عمر سليمان… من الريف السوري إلى “ظاهرة” غربيّة


بين سخريةٍ عربيّة وتلقُّفٍ غربيّ، يستفسر البعض عن سرّ صعود نجم المغني الشعبي، عمر سليمان، وتحوُّله إلى ما يشبه ظاهرة “غير مفهومة”، في عالم المهرجانات الموسيقية الغربية التي أوصلته إلى الغناء ضمن برنامج الاحتفالات الخاص بجائزة “نوبل” في النرويج عام 2013، إلى جانب ثلاثة مغنين عالميين هم: جيمس بلانت وموريسي وجاك باغ.

وإذ يصنف البعض ذلك الصعود بـ “المعجزة” والظاهرة العابرة، والأمر الذي “لا يصدق”، بنبرة لا تخلو من الاستغراب والتعالي؛ انطلاقاً من نظرة دونية إلى منبت المغني القادم من هوامش الجغرافيا السورية في ريف الحسكة، فإن ذلك لا ينفي ضرورة إخضاع تجربة الرجل للمعايير الفنية، والنظر في العوامل المتضافرة والمفسّرة لكيفيّة تحوُّله من فنان شعبي مغمور، إلى ظاهرة فنية تلقى الحفاوة والتقدير من قبل شرائح عريضة في المجتمعات الغربية، وخاصّة فئات الشباب.

لعل أهم هذه العوامل، تلك التي ترتبط بطبيعة الموسيقى التي يقدمها سليمان، والمُصنَّفة ضمن موسيقى “التكنو”، والتي ظهرت للوجود في منتصف عام 1980 في الولايات المتحدة الأميركية. ولا تهتم موسيقى “التكنو” بصورة جدية وفعلية بمتانة الجمل ومعنى الكلمات الغنائية، أو تعقيد الجملة الموسيقية، بل تنحاز لما هو بسيط وسهل وراقص، وذلك عبر تكرار الإيقاع والجملة الموسيقية الواحدة.

في السنوات الأخيرة، ومع حدوث تطورات تكنولوجية هامة على صعيد تسجيل الأصوات ودمجها ومزجها الكترونيّاً، توجه القائمون على موسيقى “التكنو” إلى البحث في موسيقى الشعوب والأغاني الشعبية حول العالم، بما يتوافق مع أساسيات هذا النمط من الموسيقى الراقصة والصاخبة، مبتعدين عن التقييمات الصارمة لبعض النخب الموسيقية ورتابتها.

وانطلاقاً من عدم وجود ثقافات موسيقيّة متقدّمة، وثقافات موسيقيّة متخلّفة أو بدائية، تطابقت موسيقى عمر سليمان مع ما أفرزته وأنتجته موسيقى “التكنو”. وجد الغرب في أداء سليمان إضافة جديدة، تعتمد على خلق التفاعل بين الإيقاعات السريعة الموجودة في موسيقى “التكنو” والطبلة الشرقية التقليديّة، وهي ذات الموسيقى المرافقة لحفلات الأعراس في الجزيرة السورية في الشمال السوري.

ويضاف إلى ذلك، ما يمكن تسميته بتكامل وانسجام “كاريكتره” الخاص مع أدائه، فصدق الرجل، وما يظهره من تصالح مع نفسه وفنه، يزيد من فرص نجاحاته. فسواء أدى الغناء في الشارع أو في مهرجانات عالمية كبرى، نراه ملتزماً بارتداء الدشداشة والعقال، ووضع النظارات الشمسية بشكل مستمر خلال الليل والنهار، مع عدم الإقدام على حركات سريعة وبهلوانية واستعراضية، كما هي الحال مع أغلب فناني “التكنو”، على العكس، يفضل سليمان الرصانة وعدم الانفعال الزائد على الصراخ والعويل، كل ذلك جعل من هيئته وبرودة أعصابه عاملاً إضافياً يزيد من حماسة الجمهور إليه.

الواضح، أن ظاهرة عمر سليمان تستمد قوتها من الغرق في المحلية. فهو فنان شعبي بامتياز، يخلق جوّاً من الفرح والسعادة والحركة بين جمهوره، بعيداً عن التأمل والحزن، وهو ما جاء في تقييم موقع جائزة نوبل له: “عمر لم يغير جو الأعراس في الشرق الأوسط فحسب، بأسلوبه الشرقي الشارعي، ولكنه جلب هذا الجو إلى الغرب”.

حقيقةً، وبالرغم من شهرته العالميّة، إلا أن سليمان لم يقدِّم على أي تنازل، لا في الشكل ولا في المضمون منذ انطلاقته. حافظ سليمان على ذات العفوية واللغة البدوية البسيطة عبر ألحان خفيفة مستمدة من تراث المنطقة. قد لا تكون موسيقاه تلك الموسيقى المعقدة والمتداخلة، إلا أنَّها جزءٌ من تراث حيوي وشعبي وإنساني، لذا ليس من الغريب أن يقوم بتسجيل أغنية “كريستالين”، مع المغنية العالمية، بيورك، في ألبومها “بيوفيليا”، وكذلك أن يتعاون مع، دايمون ألبارن، المنتمي لفريق “غوريلاز”.

قد يرى البعض، أن ما يقدمه عمر سليمان، أغانٍ هابطة، ولا صلة لها بالفن العربي العريق، ولا بالفن السوري الأصيل. فهو يعتمد على أغان تراثية عربية وكردية، ويقدمها بما يتوافق ونمطه المنسجم مع أغاني الدبكة وما يسمونه بـ “فن الكراجات”. لكن من يمكنه أن ينفي وجود هذه الموسيقى الشعبية وانتشارها الكبير في كل بلداننا، وكأن أصالة الغناء السوري وجودته، ترتبط فقط بالموشحات والقدود، أي الموسيقى المنتمية إلى المدن الكبرى، والقريبة إلى ذائقة البرجوازية التجارية.

وبعيداً عن نفس التعالي وصراع الريف والمدينة، وتصنيف العوامل وتداخلها، لا ننسى أن ظاهرة عمر سليمان الذي تصل عدد مشاهدات أغانيه على مواقع التواصل الاجتماعي إلى أكثر من تسعة ملايين مشاهدة، وتكون مذيلة بتعليقات من لغات عالمية مختلفة، تأتي كتجسيد للآلية التي تنتخب بها العولمة وما بعدها أنساقها الثقافية المناسبة، ونمطيتها المطلوبة، وذلك لإعادة دمج الثقافات وفرزها، وبالانجذاب إلى ثقافة الهوامش، وانتخاب ما يلائمها، بعيداً عن مفاهيم “النخبة” و”الأصالة” و”الخصوصية”.

 



المصدر