأة؟ عندما ظهر داعش من المؤكد اجتمع أوباما بعلماء تاريخ. الموضوع توحيد ومقدس واحتلال أراض، ثم تنتشر الأساطير مع النصر وتتفشى العدوى، ويكثر الناس مع الغنائم وتقوم إمبراطورية جديدة إسلامية. حدث هذا عدة مرات في التاريخ. هكذا الإسلام والدولة الأيوبية والعثمانية والصفوية والعباسية والأموية.
المهم عند الولايات المتحدة ألاّ يحقق المتطرفون انتصارات بأيّ ثمن، ألاّ يكون عندهم مال وغنائم، كما قال خالد بن الوليد الذي هو أحد أسباب انتشار الإسلام “الناس تكثر بالنصر وتقل بالهزيمة” الرعب والنصر العسكري هما الإقناع، وليس الدعوة والإعجاز الإلهي فقط.
داعش خطر كبير لأن الفكرة موجودة، لم تكن بحاجة إلى شيء سوى انتصارات لتنفجر. وهكذا قامت الولايات المتحدة باحتواء الإرهاب، ومع الويلات والهزائم ارتد الناس، وانتهى الأمر. طالب جامعي عراقي يقول إن الناس تريد أميركا لتحميهم من الإسلاميين، أمر ستكون تحولاته عظيمة في المستقبل العراقي.
يحاول العراقيون التملص من الحقيقة. البارحة كانوا اعتصامات مليونية، وجيش المالكي في حرب مع الموصل. لقد رأيت إصدارا بالموصل لطفل عمره سبع سنوات يقتل ضابطا في الشارع بكاتم صوت، وطفلين يرميان غرفة جنود بالرمانات اليدوية ويفجران المكان.
الإعدامات الحكومية كانت في الساحات العامة بالموصل، ورأيت تسجيلا لضابط أجلس الرجال وسط الموصل على التراب وأخذ يكيل لهم الإهانات، والسيارات بشوارع الموصل كانت كالجحيم إلى درجة أنه بعد سقوط المدينة بيد داعش في الأيام الأولى احتفل الناس بقيادة سياراتهم في المدينة دون حواجز. وكانت هناك الاعتقالات لابتزاز الأسر الميسورة والفساد.
تصريح القائد الأعلى للقوات المسلحة حينها نوري المالكي “أحفاد يزيد وأحفاد الحسين” قصم ظهر البعير وشق القوات المسلحة. بضعة مئات من داعش اقتحمت المدينة في جو طائفي مشحون فالتحم بهم الناس وساعدوهم ورحبوا بهم. لم يعرف الناس عنهم شيئا سوى أنهم الخلاص من طائفية المالكي.
شيء طبيعي أن تصدر أوامر بانسحاب الجيش، خوفا من حدوث مذبحة بعشرات الآلاف للجنود الشيعة. كيف يقاتلون والمدينة ضدهم؟ كيف يتوقعون الوفاء من زملائهم الضباط أحفاد يزيد؟ إن نفي التاريخ والظروف وافتعال التحليلات غير صحيح.
داعش فضيحة لكل التيارات الإسلامية، حتى الشيعة في مأزق. لقد أخرجت داعش كتب السيرة والحديث والتاريخ الإسلامي وألقته حيا في وجوهنا. المزاج العراقي تغيّر الآن، لم تعد هناك حماسة، فَالصدمة الداعشية ثقافية أكثر منها سياسية أو عسكرية. فلماذا نقاتل الناس حتى يقبلوا بدين ما؟ ما هو السبب؟ أليست القيم الحديثة والقبول بالآخر أفضل من القتال؟
البارحة في المقهى انتقدت الكنديين بسبب المبالغة في مهرجانات المثليين. فقال لي أحدهم نحن نفعل هذا لأجلكم؟ قلت له كيف؟ قال بلد يعج بالمهاجرين من جنسيات وأديان وأعراق مختلفة، وتشجيع الناس على القبول بالمثليين هو لمنع الكراهية وتعزيز التعايش. لا تنس النازية أبادت اليهود والغجر والمثليين. هذه شعوب تفكر بالاختلاف وقبول الآخر ونحن نفكر بمحاربة الكفار. حين خرجت من المقهى فكرت، ماذا لو أن الكنديين مسيحيون مؤمنون ويكرهون المثليين، لا بد أنهم من باب أولى يكرهون المهاجرين ويطالبون برميهم في البحر.
المصدر: العرب
أسعد البصري يكتب: داعش محنة ثقافية وليست عسكرية على ميكروسيريا.
ميكروسيريا -