اللاجئون السوريون ورحلة التكيف مع المجتمع الأمريكي


حددت الولايات المتحدة خلال العام الجاري سقف عشرة آلاف شخص للاجئين السوريين الذين تستقبلهم على أراضيها. فما الذي ينتظرهم هناك؟ وهل أن حالهم أفضل من أوروبا؟ ميودراغ زوريتش زار أسرة سورية لجأت إلى ديترويت قبل بضعة أشهر.

حي يبدو مستلهماً من ألبوم صور: على جانبي الطريق تقوم منازل تزين واجهاتها شرفات خشبية بيضاء، وأمامها مساحات عشبية خضراء. رصيفان يمتدان على حافتي الطريق تزينهما أشجار خضراء وأطفال يلعبون ويضحكون.

هنا في ديربورن، في إحدى ضواحي مدينة ديترويت في ولاية ميشيغن الأمريكية، تمكن الحلم الأمريكي من الحيلولة دون أن ينطفئ شمعه تحت وطأة الأزمة الاقتصادية خلال السنوات الأخيرة.

هنا بالتحديد وجدت تغريد ألروادش، ذات الأربعين عاماً، مع زوجها وأطفالها الخمسة مأوى جديداً تلجأ إليه. يأتي ذلك بعد شهرين من حصولهم على ترخيص بالسفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية، بعد أن قضوا ثلاث سنوات ونصف السنة وهم ينتظرون في أحد مخيمات اللاجئين في الأردن.

قبلها كانوا يعيشون في مدينة درعا السورية. وعندما أضرمت قوات الأمن السورية النار في بيتهم، وجدوا أنفسهم مجبرين على الفرار إلى بلد الجوار الأردن. هناك بذلوا قصارى جهودهم – وبدعم من الأمم المتحدة – للحصول على تأشيرة سفر إلى الولايات المتحدة، حيث تم إخضاعهم للعديد من المقابلات الشخصية من قبل موظفي السفارة الأمريكية إلى درجة أنهم فقدوا الأمل في أن يتم القبول بطلبهم. ثم جاء الخبر السار بأنهم أصبحوا من ضمن القلائل الذين سمحت لهم الولايات المتحدة بالدخول إلى أراضيها.

يُذكر أن الولايات المتحدة استقبلت إجمالاً خلال العام الجاري 10 آلاف لاجئ سوري. وقبل انطلاق مؤتمر للاجئين في نيويورك أعلنت الحكومة الأمريكية رفع طاقة استيعابها للاجئين خلال العام القادم بنسبة 30 بالمائة.

مساعدات من السوريين للسوريين

تغريد ألروادش كانت من بين القلائل الذين حصلوا على تأشيرة سفر للولايات المتحدة. ويبدو أن كون اثنين من أبنائها من ذوي الاحتياجات الخاصة قد لعب دوراً مهماً في ذلك. وها هي اليوم تعيش في منزل كامل الأثاث والتجهيز، فيما يعمل زوجها في أحد مجازر المدينة.

أما المساعدة فقد حصلت عليها من أبناء وطنها السوريين المقيمين في الولايات المتحدة على غرار ندى كردي، التي تعمل كمترجمة. وتقول الأخيرة إنها قررت الصيف الماضي رفقة عدد من رفاقها أن تساعد اللاجئين السوريين. “لأنني أيضاً أنحدر من سوريا ولا أريد أن يعيش أبناء بلدي تجارب سيئة في الولايات المتحدة”. وتؤكد أن أكبر التحديات التي يواجهها القادمون الجدد هي تعلم اللغة الإنجليزية.

كما ترافق ندى الكردي اللاجئة الجديدة تغريد ألروادش إلى المسجد القريب والذي يشرف عليه المركز الإسلامي لمدينة ديترويت. الكثير من النساء هنا يرتدين النقاب ويلبسن عباءات سوداء طويلة. هنا تلتقي تغريد خلال صلاة الجمعة بعدد من السوريين وتتواصل معهم. أما الإمام فتارة يلقي الخطبة بالعربية وتارة أخرى باللغة الإنجليزية. وبعد صلاة الجمعة يقوم متطوعون ببيع ساندويتشات فلافل. أما العائدات فيخصص جزء منها لنحو 100 أسرة لاجئة تتردد على المسجد، على ما يقول منصور شارا، نائب رئيس المركز الإسلامي.

ويقدر شارا بأن نحو 100 ألف مسلم يعيشون في ديترويت وضواحيها، أغلبيتهم في ديربورن. “بالنسبة للاجئين فإن أصعب شيء هو التكيف مع الثقافة الجديدة الأمريكية”، على ما يقول شارا. هنا المساواة بين الجنسين مضمونة دستورياً والإسلام دين من بين الكثير من الديانات. كما أن الكثير من اللاجئين عاشوا أحداث رهيبة في سوريا أو في مخيمات اللاجئين في الشرق الأوسط، على ما يقول منصور شارا، لافتاً إلى أنه يتعين على هؤلاء في البداية تلقي العلاج اللازم.

التكيف مع ثقافة وبلد جديد

رأي تشاطره فيه مديحة طارق التي تعمل كمديرة تنفيذية في منظمة تساعد اللاجئين في ديربورن. “نقوم بمساعدة اللاجئين في الحصول على مواعيد لدى الأطباء أو خلال معاملاتهم الإدارية أو دروس اللغة وكل ما هو ضروري”، على ما تقول.

وتشير مديحة، الباكستانية الأصل، إلى أنها تعرف بأن كل حياة جديدة في محيط غريب أمر صعب في البداية. وتقدر بأن نحو 400 ألف أمريكي من أصول عربية يعيشون في ولاية ميشيغن، مشيرة إلى أن “نصفهم قدموا كلاجئين إلى الولايات المتحدة”.

الكثير منهم وجد في قطاع صناعة السيارات موطن شغل جديد. ففي ديربورن مثلاً تتخذ شركة فورد للسيارات مقرها الرئيسي. بيد أن الأزمة المالية خلال عامي 2008 و2009 قد ضربت ولاية ميشيغن بقوة. فقط بفضل المساعدات السخية من الحكومة الأمريكية المركزية لقطاع صناعة السيارات، تحسن الوضع الاقتصادي بشكل ملحوظ.

مخاوف من اللاجئين الجدد

بيد أن الخوف من فقدان الوظيفة والبطالة أمر منتشر لدى سكان ديربون، وبالتالي فإن المخاوف كبيرة من أن تزيد موجة اللاجئين من الشرق الأوسط من حدة التنافس في سوق العمل. البعض عبر من مخاوفه من أن يستغل اللاجئون السوريون الأنظمة الاجتماعية الصحية الضعيفة أصلاً، فيما يتهم البعض الآخر السوريين بأنهم إرهابيين مردداً شعارات مناهضة للأجانب على غرار مرشح الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية دونالد ترامب.

ادعاءات سخيفة إذا ما تحدث المرء إلى اللاجئين على غرار تغريد ألروادش التي تقول إن الحنين إلى أبويها اللذين بقيا في مخيم اللاجئين في الأردن وإلى بقية أهلها يكاد يكسر قلبها. وعند سؤالها عما إذا كانت تفكر يوماً ما في العودة إلى سوريا، تقول: “سوريا أحلى بلد في العالم. ليس هنا من بلد آخر يرحب بك كوطنك”، ماسحة الدموع من عينيها.

 



المصدر