on
حسام ميرو يكتب: العرب والنظام الدولي المضطرب
حسام ميرو
باستثناء بعض البلدان العربية، يبدو أن العرب يعيشون، سياسياً، انعكاسات النظام الدولي المضطرب، حيث تبدو مآلات الوضع الرهن غامضة، وربما تكون التحديات المقبلة أكبر بكثير مما عرفه العرب في القرن الماضي. فالصراع الموجود في ساحات عدة يؤكد أن المنطقة تعيش صراع وجود، يتعلق بشكل رئيسي بمستقبل «الدولة» الوطنية نفسها، وسط مخاوف من تمدد الانقسامات الحاصلة في الدول العربية الفاشلة (سوريا، العراق، ليبيا، اليمن) إلى غيرها من الدول.
عاش العرب منفعلين بالنظام الدولي الذي أقرّته اتفاقية يالطا عام 1945. وخلال الحرب الباردة، انقسمت الدول العربية في موقفها وموقعها من النظام الدولي، وتحديداً من قطبيه، الولايات المتحدة، والاتحاد السوفييتي، وكان ذلك الانقسام، على الرغم من كل سلبياته، كفيلاً بإيجاد نوع من التوازن الداخلي، وسمح بوجود حالة من الثبات والاستقرار في منظومات الأمن الوطني الداخلي، كما أسهم في عدم السماح للتناقضات الداخلية أن تؤثر في العقد الاجتماعي لكل دولة على حدة.
بالطبع، كان الصراع العربي-«الإسرائيلي» هو الصراع المركزي بالنسبة للعرب، وقد لعب دور ضابط الإيقاع للكثير من التناقضات التي كادت أن تعصف في لحظات معينة بالعلاقات بين الدول العربية، وأوجد نوعاً من الحد الأدنى في بناء التوافقات.
وبعد نهاية عصر القطبية الثنائية، بدت العولمة هي القاطرة الجديدة لبناء نظام دولي جديد تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، في الوقت الذي لم تكن فيه أي من الدول الكبرى قادرة على أن تكون شريكاً ندياً لأمريكا المنتصرة، والتي تتفوّق اقتصادياً وعسكرياً، وما زالت، على جميع تلك الدول التي اشتركت في صياغة «يالطا»، وهو ما أنتج، مرة أخرى، حالة اضطراب في النظام الدولي، إذ لا يمكن لحالة تتفرّد فيها دولة دون غيرها أن تقدّم حلولاً متوازنة على ساحة العلاقات الدولية المتشابكة، والمملوءة بالمصالح المتناقضة.
وكان احتلال العراق، في عام 2003، أحد تجليات الرغبة الأمريكية في استعراض القوة العالمي، فمقدار القوة المستخدم لم يكن يتناسب مع حجم الهدف، لكن الولايات المتحدة رغبت في إبراز كل ما لديها من قوة على خصم ضعيف، تأكيداً على صورتها كقائد أوحد للنظام الدولي، من دون الأخذ بعين الاعتبار جملة النتائج الكارثية التي ستلحق بالشرق الأوسط،.
تلك الرغبة النيوليبرالية المتوحشة في إدارة مشكلات العالم، والتي تعطي القوة المكانة الأبرز في حلّ التناقضات وإدارة المصالح على حساب السياسة والدبلوماسية وأدوات الضغط الناعمة، فتحت الشرق الأوسط على صراعات جديدة، وأوجدت شهية كانت نائمة لدى بعض الدول الإقليمية للعب دور أكبر من إمكاناتها (إيران، وتركيا)، في محاولة لتفادي المخاطر من جهة، واستغلال الفرص المتاحة، نتيجة تداعي الأمن الإقليمي، ومن ضمنه الأمن العربي.
لم تتمكن الدول العربية المجاورة للعراق، أو المتأثرة بتداعياته، بعد الاحتلال الأمريكي، من فهم النتائج الخطرة المترتبة على الاضطراب في النظام الدولي، وتفرد الولايات المتحدة في إدارته، والحاجة إلى تنويع سلة الشراكات في العالم، والأهم من ذلك الالتفات إلى الداخل، وإعادة بناء العقد الاجتماعي على أسس جديدة، وفقاً لمفاهيم الحكم الرشيد، وفتح المجال أمام الأجيال الجديدة للمشاركة في صناعة القرار،ي.
وإذا كانت السمة البارزة اليوم في النظام الدولي هي حالة الاضطراب، والتي ستبقى إلى أمد غير معروف، بانتظار استقرار وقائع جديدة تسمح بإعادة التوازن إلى ساحة العلاقات الدولية، فإن العرب معنيون بإعادة تقييم مصالحهم من جديد، وفي مقدمتها الحاجة إلى الاستقرار في منظومة الأمن الإقليمي، حيث إن حالة الاضطراب الراهنة في الإقليم من شأنها أن تقود إلى حالة استنزاف للمقومات المادية للدول العربية، وفرض وقائع جديدة على العرب، لا تنسجم مع مصالحهم، بل من شأنها أن تزيد من عوامل الصراع.
ومن أول وأهم الخطوات التي يمكن للعرب اتخاذها هي إعادة النظر في العلاقة مع أمريكا على أنها عامل توازن، فقد بات واضحاً أن السياسة الأمريكية تجاه المنطقة تقوم على ترك المنطقة لتناقضاتها، وأنها تدير وجهها عن المصالح الكبرى للحلفاء التقليديين، حتى لو أدى ذلك إلى مزيد من الاضطرابات في المنطقة، وهي غير معنية بالنتائج الكارثية الناجمة عن سياساتها، ومع ذلك، فإن التوجّه الجديد للسياسة الأمريكية قد يكون فرصة تاريخية، من أجل النظر إلى قضاياهم من زوايا أخرى، وعدم ترك وجودهم ومصالحهم رهناً بإرادة القوى الكبرى.
المصدر: الخليج
حسام ميرو يكتب: العرب والنظام الدولي المضطرب على ميكروسيريا.
ميكروسيريا -