on
"كيري" والقضية السورية...الدبالوماسي المحنك يواجه أعقد اختبار في مسيرته المهنية
سمع وزير الخارجية الأمريكي "جون كيري" ما يكفي. فبعد قصف قافلة مساعدات تابعة للأمم المتحدة في الأسبوع الماضي في سورية أسفر عن نسف هدنة استثمر فيها كبير الدبلوماسيين الأمريكي كل رصيده الدبلوماسي مع روسيا نحّى "كيري" جانباً صفحة ملأتها الملاحظات وتوجّه بتصريحه مباشرة إلى نظيره الروسي "سيرجي لافروف" عبر طاولة مجلس الأمن الدولي.
وقال "كيري" بغضب بادٍ عليه "استمعت إلى زميلي من روسيا ونوعاً ما شعرت قليلاً بأنهم إلى حد ما يعيشون في عالم مواز هنا" واصفاً "لافروف" فعلياً بأنّه كاذب لإلقائه اللوم على الولايات المتحدة بإفساد الهدنة.
ولخصت هذه اللحظة من بعض نواحيها الفترة التي قضاها كبير الدبلوماسيين الأمريكيين في منصبه والتي ستنتهي مع تأسيس إدارة جديدة تتمخض عنها الانتخابات الأمريكية في يناير/ كانون الثاني من العام المقبل.
وهذه ليست المرة الأولى التي يستثمر فيها "كيري" أشهراً من الدبلوماسية المكثفة والسفر المحموم في قضية ما لينتهي به الأمر بالشعور بالخذلان أو الخداع من شركائه في التفاوض.
وفي المسألة السورية كان "كيري" يرغب في انخراط أمريكي أكبر مما كان الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" ينوي دعمه.
وفي مقابلة مع وكالة "رويترز" يوم الجمعة الماضي قال "كيري" إن "التعتيم الصارخ للواقع (من قبل لافروف) خطف أنفاسي."
وجسدت محاولة إرساء الهدنة في سورية أكبر طموح لـ"كيري" لإصلاح ما اعتبره بعضهم أكبر إخفاق للسياسة الخارجية لإدارة "أوباما" والذي بدأ فشلها عام 2013 في متابعة تهديداتها حتى النهاية ضد بشار الأسد لخرقه "الخطوط الحمراء" واستخدامه الأسلحة الكيميائية.
وتوصل "كيري" إلى إبرام الهدنة قبل أسبوعين لكن انتهى به الأمر بمناشدة روسيا وقف الغارات الجوية المتجددة على مدينة حلب.
وسلط "جيمس دوبنز" المبعوث الأمريكي الخاص السابق إلى أفغانستان الضوء على "انخراط (كيري) الدؤوب من دون كلل" في مهامه حتى عندما كان ينفذ سياسات لا تتفق مع وجهات نظره.
و"دوبنز" دبلوماسي مخضرم عمل إلى جانب "كيري" عام 2013 في إبرام اتفاقية مع الرئيس الأفغاني "حامد كرزاي" لإبقاء القوات الأمريكية في بلاده.
وقال "استمر كيري وهذا أمر يحسب له في اللعبة حتى عندما كان موقفه ضعيفاً. وتابع: "الوضع في سورية خطير ومترابط إلى حد لم يتمكن معه ببساطة من التراجع وتركه لغيره."
فمن وجهة نظر "كيري" كان من الأفضل الإخفاق من عدم المحاولة.
وقال "كيري": "وجه القصور الأكبر سيكون مواجهة جولة جديدة من المهاجرين الراغبين في التوجه إلى أوروبا. أن يفعل (فلاديمير) بوتين ما يريده عبر رمي القذائف وألا تفعل الولايات المتحدة شيئاً إلا الادعاء بأننا نرسل بعض العون للناس."
وأضاف: "هذا هو أضعف الإيمان وسيكون (موقفنا) أقوى بكثير لو وقفنا وبحثنا عن طريقة لزيادة (الضغط) للوصول إلى طاولة (المفاوضات) والتوصل إلى نوع من التفاهم."
وقطع "كيري" خلال فترة توليه لمنصبه التي قاربت الأربع سنوات مسافات جوية أكثر من أي وزير خارجية آخر حتى أنه بدا في بعض الأحيان وكأنه يسارع للتدخل من دون استراتيجية واضحة.
ويرى "دوبنز": أنه "من الواضح أن كيري مستعد للمخاطرة بسمعته أكثر من الباقين (..) لأنهم لا يريدون أن يرتبط اسمهم بالإخفاقات."
لكن بعض المنتقدين لـ"كيري" يجدون أنه استمر لفترة أطول من اللازم في التفاوض مع روسيا التي استغلت وفق ما يقولون سعيه للتوصل إلى اتفاق بشأن سورية لتقوية موقفها.
وواجه "كيري" في سورية بالقوى الجيوسياسية المتغيرة والتحالفات الجديدة المعقدة والمخاطر الناتجة مثل صعود تنظيم "الدولة الإسلامية" اختباراً لقدراته أكثر من أي موضوع آخر.
وقال "كيري" إنه بعد رفض "أوباما" تنفيذ تهديداته وشن هجمات على قوات الأسد نتيجة لاستخدام النظام الأسلحة الكيميائية لمس "كيري" فتحة نفذ منها إلى الروس للعمل مع "لافروف" على أن يسلم الأسد ترسانته الكيميائية.
واعتبر الاتفاق الذي أبرم بهذا الشأن عام 2013 نجاحاً لكن الحرب ازدادت سوءاً باضطراد مذ ذاك وبات الوضع أكثر تعقيداً مع تدخل روسيا العسكري دعماً للأسد في العام الماضي.
وحالياً يعتبر بعضهم استمرار كيري في الضغط لاستئناف الهدنة بأنها إيماءات لا طائل منها.
وقال معتصم السيوفي وهو أحد شخصيات المجتمع المدني في سورية الذي التقى "كيري" في نيويورك الأسبوع الماضي "خطة كيري هي أن يقوم بفعل المزيد مما يفعله الآن على الرغم من الفشل المتكرر للمحاولات الأمريكية لإبرام اتفاق مع روسيا."
وهذه ليست المرة الأولى التي يُتهَم فيها "كيري" بالمبالغة في سياسة مد اليد. ففي بداية عهده عام 2013 سعى وزير الخارجية الأمريكي بشدة لإبرام اتفاقية سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وعلى الرغم من تلقيه تحذيرات من الفشل إلا أنه لم يتوان عن التنقل لأشهر بين رام الله والقدس.
وأدى إعلان اسرائيل بناء 700 وحدة استيطانية جديدة في الأراضي التي يطالب بها الفلسطينيون ليقيموا عليها دولتهم المستقبلية إلى انهيار المفاوضات على الرغم من أن إسرائيل ألقت باللوم في ذلك على سعي الفلسطينيين للانضمام إلى 15 معاهدة وميثاق دوليين.
وحقق "كيري" أكبر انجازين له عام 2015 بالتوصل إلى اتفاقية نووية مع إيران واتفاقية التغير المناخي. وفي الحالتين حاز على دعم "أوباما" الكامل وقيادته للعب دور أمريكي واضح للغاية على الرغم من تعرض الاتفاقيتين للذم في الأوساط السياسية الأمريكية الداخلية التي يسودها الاستقطاب.
وتسبب فشل محاولة "كيري" الثانية في إبرام اتفاق هدنة في سورية في الأسبوع الماضي بانطلاق موجة جديدة داخلياً من النقد اللاذع لسياسة الإدارة الأمريكية الحالية في سورية.
ووصف السيناتور الجمهوري "جون ماكين"، "كيري" بأنه "مقدام لكنه مليء بالأوهام" لقناعته أكثر مما ينبغي بإمكانية التعاون مع الروس.
ولا ينوي "كيري" الذي خسر الانتخابات الرئاسية أمام "جورج بوش" الابن عام 2004 الترشح للمنصب مرة ثانية وغالباً ما صرّح بأنّه ليس ثمة ما يخسره.
وبعد ساعات من تبادل التصريحات المتوترة في مجلس الأمن التقى "لافروف" و"كيري" مجدداً. وكان الدبلوماسي الروسي قد جلب معه اقتراحاً جديداً لوضع الهدنة في مسارها من جديد لكن "كيري" نظر إلى الورقة وأحكم طيها قبل أن يحشرها في جيب سترته الأعلى.
المصدر