مثقفون فرنسيون: ما يجري في حلب عار على أوروبا والغرب


"أهالي حلب يدفعون اليوم ثمن أنانية العالم، وأنانية الغرب بشكل خاص"، هذا ما قاله "فرانسوا بورغا" المفكر والباحث الفرنسي في العلوم السياسية متحدثاً عما يحدث في حلب هذه الأيام، واتفق معه في ذلك عدد من المثقفين والسياسيين الفرنسيين.

"بورغا" مضى في حديثه قائلاً: "ما وصلنا إليه اليوم في حلب لا يدع مجالاً للشك في أن القراءات والسياسات التي اعتمدها المجتمع الدولي في سورية خاطئة، هناك ثورة في سورية ولكن العالم تجاهلها ولم يقدم لها أي دعم".

وفي رأي المفكر الفرنسي فإن "ما وقع هو أن الجهاديين الذين جاءوا نتيجة القمع الوحشي لنظام بشار الأسد للثورة السورية والمعارضة، استحوذوا على أنظار العالم وبشكل خاص على أنظار الغرب الذي لم يعد يرى في سورية سواهم، وتغاضى عن رؤية الثوار والشعب السوري".

ذهب "بورغا" أيضاً إلى أن "الغرب يتعامل اليوم مع سورية من منظور واحد، منظور أناني جداً تجاه القضية، يقرأون الوضع من زاوية مقاومة العدو الأوحد الذي هو الإرهاب والحركات الإرهابية مثل داعش، هذه الزاوية هي المحدد اليوم للاستراتيجية الغربية في سورية، والغرب لم يعد معني باستمرار الحرب من عدمه وغير معني بهذا الكم من القتل والدمار الذي نراه اليوم، هذه السياسة في حقيقة الأمر تعطي ضوءاً أخضرَ للروس وللأسد لمزيد من القتل".

وبحسب "بورغا": "الغربيون معنيون فقط بألا يكون هناك هجمات إرهابية على أراضيهم (..) أهالي حلب اليوم يدفعون ثمن الأنانية الغربية من أرواحهم ودمائهم (..)، ما يقع في حلب اليوم هو في الحقيقة من فعل بوتين والأسد بشكل مباشر، ولكن هو كذلك بفعل أوباما، وكل القوى الصامتة عن هذه المجزرة، وبفعلنا بشكل من الأشكال، لأننا صامتون".

من جهته مخرج الأفلام الوثائقية الفرنسي "كريستوف كوتري"، الذي سبق وأخرج فيلماً عن الثورة السورية عام 2013، يرى أن "بوتين وبشار يريدان الانتصار في هذه الحرب وبالنسبة لهم الغاية تبرر الوسيلة، هم يريدان انتصاراً أياً كان ثمنه، وإن كان الثمن هو إبادة مدينة، والقتل والتعذيب وتهجير شعب بأسره".

ويضيف "كوتري": "ما يفعلاه بشار وبوتين اليوم في حلب هو مشابه لما وقع في غروزني (في إشارة لما حدث في العاصمة الشيشانية على يد القوات الروسية عامي 1999-2000) من قبل هناك، هو تكتيك مبني على أمرين، الحصار والقصف، هذا التكتيك المراد به هو تجويع المحاصرين، إما أن يستسلموا أو أن يموتوا وهو ما سبق وأن وقع في حمص".

وفي نفس الاتجاه، ذهب الكاتب الفرنسي "جوان هوفنجل" في افتتاحية بعنوان "أين مثقفونا؟" في صحيفة "لبيراسيون" الفرنسية، قبل أيام، حيث يقول فيها إن "ما يقع في حلب هو سياسة متعمدة لقتل أكبر عدد ممكن من المدنيين والأطفال، الصور والشهادات التي نسمعها تقول إن الدمار الذي تشهده حلب اليوم تجاوز ما وقع في غروزني وسراييفو (بالبوسنة)، ولكن السؤال اليوم هو أين مثقفونا من الجحيم الذي يعيشه سكان حلب؟".

ويتساءل: "أين هي الأصوات التي تدين الجرائم والتي تعودنا أن نسمعها عندما تقع انتهاكات، أين ذهبت الدعوات للتظاهر أمام سفارات الدول المسؤولة عن هذه الإبادة؟ لماذا لا نسمع غضبهم اليوم؟ للأسف هؤلاء اليوم ذهبوا للانشغال بالحديث عن البوركيني (المايوه الشرعي)  بدل الحديث عن الإنسانية التي تباد في حلب".

ووفق "هوفنجل": "يجب على أصوات السياسيين والمثقفين وكل المواطنين أن ترتفع عالياً ضد روسيا وضد المجازر التي تقع، يجب دعم كل المنظمات العاملة على إنهاء الحرب في سورية وكسر جدار الصمت المحيط بحلب، هناك عار لحق بنا وهو أننا صمتنا ويجب أن لا نضيف إلى هذا العار عاراً آخرَ، هو عار العجز عن فعل أي شيء أمام حلب".

أما الكاتب الفرنسي "بودان لوس"، فذهب في مقال نشره في صحيفة "لوسوار" أمس، تحت عنوان "شرف العالم ضاع في حلب": "لا ندري من سيبقى على قيد الحياة في حلب ولكن الذين سيبقون لن يجدوا الكلمات الكافية التي يمكن أن تصف جبن المجتمع الدولي الذي يترك هذه المجزرة تستمر ويكتفي ببعض عبارات الإدانة التي لا تسمن ولا تغني من جوع، مثلما يفعل أوباما".

ويواصل: "أوباما وزعماء الغرب يقولون إنهم لم يتدخلوا في سورية خوفاً من أن يسقط النظام وتنهار الدولة وتتمدد التنظيمات الجهادية، في الوقت الذي كانت فيه التنظيمات الجهادية صغيرة وضعيفة، وخوفاً من أن يكون هناك ملايين من اللاجئين وأن التدخل الأمريكي أو الغربي آنذاك كان سينتج عنه تدخل روسي، ورغم هذا تمدد الإرهاب وانهارت الدولة ورأينا ومازلنا نرى ملايين من اللاجئين وروسيا اليوم هي التي تحارب في سوريا".

إدانة ما يقع في حلب لم يقتصر على المثقفين الفرنسيين، ولكنه امتد إلى الأوساط السياسية، حيث رفض عدد من السياسيين الحاليين والسابقين ما يحدث في المدينة.

وقال وزير الخارجية الفرنسي سابقا "ألان جوبيه" أحد أبرز المرشحين للانتخابات الرئاسية في تدوينة على حسابه الرسمي علي موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" أمس الأول: "الخزي لنظام دمشق ولحليفه الروسي، الذين يسحقون شعب حلب تحت قنابلهم، والآن يسحقون مستشفيات المدينة".

وأدان "فرنسوا فييون" رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق والمرشح لرئاسة الجمهورية بشدة المجازر في سورية في عدد من التصريحات الإعلامية واصفاً ما يقع في حلب بأنه "جريمة حرب". 

غير أن المدونة الفرنسية المعروفة "تيتو لكوك" ترى في افتتاحية نشرتها في موقع "سلايت"، أمس، أن في تصريحات عدد من السياسيين الفرنسيين كثير من النفاق تجاه ما يقع في سورية.

وتقول: "الحقيقة أن سياستنا اليوم أننا لا نريد الحديث عن حلب، لا نريد أن نرى جثث الأطفال الممزقة والمحروقة، نريد أن نرى أشياء أخرى، لأننا عاجزون، لا نريد أن نعرف أن هناك أطفال أحرقوا وفقدوا ملامح وجوههم".

ووفق ذات المدونة فإن "هذه السياسة لم تعد محتملة، لم يعد هذا النفاق مقبولاً، لا يمكن أن نقبل تبجح رئيس الوزراء مانويل فالس عندما يقول إننا بذلنا مجهوداً كبيراً باستقبال 5 آلاف لاجئ سوري في بلادنا منذ سنة 2012، وفي نفس الوقت تقف حكومته مكتوفة الأيدي أمام إبادة مدينة بالكامل".

وتختم "لكوك" بالقول: "لم يعد مقبولاً من المرشحين للانتخابات الرئاسية الحديث في كل المواضيع، يبحثون في التاريخ دون أن يعرفوا أن تاريخنا يكتب الآن، وأننا سنكون أحد شعوب العار، سيكتب التاريخ أننا دولة من دول الاتحاد الأوروبي الذي صمت ولم يتحرك أمام إبادة المدنيين تحت أعينه، وهذه الإبادة مستمرة منذ سنوات، ولكن شعوبنا قررت أن هذا الأمر ليس أولوية".

وتعاني أحياء حلب الشرقية، الخاضعة لسيطرة مقاتلي المعارضة، هجوماً عنيفاً وحصاراً برياً من قبل قوات نظام الأسد وميليشياته بدعم جوي روسي، منذ أكثر من 20 يوماً، وسط شح حاد في المواد الغذائية والمعدات الطبية؛ ما يهدد حياة أكثر من300  ألف مدني موجودين فيها.



المصدر