on
من الرصاص إلى “الفن” .. الغوطة تكشف عن سلبياتها بمسرحية
شهدت مدينة زملكا في الغوطة الشرقية، خلال الأسبوع الماضي، جمهوراً واسعاً في إحدى صالاتها، بعد تجهيزها كمسرح لعرض مسرحية لفريق من الشبان أطلقوا على أنفسهم اسم “steg live”، لتكون التجربة الأولى من نوعها في المنطقة المحاصرة، والطريقة الأكثر نقداً وتقبلاً من قبل الجمهور العام والفصائل العسكرية والمسؤولين بشكل خاص.
وبالرغم من الحصار والقصف المستمر لكافة مناطق الغوطة الشرقية، التي عجز النظام منذ أربع سنوات عن التقدم والسيطرة عليها، الأمر الذي جعلها تؤرق راحته في دمشق، لم تغب روح الفن عن شبابها. وما نشأت فكرة المسرح إلا إستسقاءً من القهر والتشرذم الذي بات واضحاً بين فصائل الغوطة وأهلها.
اتجهت فرقة steg live إلى فكرة علاج المشاكل السائدة في الغوطة عبر عرضها على خشبة المسرح، لتتألف مسرحيتهم الأولى من فقرتين، بحسب ما قال أحد عناصر الفرقة، المسرحي المعروف بـ”وسيم الخطيب”، لـ”صدى الشام”، موضحاً أن الفقرة الأولى للمسرحية وجهت فكرتها نحو هجرة الشباب خارج سوريا وأسبابها، والحلول للحد منها، أما الفقرة الثانية فكانت بعنوان (النحو العربي)، وقد سلطت الضوء على شرذمة الفصائل العسكرية والمناطقية وسبب الاقتتال بين الفصائل.
لم تكن فكرة إنشاء مسرح في الغوطة الشرقية بالأمر السهل، فهناك الكثير من التحديات والمعوقات، والبداية كانت من ضرورة توصيف الواقع وتحديد المشاكل الداخلية التي تثير الشأن العام والبحث عن حل لها من خلال فن مسرحي بسيط بحسب الإمكانات المتاحة، لتكون فرقة steg live هي المبادر لطرح تلك القضايا من خلال المسرح، وكانت أولى ثمارهم عملهم الأول الذي حمل اسم (الانسحاب).
بدأ مخرج المسرحية “أحمد حمدان” حديثه لـ”صدى الشام” قائلا: “قضية هجرة الشباب من الغوطة إلى خارج سوريا هي من أهم القضايا التي أردت أن أسلط الضوء عليها”، موضحا أن أكبر الصعوبات التي واجهتها الفرقة في البداية هي كتابة سيناريو المسرحية الأولى، وقد قام بكتابة العمل ومعالجته دراميا الكاتب “مضر عدس”، بحسب قوله.
من جهته قال مصور المسرحية “قصي نور”، لـ”صدى الشام”: “من الصعوبات التي واجهتنا، خلال تغطية عملنا عدم القدرة على امتلاك كميرات، ما جعلني ألجأ لتصوير المسرحية بكاميرا واحدة. ولكن جدية العمل وروح التعاون بين الفريق ساهم في نجاح المسرحية ومواجهة هذه الصعوبة، وإتمام التصوير، لكن لم يتم عرضها على اليوتيوب حتى الآن حتى يتم عرضها الأسبوع القادم في مدينة سقبا”.
بدأ شباب steg live عملهم كهواة، ولم يتوقعوا أن يلقى إنتاجهم إقبالا واسعاً. ومع التدريب القاسي والشعور بروح التعاون فيما بينهم، كانت فكرة تشكيل فرقة مسرحية، تطرح الأفكار بطريقة كوميدية، تعرض على كافة أطياف المجتمع من مدنيين وعسكريين، للمقاربة بين أفكارهم، في محاولة لتخفيف التشرذم بين مناطق الغوطة المحاصرة.
وقال الخطيب “جاءت فكرة الفرقة المسرحية، بعد اجتماعي وعدد من الناشطين، والمشاورات فيما بيننا، لنجد ان الحل الأنسب لإيصال الأفكار ومشاكل المجتمع من خلال المسرح باعتباره الأقرب للناس”.
مع غياب التلفاز في معظم البيوت داخل الغوطة الشرقية، نظراً لقلة توفر الطاقة الكهربائية والتي تتوافر بأسعار كبيرة إن وجدت، وبعد أن لجأ الكثير من الناس إلى وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت، كان المسرح الوسيلة الأكثر تأثيراً والأسهل في نشر الوعي بين الأهالي والحاضنة الشعبية التي انعزلت عن الخارج منذ 4 سنوات.
وقال مخرج المسرحية أن “كادر عمل وفرقة steg live يتألف من عدد من الناشطين. وقد حاولنا سابقاً رفع الوعي لدى الأهالي عن طريق البرامج الإذاعية عبر الإنترنت، لكننا قررنا من خلال عملنا الحالي وأعمالنا المستقبلية، طرح المواضيع بأسلوب مسرحي مختلف، يمتاز بأريحية في الطرح وسهولة في التعامل مع أية فكرة من كافة الجوانب”، وتابع: “سنتحدث عن قضايا مجتمعية وسياسية تهم كل الناس وسنركز على الكوميديا السوداء”.
إقبال الناس على هذا النوع من الفعاليات كان ملفتاً، في زمن كثرت فيه الخلافات وطال فيه الحصار. وقد حضر المسرحية عدد من الشخصيات المهمة في الغوطة وعلى رأسهم نائب رئيس الحكومة المؤقتة “أكرم طعمة”، ونائب قائد الشرطة “أبو خالد جمال”، إضافة لحضور عدد من قياديي فيلق الرحمن، مع غياب واضح لقياديي جيش الإسلام.
وأكد مصور المسرحية “نور” لـ”صدى الشام”، أنه قد “حضر عدد كبير من كبار الغوطة سواء رؤساء أو عناصر من هيئات وفعاليات مدنية وعسكري، ليصل عدد الحاضرين إلى 300 شخص. لقد كانت بداية موفقة، ولم نتوقع هذا الإقبال، وبدا تحمس الجمهور للعمل من خلال مطالبتهم بإعادة عرضها في كل بلدات الغوطة الشرقية”.
فيما أكد حمدان أنها لم تكن التجربة الأولى في التمثيل له ولمعظم أعضاء الفرقة، ولكنه لم ينف أن هذه التجرية كانت الأروع والأكثر تميزاً بالنسبة له، مشيراً إلى أن ما جعله يحب هذا العمل أكثر هو “روح التعاون والمحبة التي سادت بين أعضاء الفرقة، وتبادل الأفكار بينهم، والتفاعل المتميز بالرغم من عدم التهيؤ النفسي للقيام بالعمل، وذلك بسبب القصف والحصار المفروضين على الغوطة”.
فيما أكد الخطيب أن عملهم لن يقف عند المسرح، بل سيتم التوسع لعرض أعمال جديدة، بعد أن يعرض عمل (الانسحاب) في عدة مناطق بالغوطة، بناءً على طلب الجمهور والفعاليات، لتصل الرسالة إلى العوام، متابعاً “نعمل على عمل جديد بعيداً عن المسرح، وهو عمل درامي ناقد، وقد بدأنا بتصويره وسيعرض بعد الانتهاء من تصويره قريباً”.
المصدر