سوريون يذوقون المرّ لتسجيل أطفالهم
29 سبتمبر، 2016
ولادة طفل فرحة غير مكتملة بالنسبة الى النازحين السوريين في لبنان، فالزغاريد التي تعلو من المحيطين بأهل الطفل لا تخفي القلق الكبير من الأيام المقبلة، وما ستحمله لهذا المولود الذي يمكن أن يكون ضحية جديدة للحرب في بلاده، فيتحمّل وزرها طيلة أيام حياته، لأنّ أهله وبسبب ظروفهم القاسية لم يستطيعوا أن يؤمّنوا له حقّه البديهي بأوراق ثبوتية تتيح له في مرحلة لاحقة الدخول إلى المدرسة أو حتى المستشفى ومن بعدها الزواج والمعاملات التي تتطلّب أوراقاً رسمية، فهو سيكون طفلاً من دون حقوق. ووفق المفوضية العليا للاجئين، وصل عدد الأطفال السوريين المولودين في لبنان وهم بلا وثيقة ولادة إلى 42 ألف طفل في العام 2015، والرقم إلى تزايد من دون شك لأنّ الظروف الصعبة لا تزال ذاتها، والنازح يعيش معركة وجودية يومية.
عوائق
السؤال البديهي الذي يطرح في هذه القضية، لماذا لا يستطيع السوريون تسجيل أطفالهم والاستحصال على وثائق الولادة في طريقة منظمة وسلسة في لبنان؟ وعند البحث عن جواب، يتضح أنّ هناك عشرات الأسباب التي تحول دون ذلك وفق وضع كلّ عائلة. فحيدر، وهو أب للطفلة ياسمينة المولودة منذ خمسة أشهر، لم يستطع تسجيلها بعد بسبب عدم استحصاله على وثيقة زواج، أي المستند الأبرز الذي يحتاجه النازح لتسجيل ولادة طفله لدى السلطات اللبنانية، بعدما تزوّج في لبنان بعقد غير مسجّل رسمياً لافتقاده ورقة إثبات المذهب المطلوبة والكلفة التي لا يستطيع تكبّدها للمرور بالإجراءات القانونية. أمّا باسم الذي يكافح يومياً لتأمين لقمة العيش لعائلته بالخفي عن الأنظار، فلديه ولدان غير مسجّلين. يبلغ طفله الأول من العمر ثلاث سنوات ومولوده الجديد أتمّ الشهرين فقط. ويصعب عليه أن يستحصل لهما على أوراق ثبوتية بسبب عدم قدرته على تجديد الإقامة التي تبلغ كلفتها 200 دولار سنوياً، ما يجعل من إقامته غير شرعية في لبنان.
وكلّما غصنا في مجتمع النازحين، تبيّنت عوائق أخرى عدة تحول دون تسجيلهم مواليدهم الجدد، ومنها الخوف من التوجّه إلى السفارة السورية حيث يجب تسجيل وثيقة الولادة وختمها لأسباب سياسية، إلا أنّ الوثائق المفقودة تبقى هي العثرة الأساسية أمام حماية الأطفال من أن يصبحوا بلا إثبات هوية.
مهلة سنة… وإلا
عائق آخر يواجهه النازحون السوريون في لبنان لناحية تسجيل أطفالهم، وهو مشكلة «السنة الواحدة». فكما تشرح المساعدة الاجتماعية ليال كريم التي تنشط مع الجمعيات الأهلية لدعم النازحين ومساعدتهم على تحسين أوضاعهم المعيشية والقانونية، هناك مهلة سنة واحدة أمام الأهل لتسجيل مولودهم. بعدها يتطلّب الأمر تقديم دعوى قضائية لاستكمال تسجيل الولادة، علماً أنّ هذه الإجراءات معقّدة وعالية الكلفة وتتطلّب وقتاً كثيراً. وللتسجيل، هناك 5 خطوات يجب الالتزام بها، وفق مفوضية الأمم المتحدة للاجئين: أولاً، الحصول على شهادة ولادة لبنانية للطفل من طبيب مرخّص أو قابلة قانونية. ثانياً، الحصول على وثيقة ولادة صادرة عن أحد مخاتير المنطقة حيث ولد الطفل. أما الخطوة الثالثة فتكون بتسجيل وثيقة الولادة في دائرة النفوس على مستوى القضاء ولدى دائرة وقوعات الأجانب التابعة لدائرة الأحوال الشخصية على مستوى المحافظة. الخطوة الرابعة تكون بتسجيل وثيقة الولادة وختمها لدى وزارة الشؤون الخارجية، ثم لدى السفارة السورية في لبنان.
والمهمّ أنّ الخطوات الثلاث الأولى يجب إتمامها خلال سنة واحدة، وبعدها يمكن استكمال الخطوتين الأخيرتين، لكن مع لفت النظر إلى أنّ الخطوة الرابعة تتطلّب إقامة صالحة في لبنان، وهنا تشير كريم إلى تقرير أصدرته منظمة «هيومن رايتس ووتش» في كانون الثاني (يناير) الماضي، حمل عنوان «أريد فقط أن أعامل كإنسانة» وتضمّن مقابلات أجريت مع 40 لاجئاً ولاجئة لعرض تجربة إقامتهم في لبنان، حيث تبيّن أنّ شخصين فقط من النازحين الـ40 استطاعا أن يجدّدا إقامتهما اعتماداً على وثائقهما الصادرة عن مفوضية اللاجئين، واثنين آخرين من خلال كفيليهما بعد أن رُفض التجديد لهما اعتماداً على وثائق مفوضية اللاجئين. لذلك، تعتبر الإقامة غير الشرعية من أبرز المشكلات التي تواجه السوريين.
وتلفت كريم أخيراً، إلى أنّ المضاعفات الناتجة من عدم تسجيل الطفل كثيرة، فهناك احتمال كبير ألا يتمّ الاعتراف به على أنّه مواطن سوري، فلا يحصل على وثائق ثبوتية سورية. كما أنّ الأهل لن يتمكّنوا من إثبات أنّهم ذوو الطفل. ليس ذلك فقط، بل وفقاً للقانون اللبناني، من غير المسموح للوالدين عبور الحدود إلى سورية مع الطفل إذا لم تكن لديه وثيقة ولادة صادرة في لبنان. لذا يجب على الأهل مواجهة المعضلات وطلب المساعدة القانونية من الجهات المختصة، في مقدمها مفوضية الأمم المتحدة للاجئين والمنظمات المساعدة لها لحماية طفلهم من الضياع وحرمانه حقوقه بسبب الإجراءات القانونية.
[sociallocker] [/sociallocker]