كيف ستؤتي مقامرة بوتين شديدة الخطورة في سوريا ثمارها

2 أكتوبر، 2016

يبين أحد أبرز الصحفيين في روسيا أن الصراع الذي طال أمده كان بمنزلة هدية للرئيس الذي خلفت طموحاته التوسعية، في أوكرانيا، بلادَه في قمة الضعف.

في قصيدة مشهورة للكاتب “يفغيني يفتوشينكو”، يحكي عن نملة تمشي على وجه جندي روسي في أفغانستان وتسأل الرجل الميت: “ما الذي يمكنك ان تقدمه لوطني الفقير إذا كانت المتاجر في بلادك خالية من الطعام؟”.

وذلك مشهد يجسّد الخوف الشديد الذي يتملك روسيا المعاصرة والذي يتمثل في الخوف من الوقوع في صراع آخر غير مرغوب فيه في بلد بعيد. وهو هاجس بدأ بالظهور من خلال الحرب الكارثية التي خاضتها روسيا في أفغانستان والتي استمرت مدة 10 أعوام.

وقبل سنين عدة من دخول قوات الاتحاد السوفييتي في الصراع عام ١٩٧٩، كان لدى المواطنين قولاً فيما معناه أنهم كانوا يتقبلون واقع الحياة اليومية المرير في ظل الاتحاد السوفييتي “طالما أنه ليس هنالك حرب”. كان ذلك بمنزلة عقد اجتماعي ولكن “ليونيد بريجنيف” أنهاه بإرسال القوات العسكرية إلى كابول.

وبين عامي ١٩٧٩ و١٩8٩، قُتِل ما يزيد على 15.000 جندي سوفييتي، وهذا ما يجعل قرار الرئيس فلاديمير بوتين في شن عملية عسكرية في سوريا، قراراً مثيراً للدهشة.

فقد قرر بوتين، عام 2013، مساعدة بشار الأسد من خلال السعي للوصول إلى تسوية مع الغرب.

بيد أن الكرملين، بعد 3 أعوام، لم يعد يؤدي دور الوسيط وذلك من خلال القتال إلى جانب الحكومة في دمشق والمشاركة بصورة نشطة في المواجهة الدائرة بين النظام السوري والمعارضة المسلحة.

وفي الوقت ذاته، كان مناصرو بوتين في روسيا يناقشون بجدية كيفية استحقاقه لجائزة نوبل للسلام بفضل جهوده في سوريا. وفي يوم الأثنين، اتُهِمت روسيا بارتكابها لجرائم حرب في تفجيرها لقافلة إغاثية تابعة للأمم المتحدة كانت تسعى لإيصال المساعدات في منطقة حلب التي يسيطر عليها الثوار.

إذاً، ما الذي يفسّر هذا التحول الحاد في السياسة الخارجية؟ كلمة واحدة: أوكرانيا.

ففي ربيع عام 2014، وفي الوقت الذي كان فيه الكرملين يقوم بعدة تحركات لضم شبه جزيرة القرم، كان بوتين متوهماً بأن الغرب، ولاسيما أوروبا، سيتيحون له الفرصة لتحقيق رغباته التوسعية كما أنهم سيوافقون، سراً، على ضم الأراضي الأوكرانية المأهولة  بتجمعات موالية لروسيا.

وفي الوقت الذي اتضح فيه أن ذلك ليس صواباً، كانت هنالك حرب واسعة النطاق تستعر في منطقتين أوكرانيتين؛ إذ أُسقِطَت طائرة ماليزية فوق أوكرانيا  وتراجعت القمة جي 8 إلى جي 7.  كما كان أصدقاء بوتين المقربون على قائمة العقوبات الدولية فضلاً عن أن روسيا أصبحت أكثر عزلة دولياً للمرة الأولى منذ الحرب الأفغانية.

وقد قرر بوتين، عندما وجد نفسه أمام طريق مسدودة في الأزمة الأوكرانية، أن يزيد من المراهنة وكان ذلك في خطوة منه ليضمن أن تبدو القضية الاوكرانية ليست بذات أهمية فتصبح روسيا بعدها لاعباً أساسياً في نزاع لا يمكن للغرب تجاهله. وهذا بعني اعتماد نهج جديد في سوريا.

وبالتالي، جاء الصراع الذي طال أمده في سوريا كهدية لبوتين.

ومع تحول روسيا إلى لاعب رئيس في سوريا، اضُطر الغرب  إلى التفاوض مع موسكو من جديد. فاليوم لم تعد  الهجمات العسكرية الروسية تستهدف معاقل تنظيم الدولة الإسلامية وحسب، وإنما أصبحت قواعد المعارضة الموالية للغرب من بين أهدافها. والغاية من ذلك كله هي الاستمرار في القتال الذي من شأنه أن يضمن مكانة روسيا على طاولة التفاوض الدولي ويضفي الشرعية على سياسة الكرملين الخارجية. بل الأمر مثير للسخرية أكثر من ذلك، فمقر الجيش الروسي في سوريا يطلق عليه اسم مركز المصالحة.

كما كانت الأمسية الموسيقية الكلاسيكية التي أقيمت بين أنقاض تدمر، التي دمرتها داعش عام 2015، تجسيداً مثالياً لسياسة بوتين في سورية. أما العازف الأساسي لتلك الأمسية هو عازف التشيلو “سيرغي رودلدوغين” صديق قديم لبوتين و يمتلك، وفقاً لأدلة واردة في وثائق بنما، ثروة تقدر بمليارات الدولارات غير معروفة المصدر.

إن الروس مقتنعون أن بوتين إنما يحارب داعش فيمنع بذلك الهجمات الإرهابية في البلاد. إن الأمر عبارة عن تغير في العلاقات العامة في روسيا وفي الخارج، كما أن شيئاً لن يتغير إلى أن يتحدث القادة الغربيين إلى بوتين ليس في الشأن السوري ولكن فيما يخص أوكرانيا والعقوبات المفروضة.

رابط المادة الأصلي : هنا.

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]

2 أكتوبر، 2016