عروبة سورية وكردستان العراق


ثائر الزعزوع

يكاد موضوع شكل سورية المستقبل، تلك التي ستخرج  بعد السنوات الأليمة التي عاشتها؛ لتكون دولة مختلفة، وقادرة على معالجة جراحها، ولملمة أشتاتها، أكثر الموضوعات حساسية، وإشغالًا للرأي العام، وقد يتفوق لدى بعضهم على موضوع نهاية المعاناة و”الانتصار” على الديكتاتورية، بل إنه شكّل في كثير من المناسبات حربًا، وربما حروبًا جانبية، وصلت إلى بعض المؤسسات التي نشأت على هامش الثورة، وكادت أن تهوي بها، وقد صعد الخلاف القومي مرات ومرات، وتصاعد حتى بلغ ذروته في أعقاب بروز “قوات حماية الشعب” الكردية، وتقدمها على حساب تنظيم (داعش) في عدد من المناطق شمالًا، وتبع ذلك التقدم تخوف “عربي” من هيمنة كردية، تُطبّق سياسات تهجير ممنهج، تفضي -في النهاية- إلى إيجاد مساحة جغرافية قابلة للتحول إلى كيان مستقل، كما هو الحال مع إقليم كردستان العراق.

مهما حاولت بعض الفصائل الكردية التملص من جريمة التهجير التي حدثت، بل وإنكار حدوثها أصلًا، إلا أن وجود أدلة دامغة، رصدتها تقارير أممية، يؤكد تلك الحقيقة المؤلمة التي فتحت باب “المأساة السورية” على احتمال جديد، لم يكن مطروحًا، أقله؛ حتى بعد مرور ثلاث سنوات على انطلاقة الثورة، وهو احتمال التقسيم، الذي بدا في مرات كثيرة قابلًا للتحقق، وخاصة بعد أن ضعفت قوى الثورة بشكل كبير، ولم تعد قادرة على الثبات في مواضع كانت تمثل نطاقها الحيوي، بل إنها فقدت لاحقًا حضورها المؤثر، بفعل اشتداد الضغط عليها من قوات النظام وحلفائه، من جهة، وتنظيم (داعش)، من جهة أخرى، بينما حظيت قوات “الحماية” الكردية بدعم لا يستهان به، عسكريًا وإعلاميًا، وخاصة بعد “تمكنها” من طرد تنظيم (داعش) من مدينة عين العرب (كوباني)، وقد شكلت قوات حماية الشعب ما يُعرف بـ “قوات سورية الديمقراطية”، بالتحالف مع عدد من القوى من تيارات مختلفة، بينها بعض الفصائل العربية، إلا أنها ظلت متهمة بكونها قوات كردية، تسعى لإنشاء كيان كردي على حساب وحدة الأراضي السورية، وبحسب شهادة أدلى بها عبد الكريم العبيد، مسؤول العلاقات العامة السابق في “قوات سورية الديمقراطية”، والذي كان يُعدّ أحد أهم القادة الميدانيين الذين شاركوا في عمليات طرد تنظيم (داعش) من رأس العين ومنبج وتل أبيض، والذي أعلن انشقاقه عن القوات المذكورة؛ بسبب سعيها لتقسيم سورية، كما قال في لقاء على قناة الجزيرة بتاريخ 16/ 9/ 2016.

وفيما تظل قوى المعارضة والثورة، السياسية منها على وجه التحديد، متمسكة بفكرة سورية موحدة؛ حتى وإن كان بمجرد التصريحات الإعلامية، فإن إقدامها -في بعض المناسبات- على استخدام التسمية المعروفة للجمهورية العربية السورية، أوقعها في مرمى الاتهامات من بعض القوى الكردية التي اتهمتها بالبعثية والشوفينية، بل والصدامية في كثير من الأحيان، نسبة إلى الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، ولم يغفر لتلك المعارضة وجود بعض الشخصيات الكردية البارزة على رأس المجلس الوطني، أو الائتلاف، بل اتهمت تلك الشخصيات الكردية بخذلان “الشعب الكردي”، والانجرار خلف الأطروحات والشعارات البعثية التي سببت الآلام  لـ “الشعب الكردي”، وسلبته حقوقه المشروعة طوال عقود، في تمييز واضح ما بين شعب سوري، و”شعب كردي”، وطلاق ما بين الثورة السورية و”القضية” الكردية، وقد شاء بعضهم أن يدفع به بعيدًا؛ ليصل إلى حدود اتهام أي شخصية تتحدث عن عروبة سورية، أو انتمائها لمحيطها العربي بالخيانة والتبعية للنظام، إضافة إلى قائمة الاتهامات السابقة بطبيعة الحال.

وإذا كانت “فوبيا عروبة” سورية قد بدأت تأخذ أشكالًا كثيرة، وصولًا إلى عدّ أن “هؤلاء” العرب لا يستطيعون العيش إلا في ظل “الديكتاتورية” و”التخلف”، فإنه -في المقابل- يُنظر إلى “إقليم كردستان” العراق على أنه تجربة ديمقراطية ناجحة، وينبغي التعلم منه، مع أن تسمية الإقليم -بحد ذاتها- تستوجب التوقف عندها مطولًا؛ لأنها تشير -ببساطة- إلى المكون الكردي دون سواه، وتسقط من حساباتها باقي مكونات الإقليم، الذي أعلن رئيسه مسعود البارزاني، في مرات كثيرة، أنه قد يعلن الاستقلال؛ ليصبح بذلك دولة جارة لجمهورية العراق، بدل أن يكون أحد أقاليمه، مع العلم أن الدستور العراقي يضمن للكرد حقوقهم كاملة، وقد أسقطت تسمية عروبة العراق مع النجوم الثلاث التي سقطت عن علمه، عقب الاحتلال الأميركي، ويتمتع الإقليم بدستوره الخاص وبرلمانه المنتخب، ولا تستطيع حكومة بغداد التدخل في شؤونه الداخلية، أو علاقاته الخارجية على الإطلاق، فلماذا لا تُعدّ تسمية “كردستان”، ومعناها بلاد الأكراد، شوفينية، فيما يتم النظر إلى إلحاق صفة العربية بالتسمية السورية، التي يُشكل العرب أكثر من ثلاثة أرباع سكانها، بعثية وشوفينية؟ ثم لماذا الإصرار على تحميل العرب السوريين وزر الجرائم التي ارتكبها النظام البعثي، مع أنهم ثاروا ضده، وفقدوا قرابة نصف مليون شهيد من العرب والأكراد في نضالهم لنيل حرية السوريين كردًا وعربًا؟

وإذا كان لا بد من الحديث عن مشروع مواطنة، يساوي بين الجميع، فإنه لابد من التفكير بتسمية الدولة بكل تأكيد، واستبعاد كل ما من شأنه الإساءة إلى أي من مكوناتها، سواء أكان قوميًا أم دينيًا، وهذا الأمر يخضع لنقاش مجتمعي، بطبيعة الحال، شأنه شأن موضوع الفيدرالية الذي تعده بعض القوى الكردية مطلبًا شرعيًا؛ لضمان حقوقها المستقبلية في سورية، وعدم ضياعها مرة أخرى؛ بسبب استفراد “العرب” بالسلطة، وفي الأخير، فإنه لن يضير سورية أن يكون اسمها الجمهورية السورية.

“جيرون”