on
عام على الحرب الروسية بسورية… لا نهاية في الأفق
بعد مرور عام على بدء التدخل الروسي المباشر في سورية، في 30 سبتمبر/أيلول من العام الماضي، في أول عملية عسكرية تنفذها موسكو خارج جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق منذ تفكّكه، عادت روسيا بقوة إلى الساحة الدولية، ولكن آفاق التسوية السياسية لا تزال بعيدة، كما يزداد الوضع على الأرض وفي المحافل الدولية تعقيداً.
وعلى الرغم من أن روسيا تمكنت من استبعاد احتمال إزاحة حليفها، بشار الأسد، بالقوة، وفرضت نفسها كقوة دولية لا يمكن تجاهلها، إلا أنها لم تتمكن من إنجاز عملية سريعة تحقق من خلالها أهدافها المعلنة. وخير دليل على ذلك تصريحات نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، الذي أكد عشية الذكرى الأولى لانطلاق العملية، أن روسيا كانت تتوقع أن تدوم العملية بضعة أشهر فقط، ولكن ليست هناك نهاية في الأفق بعد مرور عام.
في هذا الإطار، يرى نائب مدير مركز تحليل الاستراتيجيات والتكنولوجيا في موسكو، مكسيم شيبوفالينكو، أن “إطالة أمد العملية كانت أمراً متوقعاً، في ظلّ استحالة تحقيق نصر عسكري من الجو فقط”. وأضاف شيبوفالينكو في حديثٍ مع “العربي الجديد”، أنه “ليس بإمكان أية قوة، سواء روسيا أو الولايات المتحدة، تحقيق نصر عسكري من خلال عمليات جوية فقط، بينما أكدت روسيا أنها لن تشنّ عملية برية في سورية، مع العلم بأن المشكلة تكمن في ضعف الجيش السوري الذي تراجع عدد أفراده منذ بدء الحرب من أكثر من 300 ألف إلى حوالى 150 ألفا، و50 ألفا منهم فقط يشكلون نواته الصلبة”.
وحول النتائج الأساسية للعملية الروسية، لفت إلى أن “روسيا تمكنت من تعزيز وضع الجيش السوري والسلطة المركزية واستبعاد احتمال هزيمتها، وأرغمت الغرب على استئناف الحوار الذي توقف منذ بدء الأزمة الأوكرانية في عام 2014، وألحقت ضربة كبيرة بالتنظيمات الإرهابية الدولية، وذلك بأقل تكلفة مادية ممكنة وأقل الخسائر في الأرواح”.
وبحسب الأرقام المعلنة، فقد كلّفت المرحلة النشيطة من العملية العسكرية الروسية، التي امتدت حتى منتصف مارس/آذار الماضي، نحو نصف مليار دولار، وهو مبلغ لم يشكل أي عبء يذكر على الميزانية العسكرية الروسية لعام 2015 التي بلغت نحو 50 مليار دولار.
ولا تزيد هذه التكلفة بأية حال من الأحوال عن نفقات وزارة الدفاع الروسية على التدريبات العسكرية داخل البلاد، كما تمكنت روسيا من اختبار أحدث أسلحتها في ظروف القتال. ومن بين هذه الأسلحة، صواريخ “كاليبر” المجنحة وغواصة “روستوف نادونو” والقاذفات الاستراتيجية “تو-160” (البجعة البيضاء) وغيرها، كما تم نشر منظومة صواريخ “إس-400” بقاعدة حميميم، وهي تعتبر أحدث منظومة للدفاع الجوي في العالم. كما ذكرت صحيفة “كوميرسانت” الروسية في وقت سابق، أن اختبار الأسلحة الروسية في سورية جاء كـ”أفضل إعلان” لها، مشيرة إلى أن روسيا قد تجني عقود أسلحة جديدة بقيمة تصل إلى سبعة مليارات دولار.
وبحسب وزارة الدفاع الروسية، فقد بلغت الخسائر في الأرواح في صفوف القوات الروسية نحو 20 قتيلاً فقط، جميعهم من العسكريين المتعاقدين (المحترفين) وليس من أفراد الخدمة الإلزامية، وبذلك لم يتسبب الأمر في إثارة غضب داخل روسيا كما حدث خلال الحرب الشيشانية الأولى (1994 ـ 1996).
ولم تتورط روسيا في عملية برية واسعة النطاق، بل كان هناك حضور محدود لوحدات برية خاصة، وفق ما اعترف به قائد المجموعة العسكرية الروسية آنذاك الفريق أول ألكسندر دفورنيكوف في سورية، في مارس/آذار الماضي. مع ذلك، تحدثت تقارير إعلامية عن سقوط عشرات القتلى من أفراد شركة “فاغنر” العسكرية غير المسجلة (أي مرتزقة)، ولكنهم لا يتبعون للجيش الروسي، وبالتالي، “لا يفسدون” الإحصاءات الرسمية.
من جهته، رأى الأكاديمي والمعارض السوري المقيم في موسكو، محمود الحمزة، أن “التدخل الروسي في سورية أسفر عن إطالة عمر النظام وإبعاد الحل السياسي”. وأضاف الحمزة في حديثٍ مع”العربي الجديد”، أن “روسيا تدخلت في سورية لحماية نظام الأسد، لا لمكافحة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وتمكنت من إطالة عمر النظام، لأنه كان على حافة الانهيار قبل عام، ولكنه حقق بعض التقدم بفضل الدعم الروسي”.
وتابع “لكن من جانب آخر، أبعد التدخل الروسي الحل السياسي الذي لم يكن أصلاً في الأفق، لإصرار رأس النظام على الحل العسكري. مع أنه منذ عام 2011، تدعم روسيا النظام بكل ما تستطيع، ولكنها تريد تحقيق حل سياسي من خلال تدخلها العسكري، بينما يؤكد النظام أنه سيقاتل حتى النهاية”.
وحول مدى نجاح روسيا في تحقيق أهدافها المعلنة، نوّه الحمزة إلى أنه “حتى الخبراء الروس أنفسهم يعترفون بأن روسيا نجحت جزئياً فقط، بينما إرهاب داعش والنظام والمليشيات مستمر. ولم يختلف أداء الطيران الروسي عن الطيران الأميركي، لأن روسيا والولايات المتحدة لا تقاتلان داعش، بل تبحثان عن مصالحهما الجيوسياسية”.
وكانت العملية الجوية الروسية قد بدأت في سورية في 30 سبتمبر/أيلول 2015 بعد موافقة مجلس الاتحاد الروسي بالإجماع على طلب الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، استخدام القوات المسلحة الروسية بالخارج. وشهد العام الأول من العملية سلسلة من التطورات الدراماتيكية بدءاً من الأزمة في العلاقات الروسية التركية على خلفية حادثة إسقاط الطائرة الحربية الروسية في 24 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، مروراً بالاتفاق الروسي الأميركي على إقامة الهدنة وتكثيف الجهود الدبلوماسية واستئناف المحادثات السورية في جنيف ثم فشلها، وصولاً إلى التصعيد الأخير في حلب، وسط استمرار تبادل الأطراف الاتهامات بإفشال نظام وقف إطلاق النار.
المصدر