سبعينيٌّ نجا من قصف حلب.. فهل ينجو من سموم الخبز المتعفن؟


unnamed-2

ماجد عبد النور: المصدر

يشتد الحصار على مدينة حلب، وتشتد معه المعاناة الإنسانية الكبيرة، لتطفو على السطح قصص مأساوية مروعة، كنا نقرأ عنها في كتب الأوهام، لتصبح حقيقة مرة يعيشها أهل حلب، في القرن الحادي والعشرين، مع عالم يتشدق بالإنسانية وحقوق الإنسان.

العم “أبو عبدو”، رجل سبعيني، من سكان حي الشعار بحلب، طوى الدهر من عمره الكثير، ولم يكن يتخيل أن يعيش هذه المأساة المروعة في يوم ما.

الناشط الثوري “عبد الحميد البكري” من حلب، الذي يقطن بجوار العم “أبو عبدو” في حلب، يروي لـ “المصدر” قصة هذا الرجل المسن، بحرقة وقهر ممزوج بالدمع.

أعرف العم أبو عبدو منذ زمن طويل، وأعلم بأنه يسكن لوحده في منزله، قبل الحصار دائماً ما كنت أراه يجلس أمام البيت الذي لم يغادره أبداً منذ بداية الثورة، ويصر على التمسك بالأرض ورفض الهجرة، ومع اشتداد الحصار على مدينة حلب، ضاقت بنا سبل المعيشة، وأصبح الناس في وضع قاسٍ جداً، والتفتت كل عائلة أو فرد للبحث عمّا يسد رمقها بعيداً عن التفكير في الآخرين، ليست الأنانية، ولكن مهما وصفت الحال لن أوصل الصورة.

منذ عدة أيام تذكرت “أبو عبدو” جاري المسن، دخلت بيته لأتفقده، وإذا به يجلس وحيداً وبجانبه كسرات خبز يابس أصابها العفن بشكل كبير، حتى بدت الطبقة الخضراء فوق الخبز واضحة، سلمت عليه وسألته عن صحته وأحواله، أجابني بزفره طويلة، الحمد لله، سألته عن الخبز أتأكله وهو عفن؟ قال نعم، وماذا أفعل، لقد سبب لي ألماً في معدتي منذ المساء وإلى الآن مازالت تؤلمني.

ولكن لا حل آخر، منذ ثلاثة أيام وأنا أذهب كل يوم لباب الحديد وأمشي مسافة خمسة كيلومترات، وأنا رجل مسن ومرهق، كي أحصل على الخبز، ولم أستطع، ما عساي أفعل؟ سآكله إن كان به سما”، دمعت عينا العم “أبو عبدو”، وقال بحرقة القلب وباللهجة الحلبية: “يا الله، حلب اللي كان العالم كله يجي لعنا حتى ياكل أكلنا، هلق يصير فينا هيك؟ حلب تجوع وناكل خبز معفن؟ حسبنا الله ونعم الوكيل”.

تركته وذهبت كي أؤمن له بعض الخبز، وبعد جهد طويل استطعت تأمين رغيفين له، ولكن إلى متى سيبقى يأكل منهما! وكم من مثل أبو عبدو الآن في حلب، هذه قصة جاري؟ ماذا لو انتقلت إلى الجار الآخر أو الحي الآخر، إنها قصص تشيب منها الولدان، حلب مأساة لا يمكن أن تعبر عنها ولو ألفت المجلدات، لا الجوع وحده ما نعاني، إنه آخر ما نفكر فيه، القصف والمجازر لا تنتهي، لقد أحرق الروس حلب وإن أكثر شيء يخافه أهل المدينة هو الإصابة، من يموت يرتاح، أما المصاب فيموت ألف ميتة كل يوم، لا دواء لازم ولا معدات طبية ولا أطباء مختصين، وأي إصابة بليغة مصيرها البتر، هذا ما نخافه ونخشاه، لا الجوع ولا الموت ولا غيره.

ويختم الناشط “عبد الحميد البكري” حديثه قائلاً: “مرت علينا خمس سنوات وكل سنة نقول هي الأصعب، ولكن لا أظن أن نصل لأصعب مما نحن فيه الآن، نجلس بجانب الجريح وننتظره كي يموت، ونقف عاجزين أمام صرخة طفل يحتاج للحليب، أو جائع يحتاج الطعام، ما يحصل الآن لم أقرأه في كتب التاريخ، حلب مأساة العصر، لقد تركونا نواجه المصير لوحدنا، إما الموت بالبارود أو الموت بسلاح الجوع، وهما خياران أحلاهما مر”.



المصدر