حلب تترقب حصاد أول مواسم الخضروات في الحصار بعد أيام
4 تشرين الأول (أكتوبر)، 2016
لم يكن “شد الأحزمة على الأمعاء” حلاً مجدياً مع أكثر من 300 ألف مدني محاصرين في مدينة حلب منذ قرابة ثلاثة أشهر، بل كان للمتبقين حل آخر في سبيل البقاء، يتمثل بنقل الزراعة إلى المدينة لمواجهة الجوع نتيجة الحصار، من خلال مشروع زراعي أقيم في الحدائق الخاصة والعامة، ومن المتوقع أن يحصد أول محاصيله بعد أيام، على أن تكتمل باقي المحاصيل في غضون شهر.
كثافة القصف على حلب وسقوط مئات القتلى والجرحى، لا سيما مع انهيار الهدنة في 19 الشهر الجاري، لم يمنع أهالي حلب من التفكير بطريقة مبتكرة لكسر حاجز الجوع والخوف والحصار، عبر مجموعة من الشباب الذين عملوا على تنفيذ مشروع زراعي للوصول إلى حد من الاكتفاء الذاتي ضمن الرقعة المحاصرة.
وعلل المشرف على المشروع الزراعي القائم في حلب المحاصرة “ميلاد شهابي”، أسباب سعيهم لتنفيذ هذا المشروع، بضرورة إيجاد بديل غذائي للمحاصرين وسط المدينة، من خلال استثمار الحدائق المنزلية والعامة، خاصة في مدينة هنانو، ناقلاً معاناة الأهالي سواء من حيث نقص المواد الأساسية أو فقدان المواد الغذائية، وهو “ما يجعل حياة حوالي 300 ألف مواطن في خطر”، بحسب تعبيره
وأوضح شهابي، في حديثه لـ”صدى الشام”، أن فكرة هذا المشروع “بدأت منذ عدة أشهر قبل الحصار المطبق على حلب، بعد استطلاع وضع الأراضي التي يمكن زراعتها، ومن ثم العمل على زراعة الخضروات في هذه المناطق من خلال قيامنا بتأمين مخزون استراتيجي من البذور”.
“عبد الفتاح شيخ عمر” المعروف بـ”أبو البرائين”، وهو أحد خبراء الزراعة ومتطوعي أحمر التطوعي، المساهمين في تنفيذ المشروع، قال لـ”صدى الشام”: “بدأت فكرة المشروع تلوح في آفاقنا مع تخييم شبح الحصار على مدينة حلب قبل حوالي 5 أشهر، و بجهود قلة من الناشطين الذين جمعوا مبالغ صغيرة من بعضهم لاستصلاح الأراضي الزراعية، وذلك نتيجة رفض منظمات المجتمع المدني دعم المشروع”.
وبحسب شيخ عمر، فقد “بدأ المشروع بزراعة مساحة 7 دنم من الأراضي، بتعاون كل من مجلسRCMH وفريق أحمر التطوعي، لتصل المساحة المزروعة اليوم إلى 3 هكتارات، ويسجل المشروع نجاحاً كبيراً بعيداً عن أي تدخل منظم من أحد، وإنما بالاستناد إلى جهود ذاتية وتبرعات فردية من شخصيات داخل حلب وخارج سوريا”.
وأكد مدير المشروع أنه “سيبدأ استخراج المحصول من الأراضي الزراعية بعد أقل من شهر، وسيتم توزيعه على عدة أحياء بسعر مخفض جداً، أي بسعر التكلفة، لضمان التمويل الذاتي الذي يضمن استمرار المشروع بشكل دائم”، مشيراً إلى أن لديهم “خطة لبناء بيوت بلاستيكية في فصل الشتاء”.
ونوه كل من شهابي وشيخ عمر إلى أن الفريق لجأ إلى حل مشكلة صعوبة الزراعة في مدينة حلب نتيجة كونها مدينة صناعية، بالاعتماد على خبرات المزارعين من أبناء الريف والمهندسين الزراعيين. كما استطاعوا مواجهة مشكلة قلة البذار، باعتمادهم على بعض البذار المحلية الموجودة لدى أصحاب الأراضي الزراعية، مؤكدين على أن القائمين على المشروع رفضوا البذار المتوافرة لدى المجلس المحلي لمدينة حلب المحررة “لأنها كانت ستقدم بشروط المجلس المحلي”.
وبالرغم من خروج محطة توليد المياه لمدينة حلب المحررة عن الخدمة نتيجة استهدافها من قبل الطيران الحربي، الأسبوع الماضي، إلا أن الأمر لم يؤثرعلى سقاية تلك الحدائق المزروعة بالرغم من شح المياه، لأنها في الحقيقة لا تعتمد في سقايتها على مياه محطة النيرب بشكل كبير، وإنما على مياه الصهاريج المنقولة.
واعتبر شيخ عمر أن “من أهم الصعوبات التي واجهت المشروع هي تأمين المياه والبذار”، لكنه أكد أن “سقي المزروعات يتم عن طريق الصهاريج التي تنقل من الآبار الارتوازية، رغم تكلفتها، وليس هناك اعتماد رئيسي على محطة توليد المياه الرئيسية”.
فيما قال شهابي لـ”صدى الشام”: “من أهم الصعوبات التي تواجه عملنا كمتطوعين، أنه يترتب علينا مصاريف مالية من أجل تغطية احتياجات الأراضي من مستلزمات زراعية بشكل كامل، وتسديد كافة المبالغ من تبني المشروع”.
كان اختيار أنواع المزروعات معتمدا على المواسم، الصيفي والخريفي أو الشتائي. ونظراً لبدء الزراعة في نهاية فصل الصيف، فلم يكن أمام القائمين على المشروع إلا زرع الخضروات الخريفية في الحدائق التي تم تجهيزها بتربة حمراء منذ كان النظام مسيطراً على تلك المناطق، والتي كانت مزرعة ومنسقة بالأشجار الخاصة للزينة.
وقال شيخ عمر: “سنبدأ بقطاف الكوسا بعد حوالي أسبوع، أما البطاطا والخيار والفاصوليا واللوبيا تحتاج لقرابة شهر ليتم حصادها”، متابعاً: “لم نقم بزراعة البندورة والباميا ضمن المشروع، كونها تعد ضمن المواسم الصيفية، ونحن بدأنا مشرعنا في نهاية فصل الصيف، لذا قمنا بزارعة المواسم الخريفية فوراً، وسنقوم بزرع بعض المواسم الشتوية لاحقاً”.
وأكد شيخ عمر أنه “بالرغم من ارتفاع الأسعار، بسبب الحاجة الكبيرة للناس وندرة الخضار داخل المدينة المحاصرة، إلا أن مشروعنا يهدف إلى خفض السعر وإتاحة فرصة الشراء لكافة أطياف المجتمع، لذا سنقوم ببيع الخضراوات بسعر رمزي حتى لو خسرنا”.
ليس هناك وسيلة لحماية الأراضي المزروعة من القصف بالطيران الحربي، إلا من خلال اتخاذ احتياطات احترازية من قبل القائمين على المشروع، وذلك من خلال عدم تحديد موقع تلك المناطق المزروعة، أو تصويرها بشكل عشوائي. وبالرغم من استهداف الطيران للحجر والبشرعلى حد سواء في كافة أرجاء مدينة حلب المحاصرة، إلا أن حاجة الناس وجوعهم دفع المتطوعين للمخاطرة بحياتهم لتأمين أقل مستلزمات البقاء الإنساني ضمن الحصار.
[sociallocker] صدى الشام
[/sociallocker]