‘“النظام” يستثمر الصمت الدولي لتصفية الثورة في محيط العاصمة’

2 تشرين الأول (أكتوبر)، 2016
8 minutes

مهند شحادة

تشتعل الأحداث الميدانية في سورية، من جنوب البلاد إلى شمالها، في ظل عجزٍ دولي واضح عن إنتاج أي رؤيةٍ بإمكانها الإسهام في بلورة حلٍ، يستطيع وضع حدٍ لشلالات الدم السوري المتدفق منذ ما يزيد على خمس سنوات.

قد تكون المنطقة الأكثر تعقيدًا واشتعالًا، ضمن الخارطة العسكرية والسياسية، هي محافظة حلب، التي تسعى قوات النظام والميليشيات المساندة لها، مدعومةً بغطاءٍ جوي روسي، استعادة السيطرة على المدينة، أو على الأقل التقدم باتجاه معاقل المعارضة المسلحة في الأحياء الشرقية منها، ولا سيما بعد أن استطاعت الأولى إطباق الحصار على المدينة، بعد أن سيطرت على منطقة الراموسة جنوبي حلب قبل أسابيع من الآن.

سياسيًا تذهب معظم وجهات النظر، إلى أن النظام وحلفاءه يحاولون من خلال هذا التصعيد الخطِر في حلب، والذي استخدمت فيه موسكو أنواع الأسلحة كافة، بما فيها المحرمة دوليًا، ما نجم عنه مقتل مئات المدنيين وجرح مئات غيرهم، إلى جانب دمار كبير في المنشآت الطبية ومراكز الدفاع المدني، يحاولون استباق الانتخابات الأميركية المقبلة، بإحداث تغيرات جوهرية على الأرض، تدعم موقفهم التفاوضي في أي عملية سياسية ممكنة.

ربما تُشكل حلب، الكادر الأساسي للصورة، إلا أن العديد من ناشطي الداخل، عدّوا ساحات المعارك في الشمال تبدو أكثر من أي وقتٍ مضى، محاولات حثيثة من موسكو والأسد؛ للتغطية على ما يحدث في دمشق العاصمة ومحيطها، فهي أساس الصراع وعقدة الحسم الناجز، فمن وجهة نظرهم، يحاول الأسد مدعومًا بالروس تطبيق أو تعميم ما حدث في داريا على مجمل المناطق الخارجة عن سيطرته، في أرياف وضواحي العاصمة.

ولعل أبرز مظاهر التوصيف السابق تبدو جلية -في الآونة الأخيرة- في مدينتي قدسيا والهامة، شمال غرب دمشق، حيث اشتعلت الحرب الميدانية على نحوٍ غير مسبوق، وتشهد المدينتان منذ شهر تقريبًا اشتباكات متقطعة بلغت ذروتها في السابع والعشرين من أيلول/ سبتمبر الجاري، بعد أن حاولت ميليشيات النظام اقتحام المدينة من محوري (الخياطين، العراد)، وسط قصفٍ مدفعي عنيف على الأحياء السكنية بداخلها.

ناشطون من داخل المدينة أكدوا أن النظام خسر خلال عملية الاقتحام الفاشلة ما لا يقل عن 8 قتلى، إضافة إلى العديد من الجرحى، وتمكن المدافعون من سحب جثث القتلى إلى جانب أسر جنديٍ جريح، لتعود لجنة المصالحة في المدينة وتسلمهم للنظام؛ إثر اجتماع مطول مع الأول لإعادة تثبيت المصالحة.

بحسب مصادر ميدانية في الهامة، فإن النظام عرض مجموعة من الشروط لإعادة تفعيل الهدنة، وتثبيت وقف إطلاق النار، من أبرزها تسليم كافة الأسلحة الموجودة لدى الثوار، وتسوية أوضاع من يرغب منهم، ومن لا يرغب يتم ترحيله إلى إدلب شمالًا، ودون سلاح، وتشكيل لجان غير مسلحة من شبان البلدة بإشراف كامل ومباشر من القيادة العسكرية للنظام، إلى جانب حواجز مشتركة بين الطرفين، ويضمن الأخير -في حال تمت الموافقة- فتح الطرقات وعدم استهداف المدينة أو اقتحامها أو التعرض للمدنيين بالتهديد والمضايقات.

من جهته، قال هارون الأسود، الناطق الإعلامي للواء شهداء العاصمة، أحد أبرز الفصائل العاملة في المنطقة لـ (جيرون): “لقد عمد النظام وميليشياته المحيطة بمدينتي قدسيا والهامة إلى توتير الأوضاع الميدانية، وتصعيدها إلى نحو غير مسبوق، دون سابق انذار أو أسباب واضحة، نافيًا مزاعم النظام بأن  ثوار المدينتين هم من هاجم مواقع وحواجز الأول”، مشيرًا إلى أن النظام “يسعى من تصعيد القصف، ومحاولة التقدم على أطراف المدينتين، إلى إضعاف موقف الثوار في المفاوضات المتواصلة بين لجان المصالحة مع القيادة العسكرية للمنطقة عن النظام، وخلق عامل ضاغط عن طريق المدنيين، بمنعهم من الخروج، وخلق شرخ بينهم وبين الثوار؛ ما يجبرهم على الموافقة على شروطه”.

وأوضح الأسود أن ملف المصالحة في المدينتين “لم يُغلق إلى غير رجعة، كما تروج بعض وسائل الإعلام المقربة من النظام، بل إن المفاوضات متواصلة بين الأخير ولجان عن البلدتين، وموقف الثوار فيما يتعلق بموضوع المصالحة واضح، فهم مع قرار الجماعة، ويحفظ حياة المدنيين، وأمن المدينتين، ولن يحيدوا ذلك”، مؤكدًا أن “الثوار مرابطون في أماكنهم”، لافتًا إلى أن الفصائل المقاتلة ليس لها أي شروط لإعادة تفعيل المصالحة، سوى وقف القصف والعمليات العسكرية؛ حمايةً لأرواح المدنيين.

من غير الواضح كيف يمكن أن تسير الأمور في قدسيا والهامة، على الرغم من أن كل المؤشرات تدل على أن مقومات الصمود ومقاومة النظام عسكرًيًا محدودة للغاية، لما يمكن أن يخلفه هذا الخيار من كوارث بحق مئات آلاف المدنيين الموجودين في المنطقتين.

التطورات الميدانية تتسارع في المدينتين، حيث شهدت قدسيا يوم الجمعة الفائت، مظاهرة مدنية، طالب فيها الأهالي بإعادة تفعيل اتفاق المصالحة ووقف استهداف المدينة، رافعين لافتات كُتب عليها (نعم للسلم ولا للحرب)، في تعبير واضح عن أن من يسعى لتوتير المنطقة هي الميليشيات المتحالفة مع النظام والمحيطة بالمدينة.

شهدت الساعات الأخيرة هدوءًا، وُصف بالحذر في قدسيا، مقابل تصعيدٍ كبير في الهامة؛ إذ تحاول قوات النظام اقتحامها عبر أكثر من محور، وسط قصفٍ مدفعي وصاروخي عنيف لا يتوقف، تزامنًا مع تصريحات متعاقبة لوسائل إعلام النظام، تؤكد أن الوضع في قدسيا قابل للحل، أما الهامة فمسلحوها رفضوا أي بادرة للصلح؛ لأن المدينة أصبحت معقلًا لجبهة فتح الشام، في مسعىً قديم جديد من النظام لفصل المدينتين، والاستفراد بكلٍ منهما على حدة.

لا تتوقف التطورات الميدانية في محيط دمشق على مدينتي قدسيا والهامة؛ إذ إن النظام حقق تقدمًا ملحوظًا في الغوطة الشرقية، وأصبح يهدد مناطق العمق فيها، ولا سيما مدينة دوما شمالي الغوطة، بعد أن سيطر -في الأيام الماضية- على رحبة الإشارة في منطقة الريحان المجاورة، والتي إن استطاع إحكام سيطرته على مزارعها يعني عمليًا قطع الطريق بين الريحان ومنطقة تل كردي، ويكون على مسافة لا تزيد عن 3 كم من مداخل مدينة دوما، أحد أكبر معاقل المعارضة في الغوطة الشرقية.

هذا الواقع دفع بالعديد من ناشطي المنطقة لإطلاق حملة (الغوطة في خطر)، محاولين الضغط على الفصائل العسكرية؛ لتشكيل غرفة قيادة موحدة، وطي ملف الخلاف إلى غير رجعة، بما يُفضي إلى بلورة رؤيةٍ عسكرية قادرة على الدفاع عن مناطقهم واستعادة ما خسرته الفصائل سابقًا في الأشهر الماضية، مؤكدين أنه مع استمرار الفرقة والخلاف سيكون مصير الغوطة مشابهًا لداريا، علمًا أن الأولى تضم أكثر من ربع مليون إنسان محاصر منذ أكثر من 3 سنوات.

ما يحدث في دمشق بات يشير بوضوح -وفق العديد من المراقبين- إلى تفاهماتٍ دولية، تتعلق بترتيبات تسوية شاملة على مراحل، قد تتبلور أسسها مع صعود الإدارة الأميركية الجديدة في الربيع المقبل، وبحسب رأيهم، فإن دمشق ستكون خاليةً من أي وجود لبؤر مسلحة، من الممكن أن تهدد -في لحظةٍ ما- مشروعات الحلول المزمعة، التي تبدو -حتى اللحظة- غير ممكنة، في حين ترى وجهات نظرٍ أخرى أن الأوضاع لم تنضج بعد لتمهد لأي حل سياسي للصراع، وهو ما يساعد على تثبيت القناعة بأنه لا حل في سورية، إلا بالحسم العسكري،وفق تعبيرهم.

“جيرون”