on
شباب مغاربيون ينتحلون هوية سورية من أجل البقاء في ألمانيا
ضمن أمواج اللاجئين السوريين الذين توافدوا على ألمانيا عبر البلقان أو إيطاليا انتحل عدد من الشباب المغاربيين الهوية السورية بهدف الحصول على وضع قانوني يسمح لهم بالإقامة في ألمانيا. DW التقت بشابين تونسيين منهم في برلين.
في إحدى الساحات الواقعة في منطقة كرويتزبيرغ البرليني التقت DWعربية بشابين تونسيين. وفي أحد المقاهي بدأ أحدهما- وهو علي، الذي يبلغ من العمر 17 عاما – حديثه وقال :”أعيش في برلين منذ حوالي تسعة أشهر وأنتحل الهوية السورية وبالتالي أنتحل الجنسية السورية . لم أعش بسوريا أبدا . كنت أعيش في جزيرة صقلية الإيطالية بشكل غير مشروع، وحينما سمعت عبر وسائل الإعلام بقدوم أفواج السوريين إلى ألمانيا بأعداد كبيرة جدا، قررت مع مجموعة من رفاقي التونسيين والمغاربة الشباب ترك الجزيرة الإيطالية والرحيل إلى ألمانيا عبر النمسا.”
كانت رحلة علي مضنية ومتعبة جدا ، فهو مريض بالسكري و في حاجة لإبرالانسولين يوميا ، وقد غادر بلاده عقب الثورة التونسية وهو مازال طفلا، لم يتعد الرابعة عشرة من العمر ، واصطحبه في الرحلة رفيق له يكبره سنا.
ويلاحظ المتحدث قائلا: “اتسمت فترة تسجيل اللاجئين بالفوضى. فقد كان الموظفون مغلوبين على أمرهم ، حيث لا يتكلمون العربية، أما المترجمون فكانوا من المصريين والعراقيين وقليلهم من السوريين. وكالعديد من المغاربة تمكنت من انتحال الشخصية والهوية السورية من خلال إتقاني النسبي للهجة الشامية، التي تعرفت عليها في تونس من خلال المسلسلات السورية الكثيرة في البرامج التلفزيونية هناك، مثل مسلسل باب الحارة.”
خلال الحديث مع الشاب علي، كان رفيقه غيث يبتسم ويترشف سيجارة، ثم حكى قائلا: ” قصتي تختلف تماما عن قصة علي، إنها أدهى بكثير من مغامرة علي. لقد كنت في تركيا حيث شرعت في تعلم التجارة لدى تاجر تركي في مدينة إسطنبول وهوصديق حميم لوالدي. وحينما شرع السوريون في صيف السنة الماضية بعبور البحر الأبيض المتوسط نحو اليونان، قررت الدخول في المغامرة واتصلت بالمهربين الذين وعدوني بالسفر بعد أن دفعت لهم تكاليف السفر.”
في المآوي الجماعية للاجئين في برلين تعرف غيث على ابن بلده علي وعلى بعض الشباب من المغرب وتونس والجزائر. أما اليوم فإنهما يقيمان في مأوى للقاصرين بغالبية سورية. ويقول غيث إن الحظ كان من نصيبه في فترة التسجيل الأولى، ثم واصل بابتسامة قائلا: “لم تكن الإدارة الألمانية جاهزة لاستقبال الآلاف من اللاجئين السوريين، هذا ما جعل إنتحال الهوية السورية بالنسبة لي أمرا سهلا، وقد تمكنت من تقمصها بحذق لدى الجهات الرسمية، حيث حاولت أن اصف ما سمعته عن الحرب وكأني عايشت ذلك بأم عيني، كما حاولت التكلم باللهجة السورية”
وبينما كان غيث يحكي لنا قصته مبتهجا وبحماس اقترب علي برأسه نحونا مبتسما قائلا: ” العديد من التونسيين والمغاربة الذين لم تنطل حيلهم على الدوائر الالمانية الرسمية، فقد تم رفض تسجيلهم كسوريين، وباتوا اليوم مهددين بالترحيل إلى أوطانهم ، خاصة بعد الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين ألمانيا والدول المغاربية.
رغبة الإدارة التونسية في استقبال شبابها
وعقب حوارنا مع الشابين غيث وعلي، اتنقلنا إلى السفارة التونسية في برلين وعلمنا من القسم الأمني أن الإدارة التونسية عن علم بوجود هذه الظاهرة في العاصمة برلين وفي مختلف البلدات والمدن الألمانية. وقال مسؤول تونسي هناك:” لدينا مجموعة كبيرة من التونسيين قاصرين يعيشون في مدينة لايبزغ، ومنهم من تم تسجيله هناك على أنه ليبي الجنسية ومن انتحل الهوية السورية وهلما جرا… إنهم يحاولون بطريقة أو بأخرى البقاء في ألمانيا.” وتحدث المسؤول التونسي عن وجود تعاون فني بين الطرفين ،الألماني والتونسي، في هذا الصدد، ثم استرسل قائلا:” بإمكان الدوائر الألمانية التعرف على الهويات الحقيقة لهؤلاء الشباب إلا أن القانون الألماني لا يسمح بإعادة القاصرين منهم إلى أوطانهم ،طالما حالتهم المدنية في أوطانهم غير واضحة، وستتم عودتهم إلى أوطانهم حتما إذا لم يساهموا في الاندماج في المجتمع الألماني”.
وأخبرنا الشابان على و غيث أنهما يتجنبان الاحتكاك بالإدارة التونسية في برلين، حيث إنهما يخشيان فضح أمرهما وقد يجبران على الترحيل. لكن المسؤول الأمني أكد على أن مبنى السفارة هو بمثابة بيت للتونسيين وأنه بإمكان هؤلاء الشباب الحصول على استشارات بخصوص عودتهم إلى تونس.
مازال عدد من هؤلاء الشباب القاصرين يستفيدون من الرعاية الحكومية على أساس أنهم لاجئون سوريون. فهم ينعمون بتأهيل مدرسي أو مهني، وقد يساعدهم ذلك على دخول سوق العمل من بابه الواسع عند بلوغهم سن الرشد، وإن انكشف أمرهم فإن شهادات تكوينهم ستخول لهم إمكانية الحصول على فرص عمل في وطنهم، كما يشرح الشاب التونسي علي. ومن جهته يضيف زميله في الهوية المنتحلة، غيث ويقول:” نريد من خلال بقائنا في ألمانيا مساعدة أهالينا في تونس، وكما تعلمون فإن الوضع في بلدنا صعب للغاية .”
استياء بين اللاجئين السوريين
أراء السوريين إزاء هذا الموضوع بالذات واضحة وضوح الشمس، الأغلبية من اللاجئين تمثل رأي علاء وعبد الله الشابين السوريين القادمين من دير الزور. كلاهما يرفض سوء استعمال الهوية السورية من قبل أشخاص لا علاقة لهم بسوريا لا من بعيد أو من قريب. “أنا مستاء من هذا التصرف من قبل الشبان المغاربة. إنهم يستغلون وضعنا الذي لا نُحسد عليه”.
ويضيف علاء في هذا المضمار يقول بأن انتحال الهوية السورية من أي كان ليس عملا إنسانيا. ورغم أن قوانين منح اللجوء في ألمانيا لا تفرق بين جنسيات المضطهدين والملاحقين، إلا أن اللاجئ السوري علاء يرى أن “المساعدة الألمانية موجهة إلى السوريين فقط، وهي بالدرجة الأولى مساعدة إنسانية”.
ويشاطر علاء صديقه عبد الله رأيه بأن من الضروري أن تتخذ الدوائر الرسمية الألمانية الإجراءات اللازمة والحازمة من أجل معاقبة كل من انتحل الهوية السورية.
تحديات قادت إلى الفوضى
وعقب حوارنا مع الشابين السوريين، انتقلنا إلى مقر لاغيزو، حيث يتم تسجيل اللاجئين لنلتقي هنالك مع السيد فولف، أحد الموظفين في هذه الإدارة حيث قال لنا عن هذه الإشكالية: “نحن على علم بانتحال شباب مغاربيين الهوية السورية. لقد جد هذا في الفترة الأولى حينما تدفقت علينا أعداد كبيرة جداً من اللاجئين. لم يكن بوسعنا احتواء كل هؤلاء. هنالك أفارقة لا يتكلمون العربية، ادعوا بدورهم انتمائهم إلى سوريا، وإنهم فارون من الحرب الدائرة هناك”.
السيد فولف، أحد العاملين في تسجيل اللاجئين بمساعدة مترجمين عرب. منهم من المترجمين العرب الذي لا يتمتعون بخلفيات لغوية وثقافية سورية، هذا ما زاد الطين بلة كما يقول السيد فولف، الذي يضيف مبتسماً: “لقد كنت مرتبطا بالمترجم العربي، فأنا لا أفهم العربية فما بالك باللهجات. لذلك تم تسجيل الكثير من المغاربة وكأنهم لاجئون سوريون”.
أما اليوم – كما يقول السيد فولف – بأن العمل في إدارته بات أدق بكثير مما كان عليه سابقا، ومن المستحيل أن تنطلي عليهم مثل هذه الحيل بعد الآن. وأشار السيد فولف في مجرى حديثه بأن إدارته تتلقى باستمرار معلومات حول عرب لهم وثائق ألمانية حصلوا عليها بصفتهم سوريين. ثم يضيف السيد فولف قائلاً: “نحن نقوم بدورنا بإبلاغ شرطة الأجانب وهذه الأخيرة تتصل بالمشكوك فيهم وتقوم بدورها في هذا الاتجاه”. دورها هنا يتمثل في إعادة إثبات الهوية ثم الاتصال بالدولة المعنية إن لم يكن المشكوك فيه سوريا.
المصدر