on
وقائع أربعين عاماً
يبرز التحوّل الأساسي في تاريخ الكنيسة الأرثوذكسية المقدسية في القرن السادس عشر؛ بعد حوالي بضعة عقود من سيطرة العثمانيين على بلاد الشام، وفق معظم الدراسات التاريخية، حين انتهى عهد البطاركة العرب في البطريركية الأرثوذكسية في الأردن وفلسطين باستقالة البطريرك عطا الله، وانتخاب جرمانوس اليوناني عام 1534.
بدأت احتجاجات العرب المسيحيين مع تنصيب البطريرك اليوناني ذوسيثيوس عام 1669، بوضعه قانون “أخوية القبر المقدس” الذي يحظر قبول أي عربي أرثوذكسي في عضويتها، وظلّ سارياً إلى اليوم مع استثناءات استرضائية محددة.
يتعرّض كتاب “متصرفية القدس الشريف” لمؤلفه عبد العزيز عوض، أستاذ التاريخ الحديث، لأحوال المدينة ما بين عامي 1874 و1914، لذلك لا يورد النضالات الأولى ضد احتكار اليونايين للكنيسة الأرثوذكسية، إنما يسجّل تطوّرات الربع الأخير من القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، إذ ألّف العرب الأرثوذكس وفوداً إلى الأستانة ونشروا المقالات وقدّموا العرائض، إلى أن تمكنّوا من تحقيق أحد مطالبهم عام 1875 بوجوب اشتراك الكهنة في جلسة ترشيح البطريرك.
لا يناقش الكتاب بتعمّق تدخلات القوى المؤثرة، سواء الخارجية منها؛ الصراع بين النفوذين الروسي واليوناني داخل الكنيسة، ومواقف بقية السفراء الأوروبيين في القدس والأستانة، وكذلك موقف “الباب العالي” لكنه يؤشّر على اشتداد الصراع بين طرفي النزاع (العربي/ اليوناني) في العهد الدستوري (1908- 1912)، وخروج مظاهرات عربية ضد سياسات الكهنة اليونان.
رغم تصاعد الاحتجاجات العربية في تلك الفترة، واضطرار الحكومة المركزية فتْح تحقيق في أسباب النزاع إلى أن تمّت المصالحة بتحقيق مطالب جزئية، إلاّ أن الباحث يلفت إلى “التفاف الأكليروس اليوناني على تلك المصالحات لما يتمتّع به من نفوذ كبير في دوائر الحكم في متصرفية القدس لما يبذل من أموال يغدقها على الموظفين، إضافة إلى علاقة بطريركية القدس بالبطريركية المسكونية في الأستانة، لذلك كان من البديهي أن تظلّ الغلبة للبطريركية اليونانية”.
يُنهي المؤلف توثيقه بالوقوف على أحداث صيف 1913، الذي شهِد واحداً من أعنف الاضطرابات نتيجة التهميش المتواصل والإقصاء الذي مارسته الكنيسة الأرثوذكسي المقدسية لرعايا العرب، ما اضطر “الدولة العلية” إلى إرسال لجنة تحقيق استمرت في مهمتها شهرين.
واتخذت اللجنة -حينئذ- عشرة قرارات تخص إجراء انتخابات الأكليروس وتشكيل المجلس المختلط وتوزيع الأموال على المشاريع، وبحسب الوثائق التي يستند إليها الكتاب، فإن العرب قبلوا بالقرارات التي رفضتها البطريركية بسبب تقليص امتيازاتها.
يصل الباحث إلى خلاصتين؛ الأولى بتحوّل عدد من الأرثوذكس العرب الساخطين على كهنتهم إلى الكنائس الأخرى – مبحث يحتاج إلى دراسة تداعياته المستمرة حتى اليوم- والثانية، إلى انقضاء العهد العثماني الذي كرّس النفوذ اليوناني من دون إحقاق اتفاق يثبت حق العرب المسيحيين.
المصدر