مبروك أيها العرب .. صرتوا أربعمائة مليون
27 أيلول (سبتمبر - شتنبر)، 2016
عمر الخطيب
منذ زمن ولم استعلم عن العدد الحقيقي لمواطني الامة العربية من المحيط الى الخليج، منذ ان كنت في المدرسة في بغداد عندما كانت الكتب المدرسية البعثية تتغنى بالعروبة وابناء الوطن العربي الخالد، وكنا نردد شعار حزب البعث العربي الاشتراكي “امة عربي واحدة،، ذات رسالة خالدة”.
ولأنني عملت في الامم المتحدة سابقا فأنني جُبلت ودأبت على متابعة تقارير الامم المتحدة الخاصة بالتنمية البشرية للمواطن العربي، واين يقع قومي واخواني العرب بالمقارنة من هذا العالم الفسيح المترامي الاطراف. الا ان موضوع كم هو عدد سكان الامة العربية لم يكن يهمني كثيرا اذ كنت اتصور ان العرب لازالو مائتان وخمسون مليون نسمة كما اخبرتنا بذلك كتب البعثيين.
الا انني وبالصدفة وقعت على حقيقة جديدة مفادها اننا اصبحنا اربعمائة مليون نسمة، اي من المتحدثين بالعربية والمنتمين للأمة العربية، ولايفوتني ان اقول مقولة صدام الشهيرة “يافتحة الصدر، يا للفخر” في معرض اتهامه لبعض القادة العرب ايام محمد الدرة في تسعينات القرن الماضي مستنكرا حالة الذل والهوان التي وصل اليها العرب تلك الايام.
اعزائي، ان لهذا الرقم دلالاته ومؤشراته، منها اننا نستطيع ان نستعلم عن الامم التي يقارب عددها عددنا لكي نعرف موقعنا الحقيقي ومؤهلاتنا وامكاناتنا. اول دولة ممكن تذكرها هي الولايات المتحدة الامريكية وعدد سكانها الذي يقارب الثلاثمائة مليون نسمة. ثاني دولة ممكن الحديث عنها هي البرازيل وعدد سكانها يقرب المئتان وسبعون مليون نسمة. ممكن القول ايضا ان اوربا الغربية يتراوح عدد سكانها بين المئتان وخمسون ومئتان وسبعون مليونا ايضا. ممكن الاشارة الى اندونيسيا التي يقارب عدد سكانها المئتان وخمسون مليون ايضا. لن اذكر الصين والهند صاحبتا المليار نسمة لانهما اكبر بكثير من العدد الذي يقارب عددنا.
اذن نحن اربعمائة مليون نسمة، هل تصدقون، من المحيط الى الخليج، والى الان نحن لانعلم مانريد. هل يوجد نظام حكم عربي واضح، هل نحن ديمقراطيات، هل نحن دكتاتوريات، هل نحن فوضى، خلّاقة او غير خلاّقة لايهم المهم انه لايُعرف لنا نظام حكم واضح المعالم يتواكب مع التطور والحداثة في هذا العالم. عندما يأتي الحاكم يكون همه هو الكرسي اولا واخيرا ولكي لا احرج احدا سأذكر مافعله صدام وربما حافظ الاسد في العراق وسوريا لانهما اهم دولتين في المشرق العربي، اذ كان صدام رجل مهووس بالحروب لايعرف السلام، ولم يكن صاحب رؤيا بل كان ضحية نظام اسطنعه الانكليز عندما انشأو العراق ولم يُعلّموا العراقيين كيف تكون الممارسة الديمقراطية تحت نظام الملكية الدستورية، وضل العراقيون يتخبطون في اول خمسين سنة الى ان انقلب الضباط الاحرار على الملك وقتلوه ونكلوا بعائلته ببشاعة يندى لها جبين الانسانية، ثم تتالت الانقلابات الى ان جاء صدام في انقلاب القصر شبيه بأنقلاب زين العابدين على بورقيبة، وتولى صدام السلطة وقال “لن يحدث انقلاب عسكري بعد اليوم” في خطاب تولي الرئاسة، وتلك كانت بداية النهاية للعراق الحديث.
كما هو معروف في العلوم السياسية ومن الخبرة التي استقيناها من دروس التأريخ فأن الدول يجب ان تتألف من غالبية عظمى من مواطنين ذا نسق واحد متناغم من حيث الدين والعرق، وكل التجارب الناجحة هي كذلك.
اما العراق فكان دولة من ثلاث مكونات الاكراد والعرب السنة والعرب الشيعة، وكان العراق يُحكم بالعلمانية التي جاء بها الانكليز ولم تكن هناك مشاكل الا مع الاكراد، وحقيقة لا اعرف لماذا الدول الاستعمارية لم تعترف بحقوق الاكراد وقسمتهم على اربعة دول هي العراق وايران وتركيا وسوريا.
ثم جاءت الثورة التي يسمونها “الاسلامية” في ايران وجاء معها بقدرة قادر “الصحوة” الاسلامية في البلدان العربية حصراً، الا اننا عرفنا فيما بعد ان الخميني كان يصرف الملايين لدعم احزاب “اسلامية” عربية منها الاخوان المسلمين وجبهة الانقاذ في الجزائر انتهائا ببعض التنظيمات الارهابية لغرضين، الاول هو انه كان مؤمنا بهذا الطريق، اما الامر الاخر فهو انه كان يعرف ان هذه المنظمات ممكن تأليبها على دولها وشعوبها لزعزعة الامن الداخلي مهما دعت حاجة الامن القومي الايراني لذلك، كما يدعّون وتسول لهم انفسهم.
اود ان اشير الى امر اخر مهم وهو ان الملكيات العربية تبدو راسخة وادائها جيد من ناحية ادارة الدولة وادارة الموارد وغالبيتها تعمل بنظرية معروفة في العلوم السياسية وهي نظرية اللاحزبية، اي ان الدولة ليس فيها نظام احزاب، وهذا النظام معمول فيه في ساموا الامريكية وفي بلدية تورنتو وفي بعض بلديات الصين. ويبدو ان هذا النظام يعمل بشكل جيد في هذه الممالك العربية وتجد انها متراصة ومتماسكة بوجه العنترية والشقاوة الايرانية التي تحاول نشر الدمار في ربوع الامة العربية كلما سنحت الفرصة. كما ان الملكيات العربية ترتبط بمعاهدات اقتصادية وعسكرية ممتازة فيما بينها بحيث اننا نستطيع ان نذكر ان قوات درع الجزيرة الخليجية مع وحدات عسكرية اردنية ومغربية، وهذه القوة حقيقة تستطيع ان تدمر ايران واساطيل ايران في دقائق فيما لو سولت ايران لنفسها مهاجمة مملكة من الممالك العربية، وسيرون بأعينهم مالم يكونوا يحتسبون. الا ان خبث النظام الايراني يجعله مستقويا على بعض دول الفوضى من الجمهوريات العربية التي تعاني في كل مناحي الحياة الاقتصادية والسياسية والعسكرية، وتقوم ايران ببث الفتن في هذه الجمهوريات بشكل مستمر ومقلق، اخرها محاولات ايران نشر التطرف الايراني النازي الاستئصالي بين ابناء الشعب المصري مستغلة بعض الذين استطاعوا شرائهم من ضعاف النفوس من الذين لم يستهويهم المنهج المعتدل الحنفي الذي يتبعه غالبية المصريين والعرب، فباعوا انفسهم لأبالسة ايران بثمن بخس.
ايها الاخوة انني عندما ميزّت الادارات العربية بين ملكية وجمهورية انما اردت ان نقارن الحال حسب المؤشرات العالمية وسأذكر مؤشر الفساد كمثال اذ ان الملكيات العربية تتمتع بمؤشرات فساد منخفضة مقارنة بالجمهوريات لدرجة ان اللون البرتقالي لغالبية دول اوربا الغربية التي تتمتع بفساد منخفض تجده حاضراً في وصف دول الخليج والملكيات العربية وهو امر يدعو للفخر والاحترام، كما ان النهضة والتوجه نحو العقلية العلمية وادارة الاعمال برشد وعقلانية جعل من الممالك العربية بؤر خضراء في محيط اسود قاتم متهريء، ولذلك نهيب بالممالك العربية ان تساعد الجمهوريات للنهوض مجددا نحو حكم اكثر رشداً ونجاعة.
ولكن عموما لو نرى حال دول الشمال العربي بدئاً بالعراق ثم سوريا فليبيا فتونس ثم الجزائر فأنك ستجد ان الجرح كبير وغائر، بالطبع ربما نستطيع ان نستثني الجزائر من الفوضى، ولكنها ايضا بحاجة الى مراجعة النفس والعمل بجد على محورين الاول هو الادارة والثاني هو الامن القومي العربي، ومتى ما تم الاشارة الى مسألة الامن القومي العربي تجد المسؤولين الجزائريين يطئطئون رؤسهم وكأن الامر لايعنيهم، اضافة الى عدم الرشد في علاقتهم مع جارتهم الرائعة المغرب والتي احترمها وخاصة في عهد الملك الحالي الذي ارسى قواعد جديدة لبناء مغرب متطور وحداثي يواكب الركب العالمي.
ايها العرب، علينا ان نلتفت قليلا لما يجري في العراق وسوريا، وفي نفس الوقت يجب علينا ان نفهم كيف وصلت الامور هناك الى ماوصلت اليه، وعلينا ان نحاول ان نفهم ان الدواء قد يكون مراً لكن الشفاء ممكن، فالعارض ليس مزمناً والزمن في صالحنا وعلينا ان نخطط بوضوح بما يخدم امننا العربي، وسلامنا وسلام المواطنين في العراق وسوريا، ومُهماً ان اقول ان العراق “الاسلامي” حاليا والذي لبس الجلباب والعمامة الايرانية منذ سقوط بغداد، لن يستقر مادامت الافكار النازية والاستئصالية هي التي تقوده، وحل التقسيم حل وسط ويجب دراسته بعُمق وجدية، ولاتخافوا من ايران التي دمرت سوريا لان الشعب السوري فكر بالفكاك من ايران يوماً، فحقيقة حرام الذي يجري في سوريا بسبب حاكم معوق مجرم باع شرفه وشرف الامة لأعداء الامة في حالة خيانية قل نظيرها في التأريخ، ولكني لن استرسل لمناقشة افاق الحل في سوريا بل سأقول، للحديث بقية.
“إيلاف”