عام الاحتلال الروسي لسورية: مجازر وتعقيد ميداني وتقويض للحل


في الساعات الأولى من صباح الثلاثين من سبتمبر/أيلول 2015 تعرضت مناطق تسيطر عليها المعارضة السورية في ريفي حمص وحماة الشماليين لقصفٍ جوي، لكنه كان مختلفاً تماماً عن كل الغارات التي شهدتها هذه المناطق طوال الأشهر الماضية، إذ إن الطائرات الحربية الروسية التي كانت موسكو نقلتها لسورية خلال ذلك الشهر، بدأت بتنفيذ أولى هجماتها، لتشكل بداية التدخل العسكري الروسي المباشر في سورية بعدما كانت موسكو قد اختارت من اللحظة الأولى لاندلاع الثورة السورية الوقوف إلى جانب النظام السوري والتغطية على جميع جرائمه ضد شعبه. أما توقيت بدء التدخل في 30 سبتمبر 2015 فلا يمكن فصله بشكل أساسي عن حالة الوهن التي أصابت قوات النظام والمليشيات المحلية والأجنبية التي تقاتل إلى جانبه ورغبة موسكو في الحيلولة دون تحوله إلى انهيار ميداني كامل، وهو ما أظهرته مجريات الأحداث الميدانية تباعاً.

وخلال عام كامل من الاحتلال لسورية، واصلت روسيا انغماسها في الميدان السوري متخذة من شعار “محاربة الإرهاب” ذريعة، في الوقت الذي كانت مجريات الأوضاع الميدانية تثبت أن تدخلها منحصر في تقديم المزيد من الدعم للنظام السوري ورفع أعداد المجازر التي ترتكب بحق المدنيين من خلال الغارات التي ينفذها الطيران السوري والروسي، والتي ترتكب في الفترة الأخيرة على حلب التي تحوّلت إلى “مسلخ” للسوريين على يد موسكو ونظام بشار الأسد، على حد وصف الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون. وعَمَّدت روسيا تدخّلها في سورية، بعد عام من بدء احتلالها للبلاد، بدماء آلاف السوريين، لدعم النظام وتحقيق أهداف خاصة، تمكنت من تحقيق بعضها لتحولها إلى “مكتسبات” لها، وفشلت في أخرى، فيما بات عنوان محاربة “الإرهاب” مجرد واجهة لاستمرار هذا الاحتلال، إذ تظهر المعطيات أن تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) لم يخسر جراء الضربات الروسية سوى مدينة تدمر، ليبقى السوريون الخاسر الأكبر من هذا التدخّل.

ومنذ اللحظة الأولى لبداية التدخل العسكري المباشر، اختارت موسكو التركيز على استخدام قوتها الجوية لفرض معادلات ميدانية جديدة واستثمارها سياسياً.

وبالفعل ساعدت هذه الغارات قوات النظام والمليشيات المساندة له، على استرجاع مناطق كانت قد خسرتها منذ أكثر من ثلاث سنوات، وغيّرت معادلة القوى على الأرض، فتبدلت خارطة السيطرة في بعض المناطق، كما شهدت الأشهر الاثنا عشر المنقضية، معارك ضارية في محافظات عدة، وزادت حصيلة الضحايا مع دخول أسلحةٍ أكثر تطوراً لم يسبق أن استُخدمت في سورية.
بموازاة ما يدور في الميدان، سارعت القوى الإقليمية والدولية الكبرى المعنية بالشأن السوري، لعقد اجتماعات بحثت فيها إنعاش المفاوضات، في فيينا 1 و2 و3، وما تلاها من اجتماعٍ لمجلس الأمن في نيويورك، أصدر فيه القرار 2254، لتنعقد جولة “مشاورات” في “جنيف 3” أخفقت مجدداً في إحداث خرقٍ يُنضج مسار حلٍ سياسيٍ، ما زال متعثراً حتى اليوم.
وبات واضحاً أن مرور عام على التدخل العسكري الروسي المباشر في سورية كان له تأثيرات على مختلف الأطراف.

مكاسب وخسائر روسيا
اتخذت روسيا قرار التدخل المباشر العسكري في سورية مدفوعة بعوامل عديدة أبرزها جيوسياسية وأمنية واقتصادية، لكن توقيت التدخل الذي لم يغب أساساً منذ عام 2011، وأصبح عسكرياً مباشراً في سبتمبر/أيلول 2015، جاء في نهاية الربع الثالث من سنة 2015، التي تلقى فيها النظام هزائم عسكرية كبيرة، تمثلت بخسارته لمعاقله الهامة في محافظة إدلب، ووصول معاركه مع الفصائل المنضوية بـ”جيش الفتح” للمرة الأولى إلى سهل الغاب في ريف حماة الشمالي الغربي، حيث أحد أبرز معاقل حاضنة النظام الشعبية. كما كانت جبهات الجنوب في محافظة درعا قد شهدت تقدماتٍ متتابعة لفصائل المعارضة السورية، تمثّلت بالسيطرة على كامل مدينة الشيخ مسكين شمالي درعا، ومعبر نصيب الحدودي مع الأردن، ثم مدينة بصرى الشام واللواء 52، وأعلن لاحقاً في منتصف السنة عن بدء معركة “عاصفة الجنوب” التي تعثرت في تحقيق هدفها بالسيطرة على مركز المحافظة.

وسط هذه الأجواء التي طغت فيها سياسة القوة، وصلت القوات الروسية إلى سورية، إذ نقلت روسيا أكثر من خمسة آلاف فردٍ ما بين جنود وضباطٍ وغيرهم، مع نحو ثلاثين طائرة حربية “ميغ 31″ و”سوخوي 25-30-35” إضافة إلى طائرات استطلاعٍ ومروحيات أخرى من طراز “ميل-مي 24″ إلى ما كان يُعرف بـ”مطار باسل الأسد” جنوبي اللاذقية، وبات من حينها يُدعى بـ”قاعدة حميميم الجوية” الروسية.

وحققت روسيا، منذ تدخّلها العسكري المباشر في سورية، أهدافاً عدة على المستوى الدولي، ولعل أبرزها إثبات النفس مجدداً على الساحة الدولية مع رخاوةٍ أميركية حيال الملف السوري تحديداً، وإمساكها بإحكامٍ لهذا الملف الذي بات ورقة تفاوضية حول ملفات أخرى (أوكرانيا والقرم على سبيل المثال) وتموضعها في منطقة تمكّنها من التحكّم بمستقبل خطوط الطاقة من نفط وغاز.

كما استطاعت روسيا أن تفرض نفسها طرفاً أساسياً في أي تفاهم حول الحل في سورية، إذ أمسكت بخيوطٍ أساسية ضمن منظومة القوى القائمة، بعد تدخلها الذي أنعش قوات النظام السوري والمليشيات المساندة له. كما استطاعت روسيا الحفاظ على منفذها إلى البحر المتوسط من خلال السواحل السورية، وأسست لأول مرة قاعدة جوية قد تكون دائمة في الشرق الأوسط.

كذلك فإن روسيا حوّلت سورية إلى ساحة اختبار لأسلحتها الجديدة، وهو ما بدا واضحاً في كلام للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 17 مارس/آذار الماضي، حين قال، أمام جنودٍ روس عادوا من سورية، إن “الأسلحة الروسية المتطورة اجتازت امتحاناً جيداً في سورية، وهذا الامتحان لم يكن في ميادين تدريبية وساعدنا في معرفة نوع الأسلحة الجديدة التي نحتاجها”. كما أن روسيا وبتدخّلها في سورية، قلّصت إلى حد كبير الدور الإيراني الذي كان مستفرداً من خلال مليشياته على الأرض بمساندة قوات النظام.

وتمكنت روسيا أيضاً من تحقيق هدف أساسي لها، إذ استنزفت فصائل المعارضة العسكرية من خلال القصف الجوي وفتح جبهاتٍ متعددة في آن معاً، وأضعفت وحدة صفها، من خلال “المصالحات” التي حاول تشجيعها “مركز حميميم”، التي وإن لم تنجح بالضرورة، لكنها عمّقت الشرخ بين المتنازعين ضمن الصف الواحد. كما عملت السياسة الروسية على دعمِ منصاتٍ معينة للمعارضة، وإنشاء أخرى (حميميم، الأستانة، القاهرة، موسكو).

كما أن إقامة روسية لعلاقاتٍ داخل سورية لم تقتصر على النظام فحسب، وتعدّته إلى جماعاتٍ لا تحاربها كالوحدات الكردية، ما منحها هامشاً إضافياً للمناورة إقليمياً، وباتت تؤدي أحياناً دور الوسيط بين هذه الأطراف التي تخطب ودها. وقد رعت في أغسطس/آب الماضي، اتفاق تهدئة بين النظام والوحدات الكردية إثر الخلاف الذي نشب بينهما في الحسكة.

في المقابل، رتّب دخول الحرب السورية على روسيا خسائر عدة وكاد أن يكون تدهور العلاقات مع تركيا، إثر إسقاط الأخيرة لطائرة حربية روسية قرب الحدود السورية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، واحداً من أكبر التبعات سلباً على روسيا بعد تدخّلها في سورية، لكن الدولتين أعادتا تطبيع العلاقات قبل أسابيع، لتنفرج الأزمة بينهما. ويمكن تلخيص أبرز الخسائر الروسية بأربع نقاطٍ أساسية:

1- عمّقت مشاهد جثث آلاف المدنيين (الأطفال والنساء والرجال) الذين قتلتهم الغارات، والتي تُعرض عبر مختلف وسائل الإعلام العالمية، من صورة موسكو غير الناصعة أساساً على الصعيد الإنساني أمام الرأي العام العربي والغربي.

2- ارتفعت حدة التصريحات الغربية ضد روسيا، واستُخدمت الأسبوع الماضي عبارات من قبيل “روسيا شريكة للنظام بجرائم حرب”، إذ قال الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، في بيانٍ صحافي خلال حديثه عن الوضع في حلب قبل أيام، إن “القانون الدولي واضح، فالاستخدام المُنتظم للسلاح عشوائياً في منطقة مكتظة بالسكان هو جريمة حرب”. بدوره، قال المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا خلال جلسة لمجلس الأمن حول حلب، إن “جرائم حرب ترتكب في حلب وعمال الإغاثة عاجزون عن انتشال الضحايا بحلب، ولا قدرة لنا على حصر الضربات الجوية”.

3- بالتزامن مع عدم مرور الوضع الاقتصادي الروسي بأفضل حالاته، فإن كلفة آلاف الضربات الجوية التي نُفذت في سورية، ونقل معداتٍ وآلياتٍ عسكرية وجنود للمشاركة في المعارك هناك، تحول إلى عامل إضافي يُرهق الوضع الاقتصادي لموسكو.

4- إذا كان من الصعوبة بمكان، الحصول على أرقام دقيقة ومحددة، لعدد الجنود الروس الذين قُتلوا في سورية خلال السنة الماضية، فما هو مؤكد ورسمي، أن الجيش الروسي فَقَدَ عدداً من جنوده وضباطه، أولهم ما اعترفت به وزارة الدفاع الروسية، في السابع والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وهو جندي قالت الوزارة إنه مات “منتحراً” في اللاذقية، وآخرهم خمسة عسكريين قُتلوا في الأول من أغسطس/آب الماضي، عندما تحطمت مروحيتهم العسكرية في منطقة رملية تابعة لبلدة أبو الظهور في ريف سراقب شرقي محافظة إدلب.

النظام… خَسِرَ من حيث كسب
بعد مضي أسبوعٍ واحد على بدء الغارات الروسية في سورية، ومساء يوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2015، عرضت قناة “روسيا اليوم” في تقريرٍ من مدينة اللاذقية، آراء عينةٍ ممن التقتهم مراسلة القناة التابعة للحكومة في موسكو، ولخص أحد المتحاورين موقف حاضنة النظام حينها، بـ”كنا مرهقين قبل مجيء الروس، والآن هناك راحة نفسية بدأت مع وصول الطائرات الروسية للمطار (حميميم)”، وأضاف آخر، إن “بوعلي بوتين لا مثيل له، وهو محسوب كسوري”.

وإذا كان من المعلوم، بأن لقب “أبو علي” يُستخدم شعبياً في بلاد الشام، للدلالة على الشاب الفتي الجسور، فقد اجتاحت موجة “أبو علي بوتين” حاضنة النظام الشعبية، وارتفعت صوره في شوارع دمشق واللاذقية، وضجت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي التي يديرها مؤيدون للنظام السوري بعبارات الثناء والمدح لروسيا، خصوصاً أن وزير خارجية النظام وليد المعلم، كان قد صرح قبل ذلك بنحو أسبوعين لقناةٍ روسية، بأن التدخل العسكري الروسي “سيقلب الطاولة على من تآمر على سورية”.

وعلى الرغم من أن هذه القوة الجديدة التي دخلت على الأرض في سورية، لم تقلب الطاولة كلياً لصالح محور النظام، ولكن الأخير استفاد منها، إذ خدمته في ثلاثة جوانب على الأقل:
1- أوقفت الغارات الروسية تقدّم المعارضة المسلحة حينها، ودفعت قوات النظام، مستفيدةً من الغطاء الجوي الروسي، وبالحالة المعنوية المرتفعة بعد إحباط، للانتقال من الدفاع إلى الهجوم في مناطق عدة، خصوصاً في ريف اللاذقية الشمالي الذي استعاد النظام معظم معاقل المعارضة فيه بعد سنوات من خسارته، وكذلك حقق تقدماً كبيراً بريفي حلب الشمالي والجنوبي، وشمالي درعا (الشيخ مسكين ثم عتمان تحديداً).

2- أثر التدخل الروسي والمحادثات السياسية والاتفاقات الأمنية مع قوى الإقليم ودول الجوار، على تقطير الدعم للمعارضة السورية في مناطق، وتجميد المعارك في جبهات أخرى، أبرزها جبهات الجنوب في درعا، وهو ما أراح النظام وأتاح له تركيز ثقله العسكري ونقل المعارك لجبهاتٍ يعتبرها أكثر أهمية، لا سيما في ريف دمشق، الذي نجح فيه بقضم القطاع الجنوبي للغوطة الشرقية، وبعدها إغلاق ملف داريا غداة إخضاعها باتفاقية أفضت لخروج مقاتليها بسلاحهم الفردي إلى إدلب شمالي البلاد.

3- كسب النظام من خلال نجاحه باستقدام الروس، بربط مساره ومصيره السياسي بمصالح دولة عظمى، فيما عزز بذلك لعبة التوازن على الهوامش، في تباين المصالح الروسية-الإيرانية الآنية والمستقبلية (بينها ملفات إعادة الإعمار وثروات الطاقة) في سورية.

لكن في الوقت نفسه، فإن حضور الروس إلى سورية عسكرياً، سحب جزءاً هاماً من استقلالية قرار النظام، وعاد عليه بخسائر عديدة، إذ باتت القيادة السياسية الروسية وقاعدة حميميم العسكرية، بمثابة الآمر الناهي على الصعيدين السياسي والعسكري في سورية أكثر من أي وقت مضى، وفَقَد النظام جزءاً كبيراً من السيادة على صعيد المفاوضات، وتجسد ذلك من خلال تصريحات روسية عدة، يُذكر منها، ما قاله مندوب روسيا الدائم في مجلس الأمن فيتالي تشوركين، خلال تصريحات صحافية له في 18 فبراير/شباط الماضي، من أن حديث رئيس النظام السوري بشار الأسد، حول عزمه مواصلة القتال حتى استعادة السيطرة على كامل الأراضي السورية، يسيء إلى الجهود الدبلوماسية والسياسية والعسكرية الروسية في سورية.

كما أن الإعلان المفاجئ لروسيا منتصف مارس/آذار الماضي، عن سحب جزء من قواتها المتواجدة في سورية عشية جولة مفاوضات كانت مقررة في جنيف، جاء بمثابة تأكيدٍ من موسكو على قدرتها في التحكم بمسار العملية السياسية، فيما لو خالف النظام الرؤى الروسية.

كذلك تصدعت إمكانات النظام في مستويات عدة، وازدادت عزلته السياسية، ومع امتلاك روسيا للقرارات الكبرى في سورية، فقد النظام الدور الذي كان يؤديه في المنطقة، إذ كان يعتبر نفسه مدخلاً للتسويات والمشاريع لا يمكن تجاوزه، وبات مع تطور الأوضاع واحداً من مجموعة القوى التي تحارب على الأرض بوصاية ودعمٍ خارجي. واهتزت صورة النظام الذي يولي للمظاهر والبروتوكولات أهمية كبرى، خصوصاً مع تعمد الروس لذلك على ما يبدو، وتجلى ذلك بمناسبات عدة، لعل أهمها زيارة الأسد إلى موسكو (وهو الظهور المعلن الوحيد للأسد خارج البلاد منذ مارس/آذار 2011)، إذ ظهر وحيداً دون وفدٍ يرافقه، مقابل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ووزير الدفاع سيرغي شويغو.

تعزيز خطاب “داعش”
نهار الخميس، الخامس من مايو/أيار الماضي، خاطب بوتين عبر دائرة تلفزيونية، جمهوراً متواجداً على مدرجات مسرح مدينة تدمر شرقي سورية، إذ إن أوركسترا “مارينسكي” السيمفونية الروسية أقامت حفلاً موسيقياً هناك، وأرادت روسيا من خلاله تسليط الضوء على إنجازها بطرد تنظيم “داعش” من هذه المدينة ذات الرمزية التاريخية، والمدرجة على قائمة مواقع التراث العالمي لمنظمة “اليونيسكو”.

فروسيا التي دخلت إلى سورية أساساً من بوابة “محاربة الإرهاب”، والقضاء على تنظيم “داعش” في معاقله الأساسية، ركزت منذ اليوم الأول، عملياتها العسكرية في سورية ضد مناطق سيطرة المعارضة السورية المسلحة، فيما بقيت مناطق سيطرة التنظيم، بمأمن عن فاعلية الغارات الروسية التي كانت تستهدفه بين فينة وأخرى. ولكن التنظيم بالمحصلة لم يخسر جراء الضربات الروسية سوى مدينة تدمر، فيما كانت خسائره الأخرى، خصوصاً شرقي حلب وجنوبي الحسكة، خلال معارك مع “قوات سورية الديمقراطية” المدعومة أميركياً، إذ كان طيران التحالف الدولي، يؤمن لها الغطاء الجوي في تلك المواجهات.
وبغض النظر عن مدى تأثر “داعش” بالغارات الروسية، فإن “تمدّد” التنظيم، كان قد بدأ بالتقلص، قبل وبالتوازي مع الغارات الروسية، وبقيت تدمر استثناءً أرادت روسيا من خلاله الإظهار للعالم أنها تبذل جهوداً لمحاربة التنظيم.

ويقول خبير الجماعات الجهادية عبد الرحمن الحاج، في حديث لـ”العربي الجديد”، إن “تنظيم داعش لم يتعرض لخسائر ذات قيمة خلال العمليات العسكرية الروسية في السنة الماضية، والخسارة الوحيدة له تمثلت في تدمر التي أراد الروس الاستثمار فيها لأبعد مدى، كونها مدينة ذات رمزية عالمية”.
ويرى الحاج، وهو عضو الأمانة العامة لـ”المجلس الوطني السوري”، أن التنظيم “استفاد من التدخل الروسي، إذ عزز خطابه الإيديولوجي، خصوصاً أن الكنيسة الروسية استخدمت في دعمها للعمليات الروسية في سورية عبارة الحرب المقدسة”، وهو ما “زاد من قدرة التنظيم على تجنيد المقاتلين من البلدان المسلمة التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفييتي خصوصاً، ومن الدول الغربية بشكل عام”.

السوريون أكبر الخاسرين
إذا كان لكل طرفٍ في منظومة الحرب الدائرة ما جناه وما خسره من التدخل الروسي المباشر، فإن مجموع “قوى الثورة والمعارضة السورية” بشقيها السياسي والعسكري، كانت أكبر الخاسرين في السنة المنتهية، جراء التدخل الروسي. فعلى الرغم من أنها خاضت معارك ضارية، خصوصاً في ريفي حماة وحمص الشماليين، وأبطلت مفاعيل التدخل الروسي خلال الأسابيع الأولى له، إلا أنه بالمحصلة، قد أضيف لقائمة أعدائها خصمٌ عتيد، وباتت وجهاً لوجه مع دولة عظمى. ويتلخص أبرز ما تأثرت به المعارضة سلباً من التدخل الروسي في النقاط التالية:

1- خسرت مناطق جغرافية واسعة، أبرزها ريف اللاذقية الشمالي، ومناطق هامة بريفي حلب الجنوبي والشمالي، وتقلصت مناطق سيطرتها كذلك جنوبي البلاد، وفي محيط العاصمة دمشق، كما أنها وجدت نفسها في زاوية حادة حيال قضية فصل مناطق سيطرتها عن مناطق تواجد ما كان يُعرف بـ”جبهة النصرة” التي غيرت اسمها إلى “جبهة فتح الشام”، بعد أن أعلنت فصل ارتباطها تنظيمياً بـ”القاعدة”.

2- استنزفت المعارك الكثيرة والمتزامنة، التي فتحها النظام بمساندة مليشياتٍ إيرانية وغيرها وبدعم جوي روسي، الفصائل المقاتلة للنظام من حيث الأسلحة والذخائر، لكن الخسارة الأبرز في هذا السياق، تتجلى بفقدان المعارضة السورية المسلحة للكثير من قادتها الميدانيين خلال تلك المواجهات.

3- عزز التدخل الروسي الشرخ بين فصائل غير منسجمة في المعارضة السورية، من خلال العمل على التقرب من بعض هذه الفصائل، ومحاولة عزل أخرى بتصنيفها على قائمة الإرهاب، خصوصاً حركة “أحرار الشام الإسلامية” و”جيش الإسلام”.

4- كما أن القصف الروسي للبلدات والقرى الواقعة في مناطق سيطرة المعارضة، والذي أوقع آلاف الضحايا المدنيين، صدّع في بعض المناطق الحاضنة الشعبية لفصائل المعارضة، بالتزامن مع عروضٍ من النظام وروسيا للمصالحات، ما زاد من الضغوط على المعارضة في تلك المناطق.

5- سياسياً انعكس الدعم الجديد والمباشر الذي قدّمته روسيا للنظام، سلباً على موقف المعارضة السياسية، التي رغم نجاحها بتشكيل “هيئة التفاوض العليا” واسعة الطيف، إلا أنها بالمحصلة باتت تواجه النظام الذي بفعل الوجود الروسي، زاد تمسكه برفض تقديم أي تنازلٍ في المفاوضات، فالدعم الروسي منح النظام إمكانية المناورة لتثبيت الأسد عبر “حكومة وحدة وطنية”، بعد أن كان التفاوض حول “هيئة حكم انتقالية” واسعة الصلاحيات، وتُصر المعارضة أن تكون من دون الأسد.

6- زادت الدبلوماسية الروسية من انقسام المعارضة السورية، عبر سعيها الحثيث لتعويم وخلق منصات معارضة أغلبها داخلية (حميميم، الأستانة، القاهرة)، مستغلة بذلك الثغرات التي أتاحها بيان “جنيف 1” الذي لم يُعرّف المعارضة السورية في نصه القابل للتأويل.

7- باتت المعارضة السورية ضمن منظومة القوى التي باتت قائمة منذ ما بعد 30 سبتمبر/أيلول سنة 2015، تُدرج في الصفقات الدولية والإقليمية التي أبرمتها موسكو مع بعض الدول من داعمي المعارضة، ما قوض هامش حركة المعارضة سياسياً وعسكرياً.

كما أن التدخل العسكري الروسي المباشر في سورية، عزز الصراع المُعقد في البلاد، وقوّضَ فرص حلٍ سياسيٍ، تؤكد الدول المعنية سعيها لتحقيقه في البلاد، مع مضاعفته للشرخ الحاصل في البنية المجتمعية السورية المهشمة أساساً، بفعل الحرب المستمرة منذ أكثر من خمس سنوات.

كما أدى تصاعد العمليات العسكرية التي دخلت إليها أسلحة متطورة، مع القصف الجوي والصاروخي المتواصل، إلى تزايدٍ غير مسبوق في أعداد الضحايا المدنيين القاطنين ضمن المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، الذي كسب كما خسر مع الأطراف الأخرى جراء التدخل الروسي المباشر، وبقي السوريون بمجموعهم، هم الخاسر الأكبر.



المصدر