روسيا تحرق حلب .. والعواصم الكبرى ترد بجعجعة في الأمم المتحدة
27 سبتمبر، 2016
بصمت دولي مريب، لا تخدشه الجعجعة الكلامية التي تسمع في أروقة الأمم المتحدة أو بعض العواصم الدولية، تواصل روسيا ومعها نظام الأسد حربها المفتوحة على مدينة حلب، مستخدمة أحدث ما في جعبتها العسكرية من وسائل القتل والتدمير.
وبعد أسبوع من بدء “محرقة حلب” إثر انهيار الهدنة الشكلية التي كان توصل إليها الجانبان الروسي والأميركي، ألقت الطائرات الروسية ومعها طائرات الأسد آلاف الأطنان من القنابل والصواريخ على المدينة المحاصرة، ودمرت تقريبا جميع المستشفيات في المدينة، وجميع مراكز الدفاع المدني، فضلا عن البنى التحتية، وأزهقت أرواح مئات الأشخاص، فيما أصيب آلاف آخرون بجراح، يواجه كثير منهم مصير الموت بسبب غياب العناية الطبية، وعجز المشافي الميدانية القليلة المتبقية عن تقديم أي شيء لهم، وعدم قدرتها على استقبال المزيد من الجرحى.
ومع سقوط نحو مائة قتيل يومياً في الأيام الأخيرة جراء الغارات الجوية في حلب وريفها، تشير التقديرات إلى أن عدد القتلى ربما وصل حتى الإثنين إلى أكثر من 370 قتيلاً منذ إعلان النظام السوري الإثنين الماضي عن انهيار الهدنة، وإطلاقه ما سماه عملية عسكرية في المدينة.
ولم تستثن الغارات أية منطقة في حلب، حيث تعرضت أحياء الهلك وقاضي عسكر والقاطرجي وبستان القصر والأنصاري والفردوس والزبدية ومساكن هنانو وباب الحديد والحيدرية والراشدين والميسر وطريق الباب ومنطقة مناشر جسر الحج والكسارة والصاخور، لقصف بالقنابل العنقودية والفوسفورية، فيما ألقى الطيران المروحي براميل متفجرة على العديد من تلك المناطق.
وفي الريف الحلبي، تعرضت مدن وبلدات الأتارب وحيان وبيانون وعندان وحريتان ومعارة الأرتيق وبلدة المنصورة لقصف روسي بالقنابل العنقودية والفوسفورية، ما أدى إلى سقوط عشرات القتلى وإشتعال الحرائق في منازل المدنيين.
وقال ناشطون إن العديد من العوائل ما تزال تحت الأنقاض منذ أيام بسبب كثافة الغارات التي لا تتيح لعناصر الدفاع المدني رفع الأنقاض في أماكن كثيرة، خاصة بعد الاستهداف المتكرر لمراكز الدفاع المدني في المدينة، والتي لم يتبق منها سوى عدد قليل جدا، فضلا عن استهداف المشافي والمشافي الميدانية.
وأوضح هؤلاء أن الطيران الروسي يستخدم أسلحة جديدة في قصفه قادرة على تسوية عدة مبان بالأرض في ضربة واحدة، ما يرفع عدد الضحايا، ويجعل من إنقاذهم مهمة عسيرة، خاصة في ظل ضعف الإمكانات المتاحة، والاستهداف المتواصل للمراكز الطبية.
وقالت مصادر في المعارضة السورية المسلحة أن السلاح الجديد الذي تم استخدامه هو قنابل ارتجاجية لها قدرة تدميرية كبيرة، وهي مخصصة لتدمير الأماكن شديدة التحصين تحت الأرض، ويزيد وزن كل منها عن 2 طن. وأكدت أن الهدف الروسي من استخدامها هو تدمير الأماكن المحصنة تحت الأرض، وتدمير الأبنية على رؤوس أهلها بحيث تطال حتى المختبئين بالأقبية والملاجئ، وهي من الأسلحة المحرمة دولياً.
من جهتها، قالت صحيفة “صنداي تايمز” البريطانية في تقرير لها حول الأسلحة التي استخدمتها روسيا في الآونة الأخيرة، أنها استخدمت سلاح “TOS-1A، المسمى بـ”الشمس الحارقة”، وهو ينطلق على شكل صواريخ من قاذفات تطلق 24 صاروخا معا، مشيرة إلى أنه يتسبب بانفجارات كيميائية تمتص الأكسجين من المنطقة المستهدفة.
ونقلت الصحيفة عن دبلوماسيين غربيون قولهم: “نحن نبحث في ما إذا كانوا الروس يستخدمون أسلحة لم نرها مسبقا، مثل TOS-1A، التي تمثل قاذفة لهب كبيرة، وإذا صح ذلك فإن روسيا على بعد خطوة واحدة من استخدام السلاح النووي”.
وبالتوازي مع القصف الجوي، تحاول قوات النظام التقدم إلى داخل مدينة حلب من المحورين الشمالي جهة مخيم حندرات، والجنوبي من جهة حيي العامرية وصلاح الدين، لكنها أخفقت في ذلك حتى الآن، بالرغم من سيطرتها أمس على مخيم حندرات لساعات قليلة قبل أن ترسل قوات المعارضة تعزيزات إلى المنطقة وتعاود السيطرة على المخيم.
الوضع الإنساني
مع اشتداد القصف، وسقوط مئات الضحايا يوميا بين قتيل وجريح، أعلنت المراكز الطبية في الأحياء المحاصرة من مدينة حلب عدم قدرتها على استيعاب المزيد من الجرحى، مع انعدام فرص إخراجهم خارج المدينة، ما جعل الكثير منهم يهيمون في الشوارع.
وتعاني مستشفيات الأحياء الشرقية من نقص كبير بالأدوية والمعدات والكوادر الطبية، ما دفعهم لاستقبال مئات الجرحى في الصالات والأماكن العامة. وقال الأطباء إنهم يضطرون للانتقاء بين المصابين لإعطاء الأولوية للحالات القابلة للإنقاذ، وسط نقص شديد في أغلب المعدات الطبية.
وبينما باتت الشوارع مهجورة حيث الناس مختبئون في بيوتهم وفي الملاجئ خوفاً من الغارات الجوية، حذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسيف” من أن الهجمات المكثفة على مدينة حلب أدت إلى حرمان سكانها من مياه الشرب، مشيرة إلى أن محطة ضخ المياه التي تزود الجزء الشرقي من حلب أصيبت بأضرار كبيرة، وتحول عمليات القصف دون إصلاحها.
ولفتت إلى أن توقف المياه في المناطق الشرقية لحلب سيضطر الناس إلى استخدام مصادر مياه ملوثة.
وفي هذا الوقت لا تزال قافلة المساعدات الإنسانية والتي كان من المقرر أن تدخل إلى حلب بموجب اتفاق الهدنة، تنتظر عند الحدود التركية بسبب مماطلة النظام وروسيا، برغم أن الأمم المتحدة حذرت من أنها سوف تفسد مع حلول الإثنين الماضي.
وكانت الأمم المتحدة أوقفت جميع قوافلها الإغاثية النشطة في سورية عقب القصف الذي تعرضت له 20 شاحنة كانت متجهة إلى حلب، ما أدى إلى مقتل 12 متطوعاً بينهم سائقون، في أورم الكبرى بريف حلب الغربي.
سجالات سياسية
وفي هذه الأثناء تواصلت السجالات السياسية بين الدول الكبرى بشأن الوضع في حلب حيث عقد مجلس الأمن جلسة طارئة بدعوة من الدول الغربية تحولت إلى جلسة إدانة للعدوان الروسي على حلب.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إن استخدام القنابل الخارقة للتحصينات عشوائياً ضد المناطق الآهلة وفي شكل ممنهج “قد يرقى إلى أن يعد جرائم حرب”، فيما شنّت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة سامنثا باور هجوماً عنيفاً على روسيا متهمةً إياها بممارسة البربرية، وليس محاربة للإرهاب في سورية.
واعتبر سفير بريطانيا لدى الأمم المتحدة ماثيو ريكروفت أن محاولات أميركا وروسيا لإحلال السلام في سورية تقترب كثيراً جداً من نهايتها، وعلى مجلس الأمن أن يكون مستعداً للوفاء بمسؤولياته. وأعلن السفير الفرنسي فرنسوا دولاتر أن جرائم حرب تُرتكب في حلب، ويجب ألاّ تبقى من دون عقاب. كما حمل المبعوث الخاص إلى سورية ستيفان دي ميستورا الحكومة السورية مسؤولية البدء بالهجوم العسكري من طرف واحد في ١٨ الشهر الجاري، مكررا القول أن القصف بقنابل محرّمة قد يرقى إلى جرائم حرب. وردّ السفير الروسي فيتالي تشوركين بأن الولايات المتحدة لا تستطيع السيطرة على ما سماه المجموعات المسلحة والإرهابية في سورية.
من جهتها، شدّدت فصائل المعارضة السورية الرئيسية في بيان أصدرته مع الائتلاف الوطني، على أن القصف المكثّف على مدينة حلب يجعل عملية السلام غير مجدية، وطالبت بعزل روسيا عن رعاية العملية التفاوضية بوصفها شريكا للنظام في قتل الشعب السوري.
وقد ألغى وفد المعارضة السورية برئاسة منسق الهيئة العليا للمفاوضات رياض حجاب زيارة كانت مقررة إلى واشنطن للقاء مسؤولين أميركيين، احتجاجاً على الموقف الأميركي الضعيف والمتستر على جرائم بشار الأسد.
وطالب حجاب في تصريحات مختلفة، الولايات المتحدة باتخاذ إجراءات عسكرية لحماية الشعب السوري، وأن يتبنى المجتمع الدولي استراتيجية أكثر حزما مع نظام الأسد.
تقدم في حماة
في حين كان القصف يتواصل على حلب، تمكنت فصائل المعارضة المسلحة في ريف حماة من تحقيق مزيد من التقدم ضد قوات النظام. وتمكن الثوار صباح الأحد الماضي من التقدم في ريف حماة الشرقي والسيطرة مواقع جديدة من قوات النظام، وذلك بعد معارك عنيفة، حيث استطاعوا تحرير معمل السكر ومحطة القطار بالكامل جنوب قرية الكبارية المحررة في ريف حماة الشرقي.
كما سيطر مقاتلو المعارضة في وقت سابق على قرية معان بريف حماة الشرقي، وقتلوا خلال المعارك العديد من ميليشيات الشبيحة، واغتنموا دبابات وعربات عسكرية. كما أعلنت غرفة عمليات “مروان حديد” أن تقدم الثوار مستمر في المنطقة، وسط انهيار في صفوف عناصر النظام التي انسحبت من حواجزها.
وجاءت هذه التطورات بعد يومين من تصدي الفصائل الثورية لمحاولة قوات النظام إعادة احتلال بلدة معردس وقرية الإسكندرية بريف حماة الشمالي، وذلك بعد أن أطلقت الفصائل الثورية مؤخراً معركة كبيرة وتمكنت من تحرير مدن وبلدات “حلفايا وطيبة الإمام والناصرية وصوران وقرى زلين والزلاقيات والبويضة والمصاصنة وبطيش في الريف الحموي.
وتأتي أهمية قرية معان في كونها آخر قواعد النظام العسكرية في ريف حماة الشمالي – الشرقي، وتعتبر خط إسناد لميليشيات الشبيحة في قريتي الطليسية والزغبة، بالإضافة إلى قرية أبو دالي في ريف إدلب الجنوبي.
وتضم غرفة عمليات “مروان حديد” فصائل وكتائب “جند الأقصى” وكتائب “جند الشام” و”أبناء الشام” الإسلامية، وغيرها من الفصائل العسكرية.
تواصل التهجير في الوعر
وفي مدينة حمص، بدأت الإثنين عملية تهجير الدفعة الثانية من أهالي حي الوعر المحاصر بعد عملية مماثلة قبل نحو أسبوع.
وغادر نحو 150 شخصاً من مقاتلي المعارضة مع عائلاتهم بالحافلات باتجاه ريف حمص الشمالي، وليس إلى إدلب كما كان الاتفاق في المرة الأولى.
وكانت الدفعة الأولى قد خرجت الخميس الماضي تطبيقاً لاتفاق سابق توصلت إليه الفعاليات المدنية والعسكرية في الحي مع النظام، وذلك دون ضمانات من الأمم المتحدة.
ومن جهة أخرى، دخلت السبت الماضي دفعة من قافلة المساعدات المقدمة من الأمم المتحدة إلى المحاصرين في حي الوعر.
[sociallocker] [/sociallocker]