البدانة تهدّد تركيا وأطفالها


تُعدّ البدانة من أبرز أمراض عصرنا، لا سيّما أنّها راحت تطاول الأطفال مع ما يرافقها من مضاعفات تهدّد صحّتهم البدنيّة والنفسيّة على حدّ سواء. تركيا مهدّدة كذلك

ارتفعت نسبة البدانة في المجتمع التركي مع ارتفاع مستوى المعيشة في البلاد، من دون أن يُستثنى الأطفال. وهو ما دفع منظمات حكومية وأهلية عدّة إلى دقّ ناقوس الخطر، ومحاولة العمل مع وزارة الصحة لمواجهة هذه المشكلة قبل تفاقمها بطريقة أكبر.

تفيد أرقام المركز التركي للإحصاء التابع للحكومة، والصادرة في أكتوبر/ تشرين الأول 2015، بأنّ نسبة البدانة في المجتمع التركي ارتفعت من 15.2 في المائة في عام 2008 إلى 31.1 في المائة في عام 2014، بزيادة تقارب 20 في المائة. وفي بعض التفاصيل، وصلت نسبة البدانة عند النساء إلى 32.3 في المائة، وعند الرجال إلى 24 في المائة. ومن أصل ثلاثة ملايين مواطن تركي مصابين ببدانة مفرطة، ثمّة 1.8 مليون طفل، مع كلّ ما يترافق ذلك من ارتفاع في نسب بعض الأمراض، وفي مقدمتها داء السكري من النوع الثاني وارتفاع ضغط الدم بالإضافة إلى اضطرابات نفسية.

في بحث أعدّته جامعة “يدي تبه” في مدينة إسطنبول شمل 20 مؤسسة تعليمية (روضات ومدارس ابتدائية وثانوية) وألفاً و669 طفلاً، تبيّن أنّ واحداً من كل ستة أطفال يقف على حدود الإصابة بالبدانة، بنسبة 16.7 في المائة بين الإناث و25 في المائة بين الذكور. كذلك فإنّ 34.4 في المائة من الأطفال بين 10 و12 عاماً، مهدّدون بصورة كبيرة بالإصابة بالبدانة المفرطة.

تقول رئيسة قسم أمراض الغدد عن الأطفال في جامعة “أجي بادم” في مدينة إسطنبول، الطبيبة سراب سِميز، إنّ البدانة تحوّلت خلال العقد الأخير إلى واحدة من أبرز المشاكل الصحية التي يواجهها المجتمع التركي، إذ ارتفعت نسبتها بحدّة. وتشير إلى أنّه “كما في كلّ بقاع العالم، ارتفعت نسبة البدانة بصورة كبيرة ووصلت عند الأطفال والمراهقين الأتراك إلى 30 في المائة. كذلك، ثمّة نسبة كبيرة من هؤلاء يعانون من زيادة وزن تضعهم عند حدود الإصابة بالبدانة”.

وتوضح سِميز لـ “العربي الجديد” أنّ “ذلك يعود إلى جملة كبيرة من الأسباب، في مقدّمتها الغذاء غير الصحي وقلّة الحركة. وعندما يسمع أيّ طفل بأنّ الوجبة هي همبرغر أو بطاطا مقلية تبرق عيناه ويتحمّس بشدّة. أمّا عند الحديث عن خضروات أو فاكهة، فإنّه يعبس ويحاول التهرّب. كذلك، فإنّ التكنولوجيا وتوفّرها بصورة كبيرة في أيدي الأطفال والمراهقين، من أجهزة هواتف ذكية أو لوحات محمولة، تبعدهم عن أساليب اللعب التقليدية التي كنّا نلجأ إليها في صغرنا والتي كانت تقوم على الحركة. أكثر من ذلك، بات من الطبيعي أن يقضي الطفل النهار كله أمام الحاسوب من دون أي حركة”.

وتشدّد سِميز على أنّ “مشكلة البدانة لا تتعلق بالمظهر الخارجي وتبعاته على نفسيّة الطفل فحسب، إذ لها ارتباطات كبيرة بتشكّل أمراض عدّة”. تضيف: “لم نكن نرى في السابق مرض السكري من النوع الثاني بين الأطفال إلا نادراً، أمّا اليوم فقد ارتفعت الإصابة بهذا المرض بين الأطفال والمراهقين بصورة كبيرة، فيما تترافق مع ارتفاع في ضغط الدم وآلام المفاصل والمشاكل التنفسية وانقطاع التنفس خلال النوم وارتفاع في معدّل الشحوم في الدم وتصلب الشرايين المبكر. وهذه كلها مرتبطة مباشرة بالبدانة، إلى جانب الاضطرابات النفسية المتعلقة بانعزال الطفل البدين اجتماعياً وابتعاده عن الأطفال الآخرين، بسبب السخرية منه وعدم قدرته على مجاراتهم في الحركة. وكلّ ذلك قد يؤدّي في المستقبل إلى مشاكل نفسية أكثر تعقيداً تطاول العلاقة مع الآخر والمجتمع”.

بهدف مواجهة ذلك، بدأت منظمات عدّة للمجتمع المدني بالتعاون مع وزارة الصحة بحملات لمواجهة ارتفاع نسبة البدانة في صفوف الأطفال، منها جمعية أمراض الكلى التركية. وبعد الحملة التي استهدفت التوعية حول مخاطر البدانة عند البالغين وتأثيرها على الكلى، أطلقت الجمعية مع الوزارة حملة مشابهة للتوعية حول مخاطر البدانة عند الأطفال، مقترحة عدداً من الحلول العملية في مقدّمتها تخفيف نسب السكر المستهلك وكذلك الملح في طعام الأطفال.

ويقول رئيس جمعة أمراض الكلية التركية تيمور إرك إنّ “من الضروري التعامل مع البدانة المفرطة في المجتمع على أنّها وباء لا بدّ من مكافحته. وأبرز أسباب هذا الوباء هو الإفراط في تناول السكر”. يضيف لـ “العربي الجديد” أنّ “لذلك، قررنا بالتعاون مع وزارة الصحة إطلاق حملة تهدف إلى تخفيف كميّة السكر التي يتناولها الأطفال يومياً من 150 غراماً إلى 120. كذلك الأمر بالنسبة إلى استهلاك الملح في الطعام، أقلّ من ستة غرامات يومياً”. والحملة التي تقوم أساساً على التوعية حول مخاطر الاستهلاك المفرط للسكر، تركّز بحسب إرك “تحثّ على رفع نسبة الخضروات والفاكهة في النظام الغذائي المعتمد وممارسة التمارين الرياضية بانتظام”.

في هذا السياق، نشرت مؤسسة الصحة العامة التابعة لوزارة الصحة التركية كتيبات وزّعتها على المدرّسين لتوعيتهم حول التغذية الصحية وممارسة التمارين الرياضية بانتظام، أملاً في أن ينقل المدرّسون هذه الثقافة إلى التلاميذ. كذلك أصدرت منشورات وملصقات للمدارس تهدف إلى توعية الأطفال حول أساليب التغذية الصحية، بالإضافة إلى إجراء بعض التجارب العلمية أمام هؤلاء لتوعيتهم حول مخاطر الوجبات السريعة والمشروبات الغازية بأنواعها.



المصدر