شرطة سورية عصرية .. لا تعذيب ولا رشاوي ولا فساد

28 أيلول (سبتمبر - شتنبر)، 2016
7 minutes

إذا كنتَ تظن أن عمل الشرطة في سوريا ينحصر في الاعتقال والتعذيب وتقاضي الرشوة، فإنك حتماً لا تعرف شيئاً عن “الشرطة الحرة” في شمال البلاد، والتي تأسست لضبط الوضع الأمني في مناطق انتزعتها المعارضة المسلحة من أيدي جيش النظام السوري.

غير أن عمل هذه الشرطة لم ينحصر في اتباعِ طرقٍ عصرية في العمل الأمني، بل امتد إلى مفهوم “الشرطة المجتمعية” التي يتمحور دورها في عمليات تنمية مجمعية، تحقق هدفاً يحفظ أمن الناس، كفتح طرقٍ آمنة بعيدة عن القصف، وإنارة الشوارع ليلاً لمنع عمليات السطو والاغتيال.

 

هيكلية بسيطة

قال العميد أديب الشلّاف، قائد شرطة حلب الحرة، في حديثٍ لـ “صدى الشام”: “إن هيكلية الشرطة الحرة تقوم على توزيع مخفر على كل منطقة، مهمّته جميع الأعمال الشرطية كالمرور والجنايات وغير ذلك”، مبيّناً أن ثمة مخطّط لهيكلية واسعة لكن الظروف الأمنية تحول دون تنفيذه.

وأضاف الشلّاف أنه تم تقسيم محافظة حلب إلى 4 قطاعات وهي المدينة والريف الغربي والريف الشمالي والريف الجنوبي، ويقود كل قطاع نائب لقائد الشرطة، وتواصل المراكز عملها على مدار الساعة.

تأسست الشرطة الحرة في حلب، بتاريخ 1/10/2012، وتمتلك 55 مركزاً عاملاَ، فيه عدة أقسام، كالبحث الجنائي والمالي واللوجستي، ويبلغ العدد الإجمالي لعناصرها 2000 عنصر.

 

الشرطة المجتمعية

على مدار أربعة عقود، طبع النظام السوري في عقول السوريين أن الشرطي هو شخصٌ شرير لا يعرف شيئاً إلا الاعتقال والتعذيب وتقاضي الرشوة وإرهاب المواطنين. تحاول الشرطة الحرة اليوم محو هذا المفهوم من نفوس السوريين، عبر تقديم الشرطة لخدمات تفيد المجتمع وتحافظ على أمنه.

يشرح العميد أديب الشلاف هذه الفكرة بكشفه عن تأسيس ما يعرف بالـ “الشرطة المجتمعية”، حيث يقوم عمل هذه الشرطة على تقديم خدمات مجتمعية وأمنية بنفس الوقت.

عبّدت الشرطة الحرة طرقاً محفورةً جراء القصف، كما أنارت العديد من الطرق لمنع حالات الاعتداء الليلية، وأقامت ملاجئاً لحماية المدنيين من القصف

عبّدت الشرطة طرقاً محفورةً جراء القصف، وكانت هذه الطرق مُستخدمة بكثرة من قبل سيارات الإسعاف، كما أنارت العديد من الطرق لمنع حالات الاعتداء الليلية، وأقامت ملاجئاً لحماية المدنيين من القصف، بحسب ما يشرح أحد أعضاء هذه الشرطة، الذي تنحصر مهمته على تنسيق المشاريع المجتمعية.

وقال العنصر الذي رفض الإفصاح عن هويته لـ “صدى الشام”: “هدفنا بالدرجة الأولى إعطاء صورة حقيقة عن الشرطة، تختلف عن الصورة التي أعطاها النظام للسوريين عبر عقود”، وتابع قائلاً: “عندما يجد المواطنون شرطياً يساهم بحفر بئرٍ بسبب خلافات على طوابير المياه، أو يعبّد طريقاً جديداً لا يستهدفه الطيران، ليؤمن عبور المدنيين منه، فإنه سيعرف أن دور الشرطي في مساعدته وأنه يسعى لتحسين حياته وتأمين أمنه الشخصي، ومن هذا المنطلق بدأنا بالعمل على جانب (الشرطة المجتمعية)”.

 

بين شرطة النظام والشرطة الحرة

تعتمد الشرطة الحرة بشكل كبير على عناصر وضبّاط الشرطة المنشقين عن شرطة النظام، إضافةً لاعتمادها على مدنيين متطوعين يهدفون لحماية أمن قراهم وأحيائهم، غير أن ذلك جعل الشرطة تواجه العديد من المشاكل، أبرزها مواجهة عقلية الشرطة القادم من النظام، الذي اعتاد انتزاع المعلومة من المتهم عبر التعذيب بالـ”دولاب” أو “بساط الريح” (وهي أدوات تستخدمها الشرطة في سوريا وتقوم على تعذيب شديد يجبر المتهم على الاعتراف)، أو التغيّب عن الدوام وتقاضي الرشاوي والولائم من المواطنين.

يستطرد العميد أديب الشلّاف أن هذه المشكلة من أكبر المشاكل التي واجهتها الشرطة الحرّة، التي حاولت كثيراً القضاء على ظاهرة الفساد.

وتابع الشلّاف: “فصلنا 500 عنصر من الشرطة الحرّة بسبب عمليات فساد، وجمّدنا عمل مراكز بأكملها ومنعنا التعذيب لانتزاع المعلومات من المتهمين، إضافة لوضع هيكلية رقابية لا تسمح للشرطي بأي عملية فساد”، معتبراً أن الفساد داخل سلك الشرطة الحرّة انخفض بنسبة 80%.

ساهم وعي المواطنين في المناطق المحرّرة في كبح عمليات الفساد وتخفيض مستوى الجريمة إلى أدنى حدٍّ في هذه المناطق، وهو ما ساعد الشرطة الحرة في عملها

وركّز الشلّاف على “وعي المواطنين في المناطق المحرّرة”، الذي ساهم أكثر في كبح عمليات الفساد وتخفيض مستوى الجريمة إلى أدنى حدٍّ في هذه المناطق. مشيراً إلى أن النسبة الأكبر من الجرائم تركّزت على السرقة والقتل والتصفية من خلايا تابعة للنظام أو تنظيم داعش، لكنه كشف عن وجود حالات تصفية بين الفصائل، إلا أن الشرطة لا تستطيع التدخّل بهذه الظاهرة.

 

تحدّيات

يقول ضابط في شرطة حلب الحرة لـ “صدى الشام”: “إن الشرطة لديها حالياً مركز واحد في حي الشعار، لكنها لم تتمكّن من فتح مخافر داخل مدينة حلب والعمل بحرّية بسبب رفض بعض الفصائل لوجودها هناك”، مشيراً إلى أن النسبة الأكبر من الفصائل تدعم الشرطة الحرّة في عملها بسبب المهنية في العمل الشرطي، بخلاف باقي المؤسسات الشرطية.

وكان قد افتُتح في سوريا منذ بدء الثورة عدد من المؤسسات الشرطية، لكنها لم تتمكّن من متابعة عملها، وأبرزها بحسب ما رصدت “صدى الشام”، أمن الثورة والشرطة العسكرية وأمن الطرق وغيرها من المؤسسات الشرطية.

ويعود تلاشي هذه المؤسسات لغياب المهنية في العمل الشرطي والقضائي، من خلال ضبط المناطق والوصول إلى المتهمين والتخابر وانتزاع المعلومات ليعترف المتهمين، ومحاكمتهم وفق قوانين محدّدة.

تعرّضت الشرطة الحرة لكثيرٍ من الضغوطات بهدف تغيير اسمها إلى “الشرطة الإسلامية”، لكنها رفضت ذلك لأنه تحمل الاسم العالمي “شرطة”، وتحكم بشكل علمي بموجب قوانين

يبيّن العميد أديب الشلّاف أن الشرطة الحرة تعرّضت لكثيرٍ من الضغوطات بهدف تغيير اسمها إلى “الشرطة الإسلامية”، لكنها رفضت ذلك لأنه تحمل الاسم العالمي “شرطة”، وتحكم بشكل علمي بموجب قوانين. وبيّن أن ثمّة عدة مؤسسات حاولت الهيمنة على المؤسسة وأبرزها “الحكومة السورية المؤقتة” السابقة، التي “حاولت إتباع مؤسسة الشرطة الحرة لها بعد النجاحات التي حقّقتها”، مشيراً إلى أنه يجري تنسيق مع الحكومة الحالية للتعاون وتوسيع دائرة المؤسّسة.

وذكر الشلّاف أن أبرز الصعوبات التي تواجه الشرطة الحرة، تتمثّل بالاستهداف اليومي من الطيران الحربي للعناصر والمقرّات، إضافةً لعدم وجود قضاء موحّد، والعمل المؤسّساتي في بيئة غير جاهزة لعمل المؤسّسات.

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]