روسيا وأصحابها

28 أيلول (سبتمبر - شتنبر)، 2016

5 minutes

باسل العودات

منذ انطلاق الثورة السورية، اعتقدت المعارضة السورية أن “البلاشفة” الذين قضوا على القيصرية سينصرونهم، وسيقفون إلى جانب شعب يستحق الحرية والعدالة، ولم يخطر في ذهنهم أن الروس سيُقدّمون للسوريين أسوأ ما عندهم، وأدركوا متأخرين أن “النظام البوتيني” الذي نشأ من تزاوج المافيات ولصوص الفساد الإداري وتجار السلاح، هو نظام أسوأ من نظامهم، ولن يقف إلى جانبهم أبدًا.

تأخّر السوريون ليعرفوا طبيعة النظام الروسي، ربما لأنهم أرادوا التعلق بـ “قشّة”، أو لأنهم اعتقدوا أن من انتفض -قبل قرن- على قيصره، سيؤيد الشعوب التي تنتفض على قيصرها، ولو أن السوريين تعمّقوا في مقولة: “قل لي من تُصاحب، أقل لك من أنت”، لعرفوا ماهية النظام الروسي وطبيعته، فجردة سريعة للعلاقات الخارجية الروسية، خلال العقود الأخيرة، تُسهّل معرفة الحقيقة.

برع النظام الروسي في اختيار “أصحابه”، وحرص على أن يكونوا على شاكلته، وبحث بـ “السراج والفتيل” عن حُكّام مستبدين لا يرحمون، غارقين في الفساد، خارجين عن القوانين، يبيعون ويشترون، يسهُل عليه عقد صفقات معهم؛ لتمرير استراتيجياته.

خلال العقود الأخيرة، دعمت روسيا رئيس كوريا الشمالية، كيم جونغ أون، ومن قبله والده، “أسوأ حكام العالم” وأكثرهم “تفاهة”، أفقروا شعبهم لدرجة المجاعة، وموّلت مشروعات كبيرة؛ لتكسر العقوبات الدولية المفروضة عليهما، كما دعمت بشدّة رئيس تركمانستان الأسبق، صابر مراد نيازوف، ومن بعده كربان غولي بردي محمدوف، الطاغية الذي أعاد تسمية أشهر السنة، وفقًا لأسمه وأسماء عائلته، وانتهك حقوق الإنسان في بلده، كما قدّمت السلاح والدعم للأوزبكي، إسلام كاريموف، الذي يحكم منذ ربع قرن، بعد أن منع الأحزاب، وألقى بآلاف المعارضين في السجون، وذبح المئات منهم.

صادقت روسيا المستبد، روبرت موغابي، رئيس زيمبابوي الأبدي الذي يحكم منذ 40 عامًا، والذي امتلأت بطون البنوك السويسرية بأمواله، بعد أن سجن كل المعارضين وقتلهم، كما دعمت بحبٍ الرئيس الغيني، تيودورو مباسوغو، الذي فاز بانتخابات مزوّرة قبل 35 عامًا، وصار يمتلك الآن وأسرته كل الاقتصاد الغينى، بينما يعيش الغينيون دون صرف صحي ولا كهرباء، وكذلك أرسلت أكثر من ثلث إنتاجها من السلاح لدعم الصينى، هو جين تاو، وخَلَفه شي جين بينغ، اللذين سحقا المعارضة بشراسة، وأسسا جيوشًا بات قادتها العسكريون الفاسدون من أكبر زبائن غسل الأموال في العالم.

دعمت روسيا النظام الإيراني، ووقفت إلى جانبه حين تحدّى القوانين الدولية، وساهمت في برنامجه النووي (غير النظيف) وبرامج صواريخه المُحرّمة، وتجاهلت توسعه الأخطبوطي وسياساته الطائفية، ورعايته للإرهاب العابر للقارات، كما دعمت هوغو تشافيز، الزعيم الاشتراكي “المزعوم”، الذي سجن زعماء المعارضة، وعيّن نفسه رئيسًا مدى الحياة، وأغلق وسائل الإعلام المستقلة، ونهبت ابنته ثروات البلد، كما دعمت رئيس بيلاروسيا، ألكسندر لوكاشينكو، الذي يحكم بقبضة استخباراتية منذ 23 عامًا، والذي يوصف بأنه “آخر دكتاتور في أوروبا”، كما دعمت الرئيس الأثيوبي، ميليس زيناوي، الذي تلاعب بالانتخابات وقمع المعارضة، وبات يملك أطنانًا من الذهب.

دعم الزعماء الروس بشدّة، الرئيس اليمني السابق، علي عبد الله صالح، وباركوا نهبه لثروات اليمن وقمعه، وحين انهار، تحوّلوا لدعم خليفته الحوثي، ووضعوا كل ثقلهم لمنع إدراجه ضمن قائمة العقوبات الدولية، وزوّدوه -عبر إيران- بالأسلحة؛ ليُبقي الحرب مُشتعلة، كما دعمت معمر القذافي، غريب الأطوار، الذي أدار دولة بوليسية 45 عامًا، وتوّج نفسه ملك ملوك أفريقيا، وأنقذتهم من العقوبات بعقود نفط ضخمة، واستنكرت على الليبيين وثورتهم، والأمر نفسه ينطبق تمامًا على علاقة روسيا بحكام العراق الجدد بعد صدام حسين.

وفي سورية، وخلال عقود، دعمت روسيا بشدة حافظ الأسد، ثم ابنه، وسهّلت للأول الاستيلاء على السلطة والهيمنة على القرار والثروة، وبناء جهاز أمني لا يرحم، وسهّلت للثاني خوض حرب قتلت نحو نصف مليون سوري، وهجّرت نصف السكان، ودمّرت حاضر سورية ومستقبلها.

هؤلاء جميعًا “أصحاب” النظام الروسي، حُكّام مُستبدون يُضيّقون على الحريات، ولا يحترمون القوانين الدولية، ولا شعوبهم، وينهبون ثروات بلادهم، ولا يعيرون أهمية لمبادئ الإنسانية، ومن السهولة استنتاج أنهم وإياه من طينة واحدة.

“جيرون”